الثقافية - حاورته - مسعدة اليامي:
بين القاص و الروائي ناصر الجاسم عبر هذا اللقاء أن أدب العزلة مشبع بالانفعالات النفسية والعواطف القلبية، وليس قائماً على عنصر التخييل، ويفتقر للصدق الفني في الغالب.
حيث قال: أنا لا أسمّيه أدب عزلة، ولا أميل إلى أدب المناسبات، سواء كان شعراً أو نثراً، فأدب العزلة يظل في النهاية كأدب المناسبات.. الثقافية استضافت الثقافية الجاسم للحديث عن هذه التفاصيل عبر هذا الحوار..
ماذا تعني لك القراءة وما هي الكتب التي تغذي فكرك وروحك الأدبية والإبداعية؟
قد تكون القراءة كالسنارة التي بيد الصياد، يصطاد بها أشهى السمك، وقد تكون كالرصاصة التي يحشو بها بندقيته ويصطاد بها أسمن الطيور، فهي وسيلة لبلوغ غاية، فإذا قرأتَ بشكل جيد واخترت ما تقرأه بعناية فائقة فحتماً ستصطاد فكرة إبداعية مناسبة، وحتماً- مرة أخرى- سيتسع خيالك بشكل يفوق المقاس الذي كان عليه قبل أن تقرأ، إذا كان في الإمكان أن يُقاس الخيال، وحتماً ثالثة، تقرر أن غيرك من الكتّاب سيغويك بما كتب، وسيفتنك، وربما رفع حماستك لتُقيم سجالاً معه، وربما ولّد في نفسك عاطفةَ غيرةٍ محمودة لتنافسه وأن تتفوق عليه.
ولأجل ما سبق فلا يوجد كِتاب واحد وفي حقل معرفي واحد أو باسم مؤلف واحد هو ما يغيّر شيئاً في داخلي، إنهم كُتاب كثيرون، وفي حقول معرفية جمّة، وبأسماء متغيرة، وقد لا تكون متكررة، إن هؤلاء جميعهم- الذين لا أجعلهم سقفاً واحداً أنظر إليه- من كُتب كل واحد منهم قد أقطف غذاء لمخيلتي أو للغتي.
*هل يجري السرد في نفسك مجرى الدم والماء ومتى يحضر الشيطان في الوصف السردي؟
-أنا كائن مسكون بالكتابة، لكن الكتابة لديّ لا تجري مجرى الدم أو مجرى الهواء، غير أنها يمكن أن تكون ككائن يزورني أحياناً أو يتلبس في داخلي زمناً محدداً ثم يغادر أو يغيب، ويرجع لي ثانية بعد وقت يسير أو طويل، وأحياناً يقيم في دمي شهراً أو شهرين، ولا أقلق إن هجرني عاماً أو عامين، ولا أدري لماذا أحسّ الكتابةَ كالقرين الذي يُلازم الإنسان بعد ما يُعرف بـ «نفثة الشيطان» للمولود عندما يغادر بطن أمه، فهي موجودة وغير موجودة، وليس وجودها كوجود الملائكة أو الشياطين، هو وجود وظهور وغياب خاص، يتعلق بجملة من الأشياء، أقلها وجود فكرة تستدعي الكتابة، وأكبرها وجود مدد لغوي يوظف الفكرة أحسن توظيف كتابي، مع الأخذ بالحاجة إلى وجود خيال خاص ونادر يميّزك عن غيرك ممن يكتب، مع عدم نسيان أن يقفز أمامك باعث قوي كمقاتل تريد أن تنتصر عليه.
*كتبت القصة فبماذا كنت تغذي ذلك الحقل حتى أثمرت شجرته؟ وما رأيك فيما كتبه النقاد عن مجموعاتك القصصية؟
-إن الذي يدخل معترك الكتابة الإبداعية سيعي درساً مهماً جداً، وهو أن التواجد في ميدان القول أو ميدان البوح أو ميدان الرسم أو ميدان الكتابة سيولّد تواجداً ثانياً وثالثاً ورابعاً وهكذا... فالفلاح المتواجد في الحقل يزرع كل عام ويحصد ويغذي من حوله، فالكتابة عملية زراعة وإنتاج محصول وتغذية عقول ومشاعر فيما بعد، وكل ذلك يخلق ما يشبه الديمومة، كي تحظى في النهاية بلقب «الأصالة»، وتبتعد عن أن تُنعت بـ «الدعيّ»، أو أنك زَيف أو غُثاء، فكتاباتي القصصية والسردية إجمالاً تحفزني لكتابة سردية ثانية وثالثة وهكذا؛ فهناك حماسة داخلية تنشأ عقب كل كتابة تنتهي، حماسة تكبر مع شعوري بالرضا عمّا كتبته وما انتهيتُ منه، والرضا لابد أن يكون غيري من يقول به وليس شخصي أنا فقط، لابد أن أرضى عن نصي، ويرضى قرائي معي، فإذا رضي- الاثنان معاً- جاء الرضا بكتابة جديدة وهكذا.
