فضل بن سعد البوعينين
يُعتبر التغير المناخي من أهم التحديات البيئية المهددة لكوكب الأرض، لمخاطره على الدول والمجتمعات، والتكوين العمراني والتجمعات البشرية.
وفي المملكة، تشير الدراسات المناخية، والمشاهدات الحيَّة إلى تحول متسارع في مناخها، حيث تزداد كميات الأمطار، وتتساقط في مناطق كانت تشتكي الجفاف، وتجري فيها الأودية الجافة، إضافة إلى حدوث بعض الفيضانات التي لم تكن معروفة من قبل.
جريان الأودية، والزيادة الكبيرة في كميات الأمطار المتساقطة على مناطق المملكة، وتعرض بعض مدنها لسيول لم تُرَ من قبل، يستوجب تكثيف الجهود لمواجهة مخاطرها، والعمل الإستراتيجي للتكيف مع المتغيرات المناخية الدائمة.
هناك جهود حكومية نوعية للحد من مخاطر السيول، ومشروعات نوعية، ورؤية إستراتيجية للتعامل مع التغير المناخي يتم تنفيذها على ثلاثة محاور رئيسة، الأول مرتبط بالمشروعات والبرامج البيئية النوعية، ويختص الثاني بالحد من الانبعاثات الضارة والتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة، وإطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، أما المحور الثالث فيهتم بالتشريعات والأنظمة ومشروعات البنى التحتية التي تحد من مخاطر السيول. وبالرغم من الجهود الحكومية المتميزة، إلا أن تسارع التغيرات البيئية وإمكانية تحولها من متغيرات طارئة إلى مستدامة تتطلب تكثيف الجهود لإنجاز مشروعات تصريف مياه الأمطار ودرء مخاطر السيول على وجه السرعة وفق إستراتيجية شاملة، وفترة زمنية محددة. كما أن من المهم التعامل الصارم مع المخططات الخاصة لضمان مواءمتها مع المواصفات العالمية ذات العلاقة بمخاطر الأمطار والسيول والفيضانات.
الالتزام بتطبيق المعايير العالمية الحديثة عند إنشاء الأحياء الجديدة، والمجمعات السكنية، والطرق، ضرورة ملحة لتحقيق الحماية التامة من مخاطر السيول والأمطار الغزيرة. لا يمكن القبول بغرق بعض المخططات السكنية الحديثة التي تم إنشاؤها بعد تطبيق الأنظمة والتشريعات البلدية التي تنص على استكمال البنى التحتية للأحياء والمخططات بما فيها منظومة تصريف مياه الأمطار والسيول ومنظومة الصرف الصحي، واعتبار ذلك شرطاً للإفراغ وتنفيذ عمليات البيع على المواطنين.
مخططات الإسكان الجديدة، التي يقوم القطاع الخاص على تنفيذها، في حاجة لمراجعة عاجلة للتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات، وتوفر متطلبات تصريف مياه الأمطار والسيول فيها. أما ما كان منها قيد الموافقات النهائية فمن المهم التركيز فيها على مناسيب البناء، وإلزام ملاك المخططات برفع منسوب المخطط، وتصميمه وفق التصريف السطحي الذاتي الذي يضمن عدم حدوث الغرق، أو التجمعات المائية، بالإضافة إلى منظومة التصريف الأرضية.
التعامل مع المخططات الجديدة أسهل بكثير من التعامل مع الأحياء القائمة، ومن المعيب على القطاع الخاص والجهات المرتبطة بها، تعرض بعض مخططاتها للغرق بسبب الأمطار المتوسطة لا الغزيرة.
يفترض أن يكون العمل على معالجة الأخطاء السابقة، والاستعداد الدائم لمواجهة مخاطر السيول من خلال مشروعات نوعية تحمي المدن والأحياء من التداعيات الخطرة، أولوية لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية الإسكان. الالتزام بمعايير تخطيط المدن والأحياء ومناسيب الشوارع والمباني، استكمال شبكات الصرف، والاعتماد على الشركات العالمية في التخطيط، والإشراف والتنفيذ هو المخرج من أزمات الغرق المتكررة، تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع مع شركة «بكتل العالمية»، واستثمار الميزانيات المرصودة؛ وكفاءة التنفيذ وحرص شركاتها الوطنية على إنجاز المشروعات وفق جودة عالية ورؤية تكاملية بين القطاعين العام والخاص يجب أن يستفاد منها للتعامل مع مخاطر الأمطار والسيول؛ خاصة ما ارتبط منها بالمعايير والمواصفات وتخطيط الأحياء وتنفيذ المشروعات.
تداعيات الأمطار والسيول في بعض المدن والأحياء السكنية قد تسهم في سرعة المعالجة النوعية من خلال وضع «أطلس» المواقع المتضررة من السيول والأمطار؛ لتشكل قاعدة بيانات موثوقة لمواقع الخلل، وتجمُّع مياه الأمطار، ومواقع الأزمات الدائمة، ومن ثم التعامل معها وفق رؤية استراتيجية وبرامج عاجلة مصححة للأخطاء السابقة.
معالجة قصور شبكات تصريف الأمطار والسيول؛ وضمان تنفيذ مشروعاتها المستقبلية وفق المعايير العالمية؛ وتفريغ الأودية من المنازل أو تنفيذ مشروعات «الثقب الأفقي» أسفل الأحياء المهددة، لنقل السيول من خلال عبارات ضخمة تحت الأرض، وضبط المخططات الخاصة وعدم السماح لملاكها ببيعها قبل تنفيذ معايير التخطيط واستكمال شبكات التصريف؛ ومعالجة أزمة الأنفاق والطرق السريعة هو التحدي الأكبر والدواء الشافي لتحديات الأمطار والسيول.