نجلاء العتيبي
من أحد رفوف المكتبة المتنوعة بكنوز العلم والمعرفة يتناول هذا الشاب بشغفٍ وفضولٍ أحدَ الكتب؛ متطلعًا إلى روح الحياة على صفحات الورق...
تنهره والدته؛ معترضةً على اختياره لرواية أدبية بعنوان واقعي...
وبطريقة مربكة تهزها، تنفضها.
وبصوتٍ قاسٍ يتناسب مع فعلها تقول له: وش بينفعك فيه؟
تعتقد أن هذا النوع من الكتابة المتمثل في الرواية والقصة والمقال الاجتماعي وأبيات القصيدة التي تخاطب العقل البشري لا جدوى منها، وأنها مضيعة للوقت وإفساد للعقل.
أكاد أستشعر ما حدث بقلبه المفعم بحماس الاستكشاف...
مؤلم هذا الموقف، وفي حرم هذا المكان، وبهذا العمر...
حين تتجول به الذاكرة غدًا...
هل يتخطى وتصبح ذكرى صامتة؟
لن أطيل بالوصف الحسي حتى لا أذهب بعيدًا عن الموضوع.
يُعيده... وعلى نفس الرف وبجوار -العديد من كتب الأدب العربية العريقة- يودعه..
ما المشكلة أن يقرأ هذا النوع من الكتب؟
نص جيد، وعميق بمعناه، وهدفه ملتزم بمواثيق الكتابة والأدب، خالٍ من العبارات الشاذة..
عزيزتنا: الكتابة الأدبية في قوامها اللغوي العذب الجميل وأدواتها الراقية لا تقل في أهميتها عن باقي العلوم، وهي أكثر فهمًا والتصاقًا بقضايا الإنسان؛ إشارة إلى جمالٍ، أو لفت الأنظار إلى معاناة، صورة عن الواقع الاجتماعي بأحداثه وأبعاده الفكرية، التاريخية، المعنوية، المادية، تعالج قضايا، وتتناول أدق الأمور وأصعبها بحسٍّ أدبي ورؤية مختلفة، تُسلّط الضوء نحو مشكلات مهمة بمنظار أبعد وأوسع بلغة الوجدان المشتركة تثير الذكاء تُشعل العقل، تُدني الفضائل الحسنة، وتُظْهِر قبيح الأعمال السيئة، وعواقب اتباع الشر، ترسم النهايات الجميلة للصبر والجد والاجتهاد من خلال السرد بكل أنواعه، تعزّز الخصال الحميدة، نسمع الآخرين من خلال حروفهم، نلتقي في كل سطر معهم، ونتشارك حكايات الحياة؛ سرورها وأحزانها، ولا ننسى أحداثها التي شذَّبت أغصاننا وجعلتنا ننضج ونزهر.
كم من قصة ورواية غيَّرت مجرى حياة حزين بائس بثَّت في روحه الأمل، ومدَّت عقله بالنور مِن جديد.
وكم من كاتب خضع للنقد المزاجي الجائر وتفسير الكلمات على حسب الأهواء الشخصية، وقيل عنه ما لا يُطاق -هذا مريب وهذا غريب-، وربما -واحد من المخابيل-، ويبدأ الذم والتأويل يصدر الحكم، أحيانًا قبل قراءة المحتوى، ومن خلال العنوان فقط.
وأخيرًا
«اهتم العرب كثيرًا بالأدب، وكانوا يمارسونه من خلال إلقاء الشعر والنثر، وكان ذلك بالفطرة، لذا لم يتحدثوا عن وظائف الأدب بشكل مباشر.. لكنَّه من جهة أخرى هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن العرب القدماء كانوا على وعي كبير بوظائف الأدب. وكان الشعر هو النمط الأدبي الأكثر استخدامًا عندهم، والذي من خلاله مارسوا الوظائف الأدبية المختلفة. فأولى الوظائف التي كان الأدب يقدمها عند العرب قديمًا: تسجيل الأحداث؛ فمعظم المعلومات عن العصر الجاهلي كان مصدرها الشعر، وكان مصدرًا لتهذيب الأخلاق؛ حيث حرص العرب على أن يحفظ أبناؤهم قدرًا من الشعر والنثر، بالإضافة إلى أنه كان مصدرًا للمتعة عندهم؛ فأغلب ما كان يثير النقاش بين الأدباء والنقاد هو التفاضل بين الشعراء في المعنى الجميل والصياغة الجيدة، وكان الشاعر هو المتحدث الرسمي للقبيلة. (شركة الحاسبات المصرية).
نقطة ضوء
«سر الكتابة الجيدة هو قول الحقيقة» (جوردون ليش).