ومنذ أن بدأت الكتابة السردية في العام 1990م وحتى الآن والرضا يحصد رضاً آخر، والكتابة المنتهية تجهّزني لكتابة جديدة، وقرائي الراضون عن تجربتي والمتحمسون لي يتوالدون وينجبون المزيد من الراضين.
وكل ناقد كَتب عني قد أبان جمالاً محدداً، وتعدد النقاد الذين درسوا أعمالي أكسبني شعوراً بالرضا أيضاً، ذلك أن جماليات الكتابة لديّ في هذه الحالة تكون كثيرة، وشكراً جزيلاً لجميع النقاد الذين تفضّلوا بدراسة أعمالي، وجمال أدواتهم النقدية ساهم كثيراً في التسويق لاسمي الأدبي، إنني أحترم كل ناقد درس عملاً لي، لأنه في الأصل قد احترم عقلي واحترم عاطفتي، ولابد في هذه الحالة أن تتخلق عاطفة الحب في نفسي تجاهه.
وأعتقد أنني محظوظ جداً بالنقاد الذين تصدوا لأعمالي؛ أسماؤهم كبيرة على مستوى بلدانهم، ومنهم مَن هو معروف على مستوى عالمنا العربي، وممارستهم النقدية طويلة، وجُلّهم من الأكاديميين والموهوبين والمشهورين في مجالات تخصصاتهم الكتابية في الشعر وفي الرواية.
*أبحرت في كتابة الرواية القصيرة الموغلة في الصراعات النفسية فتلك الروايات لا تفهم من القراءة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة فما هي قواعد لعبتك اللغوية التي جذبت ونفرت؟
-انجذاب القارئ نحو عمل ما ونفوره منه، مرتبط أشد الارتباط بمستوى ثقافته وبمستوى الفهم اللغوي لديه وبمستوى تعدد معارفه وبما يصدر عنه من وعيٍ تجاه الأشياء من حوله، فالانجذاب إلى الشيء والنفور منه علامتان صحيتان لكل منتج، سواء كان إبداعياً أو غير إبداعي، لأن «الناس بخير ما تباينوا فإن تساووا هلكوا» كما جاء في الأثر، فإذا كانت رواياتي قد سجلت انجذاباً فذلك مرتبط بالقارئ أكثر مما هو مرتبط بلعبة سردية لعبتها، وإن كانت قد سجلت نفوراً فالذي يُسأل هنا هو القارئ أيضاً، لماذا نفر منها؟ لأنني ككاتب أكتب لهُ وليس لنفسي، وقواعد «اللعب السردي» تلك خاصية يُسأل عنها في المقام الأول الناقد المتخصص لكي يكشفها ويبينها، وهذا شيء من العلم بالسرد يُؤتى لأناس ولا يؤتى لغيرهم.
*هل على الكاتب أن يكون قارئا لكتب علم النفس وعلم الاجتماع اذكر بعض الكتب التي قرأت؟
-على الكاتب أن يقرأ في مختلف العلوم، وألا يحصر قراءته في علمين محددين كعلم النفس أو علم الاجتماع، فينتج بالتالي ما يسمى بالروايات النفسية أو الروايات الاجتماعية، أو حتى إذا قرأ في علم محدد من العلوم البحتة الجافة كعلم الذكاء الاصطناعي أو علوم الفضاء فسينتج ما يعرف بالرواية العلمية أو التكنولوجية، لذلك أرى أن يفتح الكاتب أفقَ القراءة لديه على أقصاه، وألا يُلزم نفسه بالسباحة في بحر واحد من بحور المعارف أو بالغرف من نهر واحد من أنهار الكتب، ليجعل العلوم كلها تتلاقي في نصوصه، وليجعل المعارف كلها تحضر- إن أراد- لأن الأدب في النهاية هو مُشاكلٌ للحياة، وأن الشخصية الإنسانية في جوهرها جملة من المعارف والخبرات المتنوعة.
