رمضان جريدي العنزي
الغلول هو أخذ المال وحقوق الناس بغير وجه حق ولا موجب، وهو من الذنوب العظيمة، التي لها أثرها السيئ وثمرتها المرة، يضيع الحقوق، ويورث الكراهية والأحقاد، ويعطّل المصالح العامة، كونه منزلقاً شيطانياً، ومخالفاً للأمانة الملقاة على العاتق، وسبباً من أسباب انتشار الفساد، الذي يضر البلاد والعباد، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فيا ويل الذين يغلون سيعذبهم الله يوم القيامة بما سرقوه، كونهم خانوا الأمانة ولم يحافظوا عليها، اختلسوا وسرقوا، واستغلوا وظائفهم ومناصبهم بغير وجه حق، فمكاسبهم من هذا العمل سحت وحرام، وكل أعمالهم من هذا العمل مردود عليهم وغير مقبول كونه نتاج فعل محرم لا يقبله عقل ولا دين ولا عرف ولا منطق، فعن ابن عمر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟» (رواه مسلم)، فلا صدقته مقبولة، ولا دعاؤه مستجاب، بل إن جسده مستحَق لنار جهنم -والعياذ بالله-، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكعب بن عجرة: «يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به» (رواه الترمذي)، أن الأمر خطير لا يُستهان به، والداء وبيل قد انتشر وظهر لدى البعض، فليحذر من يمارسه، وليتق الله ربه، ما دام في دار العمل قبل أن يلقى الله بغلوله ومظالمه وبغيه وعدوانه. إن الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، لذا علينا جميعاً بالكلمة الطيبة، والمقالة الحميدة، والخطاب الهادئ، والنصيحة الجميلة، أن نقاوم الغلول ونحاربه ونبيِّن خطورته، محاولين بجدية تامة وقفه وقطع دابره وشره، كونه من الكبائر التي يعاقب عليها الله تعالى أشد العقوبة في الآخرة، حتى إن الغال يجيء يحمل مغله فوق ظهره يوم القيامة، والغال إن سلم من الفضيحة في الدنيا فلن يسلم من الفضيحة في الآخرة، فليحذر الغالين من هذا المنزلق الأبليسي، والعمل البشع، وعليهم أن لا يستهينوا به البتة، اللَّهم أكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمَّن سواك.