العنوان اقتباس لشطر بيت شِعر في قصيدة من التُراث الصنعاني، ومناسبته مكالمة هاتفية لم تدُم سوى دقائق معدودة، أعادت ذكريات جميلة مرّت عليها أعوام وأعوام..
وكما قال الشاعر عمر بن أبي ربيعة:
وذو الشوقِ القديم، وإن تعزَّى
مشوقٌ حين يلقى العاشقينا
كانت المكالمة من الجزيرة الثقافية، يدعوني فيها المحرّر الأستاذ علي القحطاني بكرمه ولطفه أن أُشارك في كتابة مقالات في الصحيفة، وقد أخجلني بعشمه في استكتابي بالرغم من حداثة تعارفنا، فوعدته خيراً.
أما الذكريات القديمة فتعود إلى أواسط التسعينات الهجرية، حين كنت فتى في المرحلة الدراسية المتوسطة، وكانت الصحافة هي هوايتي وهاجسي المُقيم، حتى أني أصدرتُ أعداداً من الصحف (المنزلية) لفترة طويلة، كان قُرّاءها أفراد العائلة وزملاء المدرسة والأصدقاء، وحين كنّا نجتمع مع الأعمام في لقاءنا الأسبوعي بعد صلاة الجمعة، كنتُ أنزوي في ركن قصيّ من المجلس، مُحتضناً أعداداً من الصحف والمجلات حديثة الصدور، ومنكبّاً عليها بالقراءة والاطلاع، سابحاً في بحور صاحبة الجلالة.
وكانت لي وقتها محاولات عديدة لكتابة مقالات وقصص وشعر، كنتُ أرسلها بالبريد إلى جريدة (الجزيرة) في مقرّها آنذاك، في شارع (الناصرية) بالرياض، وكان يُشرف على صفحاتها الثقافية الأساتذة إسماعيل كتكت وسلطان البادي، فأرى هذا المواد فيما بعد منشورة على تلك الصفحات، وقد كان ظهور مقالي الأول حدثاً سعيداً احتفيت به واحتفلت أيما احتفال، كما قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مُذكِّراته، حين وُعِد بنشر أول مقالاته: "خرجتُ من الجريدة وأنا أتلمّس جانبي أنظر هل نبتتْ لي أجنحة أطير بها لفرط السرور! ولو أني بويعت بالأمارة، أو أُعطيت البشارة، ما فرحتُ أكثر من فرحي". وبالرغم من ذلك، إلا أني لم أفكّر جديّا في أن تكون الصحافة والكتابة حرفة لي مُستقبلاً، ولذا فقد اكتفيتُ من الصحافة بالمتابعة من بعيد، ومن الكتابة بمقالات متباعدة كنتُ أكتبها وأحتفظ بها لنفسي.
وكما قال الشاعر:
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
وكأنها وكأنهم أحلام
دارت الأيام ونسيتُ مهنة (البحث عن المتاعب)، أثناء انهماكي في الدراسة العُليا ثم العمل المُتّصل ومشاغل الحياة اليومية، إلى أن جاءت هذه المُكالمة الهاتفية التي أشرت إليها وسُررتُ بها أيّما سرور، ووجدَتْ لديّ استجابة للكتابة إكراماً للطلب، وابتهاجاً بالعودة للجريدة الغرّاء بعد كلّ هذه السنين. وجاءت هذه السطور لتكون تعريفاً طريفاً للكاتب وعلاقته المبكِّرة بالكلمة المطبوعة، ومدخلاً لمقالات أخرى، آمل أن ترى النور قريباً بمشيئة الله تعالى.
** **
- أحمد بن عبدالرحمن السبيهين