*القراءة ماذا تعني لك وكم وقتا تمضي مع خير جليس، وهل تقرأ الكتب الإلكترونية اليوم؟
-الكتب الإلكترونية هي البديل الجاهز للكتب الورقية، نعم أقرؤها، ولكني لا أحبذ القراءة فيها دائماً، فالشاشة حائل بيني وبين متعة النظر إلى الورق ولمسه، فالكتب الإلكترونية تجدد حنيني إلى الكتب الورقية، وتشعرني بسطوة الزمن على الفرد، وبمرارة التغيير إذا لم يكن نحو الأفضل، ولكني مع ذلك تكيفت مع هذا الصديق الجديد الذي لا يوفر لي مناخ القراءة بارتياح كامل، أو بصفاء ذهني كبير، أو بمتعة روحية تَحضرُ في أدنى درجاتها.
*هل سنرى لك أدبا رقميا أو ماذا يعني لك ذلك الفن؟
-يحقق التواصل التقني صداقات إبداعية مهمة للغاية، ويتيح فضاءً واسعاً جداً للانتشار، ويساهم في إعطاء من لا يأخذ حقه الإبداعي أو الأدبي في وطنه من قبل نقاده ومؤسساته الرسمية الفرصة لأن يحصل عليه بشكل أكثر حضارة ورقياً من نقاد أحرار أو مؤسسات محايدة.
ولدي مجموعة قصصية على شكل كتاب إلكتروني مترجم إلى اللغتين الإنجليزية بعنوان: « The Last Sex» والفرنسية بعنوان: « L’ULTIME COIT».
*الموهبة لا تكفي فماذا تحتاج من المبدع نفسه؟ وهل ترى أن الدورات في الفنون الأدبية المختلفة أفرزت مبدعين؟
-الموهبة العظيمة الأصيلة النادرة الحدوث كافية وحدها لإنتاج أدب عظيم يتسم بالخلود، وبأن يأخذ مسمى «الأدب المثال» أو «الأدب» النموذج لكي يُطرح كمادة غذائية مرجعية للأجيال القرائية، مادة خام لا تعرف النضوب، مثلما كوّن ذلك كثيرٌ من كتّاب العربية في العصر العباسي خاصة في فن الشعر مثلاً، ومثلما أفرز ذلك الأدباء الروس العظام في حقبة زمنية محددة، وكذا غيرهم من الأدباء بلغات شتى.
والموهبة العظيمة لا تعلن عن ظهورها كنبتٍ شيطاني أشأم، أو أنها تظهر فجأة من دون إرهاصات، أو من دون إطعام مسبق، فالموهبة العظيمة تظهر في الوقت الذي أشبع صاحبها نفسه بالقراءة، قرأ وقرأ حتى اكتفى، وحتى فاض منسوب نهره القرائي، فاض وتدفّق على شكل كتابة خاصة به هو، قد يكون فيها شيء من آثار الذين قرأ لهم.
والدورات الأدبية تخلق تاجراً ولا تخلق أديباً، وقد تُقدّم لنا أستاذاً جيداً لن يكون في أحسن حالاته أفضل من أستاذ جامعي، وقد لاحظتُ أن مقدمي الدورات الأدبية مثلهم مثل مدربي التنمية البشرية والبرمجة العصبية والاستشارات الزوجية الأسرية، أناس أراهم يبحثون عن المال وعن الوهج الإعلامي، وليس عن تفريخ المواهب أو إصلاح النفس أو تقويم الأسرة، وفي ظني أن المكان المناسب للدورات التدريبية في فنون الأدب يجب ألا يتعدّى أسوار الجامعة، وأن الأندية الأدبية إذا أرادت أن تشارك فيه فلتتعاون مع الجامعات في ذلك.
