د. تنيضب الفايدي
وكم تكرر في القرآن الكريم الطلب في النظر في خلق السماوات والأرض وما وجد فيهما من الآيات الكونية قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} سورة ق الآية (6 - 11).
ولا تقتصر الحياة على الأرض على ما يحصل عليه الإنسان من غذاء وإنما هناك نظرة جمالية على الأرض وذلك بما هيأه الله فيها من أنهار وبحار ومحيطات ونباتات مختلفة فهذه الموارد تسهم في بث النظرة الجمالية للبيئة التي خلقها الله.
ونظرة الإسلام على البيئة نظرة شمولية لأن جميع أنواع البيئة مصدرها الأرض وهذا يتطلب معلومات موثقة عن الأرض كما أن تكيف الإنسان مع بيئته يحدث علاقة أكثر أهمية وتآلف مع البيئة ليعمل جاهداً في جعلها نظيفة نقية لتدخل إلى نفسه البهجة، حيث إن التفاعل بين الإنسان والحدائق (النبات) يعتبر أعمق من مجرد اخضرار البيئة وجمالها، بل تجعل المكان حبيباً إلى نفسه، لذا فإن انتشار الحدائق في المدن ونظافة شوارعها وجمال البيوت واختفاء بقايا البيوت الخربة وتحويلها إلى حدائق ومساحات خضراء وزهور ذات ألوان زاهية تفيض بالجمال يجعل ذلك بيئة نقية حبيبة إلى الإنسان.
والإسلام يشير إلى ذلك بكل وضوح أي إن الحدائق تدخل البهجة والسرور وتعتبر منبعا يفيض بالجمال قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (60) سورة النمل. أي أن نقاء البيئة ونظافتها ينعكس إيجابا على صحة الإنسان فوجود مساحات خضراء وحدائق عامة منتشرة حول الإنسان تساعد على تنقية الهواء مما ينعكس إيجاباً على صحته أما تلوث البيئة فينعكس سلباً على صحة الإنسان فمخلفات المصانع وعوادم السيارات والدخان المنتشر من المصانع وحرق القمائم ينتج عن ذلك تلوث الهواء بل وتلوث البيئة بأكملها.
أمم الأرض
قال تعالى:{قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (11) سورة الأنعام). وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (69) سورة النمل.
عندما شعر العالم بالخطر على الكرة الأرضية من التغير المناخي عقدت عدة مؤتمرات أممية (عدد كبير من أمم الأرض) لمناقشة الآثار المترتبة على هذا التغير سواء كانت عوامل ومؤثرات طبيعية أو بشرية ومن هذه المؤتمرات:
مؤتمر ستوكهلم 1972م، برنامج الأمم المتحدة للبيئة (1974م)، مؤتمر تبليسي (1977م)، مؤتمر البرازيل1979م، مؤتمر بلغراد 1975م، وآخرها كان مؤتمر كوبنهاجن الذي عقد في ديسمبر 2009، وحضرته (192) دولة، وغيرها من المؤتمرات، وقد تناول الأرض وما فيها كنظام متقن متكامل، وقد ورد ذكر الأرض وما فيها من نظام بديع يحكم ما تحويه الأرض في باطنها، وما يعلو فوقها من أحياء وجماد، أو ما يحيطها من كواكب ونجوم، وهواء وفضاء، وذلك في عشرات الآيات من القرآن الكريم. فقد ذكرت الأرض في القرآن الكريم 287 مرَّة إجمالاً، وأكثر من نصف هذا العدد له صلة بموضوع البيئة. إذ نجد تلك الآيات تتحدَّث عن تسخير الله لما في الكون لصالح الإنسان، وأنَّه خلقه بمقدار وأنزله بمقدار، وأيُّ خلل في هذه المقادير يعد ناقوس خطر يهدِّد الحكمة من الخلق، ويعطِّل هذه المخلوقات عن أداء وظيفتها، وسيرها وفق النظام المرسوم ولآبد أن نمر على بعض هذه الآيات لتأكد تأكيداً جازماً على عناية الإسلام بالبيئة.
ومن هذه الآيات الكريمة قول الباري:
1 - {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الجاثية الآية (13).
2 - {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة آية (22).
3 - نهى عن الفساد في الأرض، وعاب على أهله فعلتهم، وإن زعموا أنهم يصلحون قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} سورة البقرة آية (11). وتجتمع أغلب عناصر البيئة في هذه الآية ولاسيما الرياح والسحاب والماء والبحر والدواب قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} سورة البقرة آية (164).
أرض الله
تعتبر الأرض بمكوناتها البيئية بيئة إسلامية لأنها أرض الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} سورة النساء الآية (97).