مشعل الحارثي
في مثل هذا الشهر من عام 1344هـ تعود بنا الذكرى والتاريخ لنستذكر خاتمة مسيرة جهاد وفتوحات الملك عبدالعزيز رحمه الله لتوحيد ارجاء البلاد بفتح منطقة الحجاز التي بدأت في العام السابق بفتح مكة المكرمة ثم ما تلاها في عام 1344هـ من فتح مدينة جدة ثم المدينة ثم أرخ الشعر ووثق هذه الأحداث ومن ذلك تهنئة الشاعر محمد بن عثيمين للملك عبدالعزيز بهذه الفتوحات المتوالية بقصيدته التي نظمها بهذه المناسبة وفي استهلالها يقول:
سفر الزمان بغرة المستبشر
وكسا شباباً بعد ذاك المكبر
وتأرجحت أرجاؤه بشذائه
حتى لخلنا الترب شيب بعنبر
وتألقت في (طيبة) سرج الهدى
ما بين روضة سيدي والمنبر
وتألقت من قبل ذاك (بمكة)
إذ قدست من كل رجس مفتر
وتجددت من (جدة) أعلامه
وتقشعت منها رسوم المنكر
وجرت ينابيع الهدى في (ينبع)
هذي السعادة يا لها من مفخر
بفتوح مؤتمن الإله لدينه
ملك تسلسل من كريم العنصر
وقد تحقق لجلالته فتح جدة بعد حصارها لما يقارب العام وأقام لذلك معسكره الحربي بمنطقة (أبرق الرغامة)،مما اضطر الشريف علي بن الحسين بعدها للاستسلام للقوات النجدية بعد سيطرة القوات السعودية حربياً على الحجاز والمناطق المجاورة لها، فطلب الشريف علي وساطة المعتمد البريطاني بجدة آنذاك مستر (غوردون) إلا أن أهالي جدة عندما علموا بذلك اعترضوا على الشريف علي وطلبوا منه أن يقوموا هم بتسليم جدة لابن سعود بدلاً من الوساطة الأجنبية فوفد منهم وفد قابلوا الملك عبدالعزيز في (الرغامة) برئاسة الشيخ محمد صالح أبو زنادة وأكرم وفادتهم واستقبالهم وكان يسألهم عن بعض أعيان جدة قبل دخولها، وبعد أن تمت المفاوضات وقبل الطرفين بشروط التسليم ومنها خروج الشريف علي بسلام من جدة وتسليم اسرى الحرب السعوديين، وتسليم جميع الأسلحة والمهمات الحربية والبواخر لسلطان نجد لتكون ملكاً له على أن يتعهد سلطان نجد من جانبه بالعفو العام عن الموظفين المدنيين والعسكريين والأشراف وكل الأهالي وضمان سلامتهم الشخصية وسلامة اموالهم وتسهيل رحيل من يرغب منهم وأن يمنح آل الحسين جميع ممتلكاتهم الشخصية حتى تحقق للملك عبدالعزيز الفتح والنصر المبين، وفي صباح الأربعاء 7 جمادى الأخر 1344هـ وصل الملك عبدالعزيز إلى (الكندرة) واستقبله أهالي جدة وقناصل الدول الأجنبية وتم رفع العلم النجدي وأطلقت المدافع احتفالاً بهذه المناسبة، وأعطى أهل جدة الأمان وبعث مناديا قبل الدخول ينادي في احيائها (الأمان الأمان)، وفي صباح اليوم التالي دخل الملك عبدالعزيز جدة ونزل في دار الشيخ (محمد افندي نصيف) وكيل شريف مكة المكرمة في ذلك الوقت وأحد كبار أعيانها ووجهائها والموسرين فيها، فهرع إليه أهالي جدة افواجاً لمقابلته والقيت بين يديه الخطب والأناشيد والقى فيهم خطاباً منشوراً يهنئهم فيه بهذا النصر والفتح الذي ازال الله به الشر وحقن دماء المسلمين وحفظ اموالهم ومبشراً لهم بمستقبل مزدهر بعد أن دعا أهل الحجاز لإقامة مؤتمر يجتمعون به لتقرير وضع المنطقة ومصالحها في حاضرها ومستقبلها.
وبدخول جدة تحت حكم جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله شعر أهلها وسكانها بالطمأنينة والاستقرار التام وبدأت تتحسن أحوالهم وظروفهم المعيشية وانطلقوا بكل همة وعزم وإصرار في ركضهم التنموي والحضاري.
وما زال أهالي جدة يذكرون لجلالته حين قدومه لمدينة جدة في كل عام مروره بأغلب حواري جدة وشوارعها وأسواقها وهو يقدم المعونات المالية من الجنيهات الفضية للفقراء والمعوزين، وعندما كان يؤدي الصلاة في مقصورة بيت (باناجه) الملحقة بمسجد الحنفي ثم أصبح ينزل فيما بعد بقصره الذي بناه بحي النزلة المعروف بـ (قصر خزام) الذي تحول الآن لمتحف إقليمي.
كما يتذكرون ما قام به جلالته من اصلاحات تنموية مهمة لمدينة جدة زادت من استقرارها ونهضتها ونموها المتسارع، ومنها حل ازمة المياه بتحلية (الكنداسه)، ثم جلب مياه العين (العزيزية) التي اوقفها على أهالي جدة، والسماح بمبادرات التجار لتطوير جدة ومنها خدمة ادخال الكهرباء، وبعد ظهور البترول صدرت اوامره بإلغاء رسوم الجمارك على البضائع ورسوم المواصلات ورسوم الحجاج والتي كانت تمثل دخلاً للدولة تنفق منها على مرافقها المختلفة، وشيدت المدارس والمستشفيات وعبدت الطرق واهتم بتحسين الحالة الاقتصادية وازالة كل الأعباء التي ترهق المواطنين وكل ما يدخل السعة عليهم وشعورهم بالرضا والاطمئنان.
إن مقارنة بسيطة لواقع محافظة جدة حالياً ومنذ عهد الملك عبدالعزيز وهي داخل سورها العتيق مروراً بعهود أبنائه الملوك من بعده رحمهم الله جميعاً وإلى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز سيدرك مدى تلك التحولات التنموية الجبارة التي طالت محافظة جدة فأصبحت بحق بوابة الحرمين الشريفين وواحدة من المدن الاقتصادية والسياحية الساحرة على شاطئ البحر الأحمر وما تحقق لها من منجزات وما ينتظرها في هذا العهد الميمون من قفزات تطويرية وتنموية غير مسبوقة برعاية واهتمام مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وسمو محافظ جدة الأمير سعود بن جلوي وسعيهم الدؤوب لتحقيق آمال وتطلعات أهالي وزوار جدة.