*الكتابة المسرحية ذلك الفن من أي الأبواب دخلتهُ ولماذا؟
-الكتابة المسرحية لها غواية كغواية أنثى غانية، عذبة اللهجة تجيد فن الغزل، أنثى تحسن التبرج إلى حدّ أنها تأخذ حواسك كلها إليها، تأخذ بصرك وسمعك تحديداً، وتسعى إلى الظفر بحاسة التذوق لديك وتفعيل حاسة الاستجابة، وقد أغوتني نصوص المآسي الكبرى لشكسبير، ونصوص محمد الماغوط، وتشيخوف، فكتبت النزر القليل من المسرحيات، والحق أن لكتابة المسرحية بهجة كبهجة اللقاء بفتاة تحبها.
وبما أن المسرح في المملكة العربية السعودية كان الأقل حظاً في سنوات ولّتْ من حيث موضوعية البنية التحتية، فإنه الآن وفي العهد الجديد للثقافة والأدب إجمالاً في بلادنا لم يعد مقبولاً أن نوجد الأعذار أو نسبب الأسباب لتخلّفه- أو قل جموده إن شئت- أو عدم نهضته السريعة، فالعوائق التي كان يقول بها منظّرو الحركة المسرحية عندنا بأنه يوجد «أزمة نص» و «أزمة ممثلات» و «أزمة كوادر فنية متخصصة» و «أزمة مسارح مهيأة تهيئة عصرية» فهي وإن صحّتْ أسباب ثانوية، ذلك أن السبب الرئيس من وجهة نظري ينال ذائقة الإنسان في المملكة العربية السعودية بمختلف طبقاته الفكرية والاجتماعية ومستوياته التعليمية، فالمفترض من المسؤولين عن الثقافة وعن الفن في بلادنا أن يربّوا ذائقة النشء على حب المسرح من خلال تسلله بشكل جاذب في المناهج المدرسية منذ الطفولة، وأن يصحّحوا توجّهات البالغين والكبار بحيث تميلُ أفئدتُهم ميلاً طبيعياً إلى فن المسرح كما حدث في تجربة الميل إلى السينما وإلى راليات السيارات ولعبة البلوت والشعر النبطي وغيرها، إننا بحاجة إلى أن ينجح المسرح لدينا إلى حد أن يكون نجومه كنجوم وسائل التواصل الاجتماعي، باختصار أن نُحيل المسرح إلى فن اجتماعي لكل الناس، ومن خلال نجومه الذين سيتوالدون ويشتهرون، فهم الذين سيدفعون بالأب والأم وكافة أفراد الأسرة من الأطفال والبالغين إلى الذهاب سوياً إلى العروض المسرحية.
*تملك تعددية في موهبتك السردية وإن كان حضور القصة هو الأقوى، كيف تعمل عملية توازن لتلك الأعمال الأدبية؟
-بدايةً، الكتابةُ إجمالاً فعلٌ مريح، هي كالاستجمام، كالتنزه في حديقة، أو كسباحة في بحيرة دافئة، وكل مرحلة من مراحل تكويني الأدبي أو تاريخية الكتابة، أنا أجد نفسي مغرماً بجنس أدبي معين، وما يوقعني في الغرام به هو احتفائية القراء والنقاد بما أكتبه، ولكن أشدّ ما وجدت نفسي فيه في البدايات الأدبية كان فن المقالة، وانتقلتُ فجأة نقلة عاشق إلى جنس القصة القصيرة ولم أترك هذا العشق أو أسلو عنه طيلة ثلاثين سنة.
الكتابة السردية لدي ليست فعل استهواء، أو توجّها قصديا إلى الورق، واستدعاء للحبر، واتخاذ قرار مع الذات، لأن أكتب قصة قصيرة أو رواية أو مسرحية أو قصة قصيرة جداً، ذلك أن هناك شيئاً خارجاً عن إرادتي يملي عليّ شكل ما أكتب أو جنسه، إنها الفكرة، فالفكرة عندما تحضر في ذهني وتعيش في وجداني وتركض في مخيلتي، فإنها هي من تقولب ما أسرده، تقرر عنوان النص، وتختار مواصفات بطله، وترشّح لغته وتقترحها.
فالحالة الكتابية الإبداعية لديّ ليست تشريفا أو امتيازا لجنس أدبي دون غيره، أو أنها تأتي بقرار قبلي، وليس فيها أي نوع من أنواع التفضيل الظاهرة أو الباطنة، المعلنة أو المخفية، هي فكرة باختصار تأتي غالباً مفصّلة على مقاس شخصية، شخصية لها نمط حياتيّ وسلوك معروف تكون هي البطلة دائما، وهذان العنصران (الفكرة والشخصية) يحددان غصباً جنس الكتابة السردية ومسارها، فليست أي فكرة تصلح لأن تكون فكرة روائية وكذا الحال بالنسبة للقصة القصيرة لها ما يلائمها من الأفكار.
*ماذا تقول لنا عن مشاركاتك في الملتقيات الثقافية داخل وخارج الوطن؟
-أشارك متى ما وجّهتْ لي الدعوة وأحرص دائماً على تلبيتها، وأبدي اهتماماً خاصاً ونوعياً في كل مرة أشارك بها؛ لأن المشاركات تمنحك الإحساس بالتواصل مع قرائك ومع المجتمع الأدبي في داخل وطنك وفي خارجه، وتسوّق لك إبداعياً من حيث لا تدري، وتمدّك برصيد هائل من الفرح الداخلي، وبطاقة متجددة عندما تقطف إعجاباً من هنا وإعجاباً من هناك وهكذا. وأفضل ما أجنيه من هذه المشاركات هو التقدير الأدبي والمعنوي والزخم الإعلامي الذي يحدث أو يرافق الحدث بشكل يؤكد لي دائماً أن كل أديب بحاجة إلى إعلام أدبي خاص به حتى يصل طرحه إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء، والقراء الذين يتم الحصول عليهم من خلال الإعلام الأدبي المصاحب للمشاركات الداخلية والخارجية هم عادة قراء نخبويّون وعلى مستوى عالٍ في ارتفاع الذائقة الأدبية، وفي مهارات التواصل الأدبي، وأحياناً يتمتعون بذخيرة نقدية قد لا تجدها عند غيرهم من الأساتذة أو النقاد، وربما أتوا أحياناً إليك يحملون أحكامهم النقدية وآراءهم فيما تكتبه بعفوية حلوة وببساطة نادرة لا تجتهد كثيراً كي تستوعبها أو تتعب كي تقرأها.
*ماذا يعني لك التكريم أو الجائزة أم أنك من الذين لا تهتم بتلك الأمور؟
-لا شك أن الجائزة رافد معنوي مهم لاستمرارية الكتابة والإبداع وللظهور بنفس المستوى من الكفاءة والإقناع للقارئ والناقد، وأنها مسوّق جيد للتواجد في سوق الأدب بشكل عام، وهي محطة مهمة في تاريخ أي كاتب، ويمكن أن نعتبرها منعطفاً مفصلياً للسير في طريق أكثر وعورة أو نقطة لعدم العودة إلى ما قبلها، وهذا لا يكون إلا بقطف جائزة ثانية أكبر منها.
*كتبت أدب عزلة أثناء جائحة كورونا فهل أنت مع الفكرة بأن ذلك أدب عزلة أم لك وجهة نظر أخرى؟
-أنا لا أسمّيه أدب عزلة، ولا أميل إلى أدب المناسبات، سواء كان شعراً أو نثراً، فأدب العزلة يظل في النهاية كأدب المناسبات أدبا مشبعا بالانفعالات النفسية والعواطف القلبية وليس قائماً على عنصر التخييل، ويفتقر للصدق الفني في الغالب.
ولو راجعنا الأدب الذي كُتب في مناسبات- سواء كانت كفترة كورونا أو غيرها من فترات الأوبئة التي عاشها الإنسان عبر تاريخه الطويل- سنجد أن الذي اشتهر ونجح فنياً من هذه الكتابات عدده قليل جداً، كرواية الحب في زمن الكوليرا ورواية الطاعون.
والكتابة في الأصل هي فكرة، فكورونا التي أتت بهذا المصطلح لا ترتفع إلى أن نسمي الأدب الذي كُتب في زمنها بأدب عزلة، هو أدب فكرة، إنها- أي كورونا- منحتنا فقط أفكاراً لكي نكتب عما حدث.
*هل أنت من الذين ينتهجون الكتابة بخطة مكتوبة؟ في حال كان ذلك حالك فما هي ضوابطك في ذلك؟
-لا يوجد عندي ما يسمى بالتخطيط الكتابي المدروس، أو أنني أعتمد شيئاً من الرسوم البيانية، أو أدوّن قصاصات في أوراق متفرقة. الكتابة لدي تأتي أولاً في صورة فكرة ترد إلى الذهن، أوعبر شخصية تأسرني أو تجذبني من واقعها جذباً، وتعيش الفكرة أو الشخصية في نفسي زمناً، ومن ثم ترحّل من نفسي ومن ذهني إلى الورق فتكتمل في صورة قصة قصيرة أو رواية، أنا لا أعنى كثيراً بالتنظير لما سأكتبه، أو بالتمهيد، هي أشياء تُطبخ في الداخل من دون أن يظهر لغيره رائحة طعام أو شكله.
*الشعرية في الكتابات السردية نتيجة قراءة كتب الشعر بكثافة أوكيف تكتسب تلك السمة في الكتابة وما هو القادم لك من أعمال سردية؟
-الشاعرية لا تتأتى من القراءة في دواوين الشعر، فالشعرية أراها سمةً للغة الأديب سواء كان شاعراً أو ناثراً، ويوجد من الشعراء من لا شاعرية في لغته، وكذلك عند الناثرين يصعب أحياناً أن تقبض على مفردة يمكن أن نسمّيها شعرية، المسألة لا تعدو أن تكون مهارة لدى المبدع نفسه عند التعاطي مع الكتابة، وقد وجدنا أن كثيراً ممن قرأ مئات الدواوين الشعرية ومن مدارس شعرية مختلفة، ومن عصور أدبية مختلفة، ومنهم من حفظ أشعار غيره، لم يستطع أن يأتي بما سمّيتِهِ «اللغة الشعرية» في كتابته، إذن نخلص إلى أن اللغة الشعرية «ميزة» يمتاز بها كاتب ولا يمتاز بها آخر، ويمكن- أحياناً- أن يقصد إليها الكاتب قصداً إذا كان قادراً على الإتيان بها عمداً في كتابته.
*نبارك لك فوزك بمسابقة نادي الجوف الأدبي التي طرحت بمناسبة اليوم الوطني، ما رأيك في ذلك التوجه؟ وهل يخدم الحركة بالنسبة لكتاب القصة؟ وماذا عن مشاركتك ووصول مجموعتك القصصية إلى القائمة الطويلة ضمن مسابقة نادي الحدود الشمالية؟
-الفوز بمسابقة أدبية موضوعها الوطن مفخرة كبرى أياً كان المركز الذي يحققه المبدع، أضف إلى ذلك أن الفكرة السردية التي لها طابع وطني صعبة المعالجة من ناحية فنية سردية، وعندئذ يكون للفوز بهجة إضافية هي شعور المبدع بأنه كائن متفوق على ذاته وذو موهبة مختلفة لأنه طوّع وسخر إمكاناته اللغوية وخياله الأدبي ومهاراته السردية لصالح موضوع ليس بذي طابع سهل، فلا هو معني بالشأن الاجتماعي البحت، ولا بالشأن السياسي الصرف، ولا بالشأن التاريخي أو الرومانسي، وإنما مجاله الشأن الوطني، ونادراً جداً ما تجدين المعنيين بالكتابة السردية يتناولون في قصصهم القصيرة أفكاراً وطنية مجردة.
إن أخذ نادي الحدود الشمالية الأدبي الثقافي نظام القوائم الطويلة والقصيرة كمعيار فني للوصول إلى الحكم على أفضل مجموعة قصصية قصيرة سعودية صدرت في العام 2020م يعدّ بدعاً جديداً في الجوائز الأدبية الممنوحة للمبدع داخل السعودية، وهو تقليد أدبي عالمي، ويشكر نادي الحدود الشمالية على تطبيقه في مسابقته؛ لأنه- أي النظام- أثبت جماليته وفاعليته في مسابقات كبيرة كجائزة الشيخ زايد للرواية، وجائزة البوكر العربي للرواية أيضاً، وهو يحقق أيضاً الإثارة والتشويق ويمنح الدعاية والتسويق الإعلامي لكل الواصلين للقائمة الطويلة والقصيرة، ويرسّخ في ذهن القارئ اسم المنتج الأدبي واسم صاحبه، أي أنه يصنع تاريخاً للاثنين ودخول مجموعتي القصصية «النور الأسود» في القائمة الطويلة مكسب لي وللمجموعة وإضافة تاريخية لي ولزملائي كتاب وكاتبات القصة السعوديين الواصلين إليها، وأتمنى لي ولهم جميعاً التوفيق.