محمد بن عبدالله العمري
المنصف يُقر بأن الدولة أعزها الله لم تُقصِّر في اعتماد ميزانيات ضخمة لجدة في جميع مشاريعها وعلى رأسها تصريف مياه الأمطار والسيول.
والمنصف كذلك يرى جهوداً كبيرة حالياً من أمانة جدة في تلافي السلبيات التي تُعانيها جدة منذ أكثر من 40 سنة والناتجة عن المعاناة السنوية مع الأمطار (على الرغم أنني قرأت قبل فترة في أرشيف صحيفة المدينة تصريحاً منسوباً لمعالي أمين جدة السابق المهندس محمد سعيد فارسي -رحمه الله - عام 1399هـ بأن الدولة في ذلك الوقت اعتمدت لجدة مشروع تصريف الأمطار والسيول بميزانية نصف مليار ريال) تخيلوا قبل 44 سنة نصف مليار ريال! فكم تُعادل الآن؟
وقبل أن أبدأ حديثي هنا عن معاناة جدة مع الخدمات بشكل عام فإنني أود أن أوضح أنني أكتب ذلك من واقع قريب من جدة منذ أكثر من 30 سنة وأحد سكانها بشكل دائم منذ ما يُقارب 25 سنة (وخلال العشر السنوات الماضية وبحكم عملي وقبل تقاعدي الرسمي كنت عضواً في مجلس منطقة مكة المكرمة وفي مجلس جدة المحلي) فإنني أؤكد أن جدة تُعاني من بعض الخدمات ولكن أهمها يتركز بشكل كبير في ثلاث خدمات مهمة وهي:
1 - قطاع خدمات تصريف مياه الأمطار.
2 - قطاع الخدمات المرورية.
3 - خدمات الطرق والشوارع داخل الأحياء.
وسأتحدث في مقالي هذا عن المعاناة الأولى وهي مشكلة خدمات تصريف مياه الأمطار والتي أستطيع أن أُقسمها لجزأين أحدهما تم علاجه والآخر لا يزال يترنّح وهما:
الجزء الأول
الأمطار التي تسقط على مرتفعات وجبال شرق جدة وتتجه طبيعياً إلى البحر مارة بأحياء جدة وهذا -ولله الحمد - تم تنفيذ مشروع مميز له منذ حوالي العشر السنوات وكان تحت إشراف وزارة الداخلية، إمارة منطقة مكة المكرمة وشركة أرامكو وأمانة جدة، حيث تم بناء قنوات ناقلة لتلك الأمطار التي تهطل على شرق جدة (أكرر على شرق جدة) إلى البحر وتلك القنوات -ولله الحمد - واضحة للعيان وتم -ولله الحمد - عملها بشكل مميز.
الجزء الثاني
وهي المشكلة الحقيقية والمتمثلة في هطول الأمطار على أحياء جدة نفسها (أُكرر على أحياء جدة نفسها)، حيث تتجمع تلك الأمطار في الشوارع داخل الأحياء ثم تبحث عن منفذ تصريف ينقلها لقنوات (تحت الشوارع والأحياء) ولا تجد! فتتجمع وتتراكم وتنتقل من شارع لآخر ثم تتجه بسرعة للشوارع الأقل منسوباً وتجرف في طريقها كل ما يقابلها من سيارات وخلافه.
وهذا السيناريو مستمر سنوياً سواء كانت الأمطار 50 ملم أو 170 ملم أو أكثر أو أقل والدليل أن الأمطار التي سقطت مؤخراً (مساء الأحد 17 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 11 ديسمبر 2022م وكذلك التي هطلت الجمعة 29 جمادى الأولى الموافق 23 ديسمبر) كانت أمطاراً عادية جداً ولم تصل للأمطار المتوسطة (في تقديري الشخصي) ولكن لعدم وجود تصريف مياه كافٍ وشامل فليس لها إلا أن تستمر في التحرك ما بين الشوارع لتتجه للشارع والمنطقة الأقل منسوباً ثم تبدأ قوافل وايتات الصرف وأخواتها تحاول التخفيف من تجمعاتها.
لذلك نقول ونؤكد أن تلك المعاناة ستسمر إلى أن يكتمل (مشروع تصريف مياه الأمطار على أحياء جدة)، وأملنا في معالي وزير المالية ومعالي وزير الشؤون البلدية والإسكان وشركائهم دعم أمانة جدة لتنفيذ استكمال ذلك المشروع كما تم مع (مشروع تصريف مياه الأمطار على جبال شرق جدة).
إضاءة وألم
أنا وغيري من سكان جدة ومحبيها نتساءل (مملكتنا الحبيبة وصلت -ولله الحمد - لدول قمة العشرين بتوفيق الله ثم بتوجيه وقيادة حكيمة من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين سيدي سمو الأمير الشاب الرائع محمد بن سلمان -حفظهما الله وسدد خطاهما -، ولنا -ولله الحمد - حضور في كل مكان ولدينا مشاريع عالمية في كل منطقة من مناطق المملكة ولكننا ما زلنا في جدة (نسحب) مياه الأمطار في كثير من شوارعنا (بالوايتات) منذ عشرات السنين.
رؤية
يكفي أن نجلد (ذات الأمانة حالياً)، بل يجب أن نقف ونتعاون معها مؤكداً من وجهة نظري الشخصية أن هناك حقائق متعددة لهذه الأزمة المتكررة، وأهم تلك الحقائق عدم نجاح خطط المهندسين الذين يتعاملون مع هذه الأزمة منذ 45 سنة سواءً كان أولئك المهندسون هم من مهندسي الشركات الاستشارية أو غيرهم، وهذا يجعلني اقترح على معالي أمين جدة الأستاذ صالح التركي وفي ظل دعم الدولة للميزانيات أن لا يعتمد على دراسات الشركات التي فشلت في التعامل مع الأزمة منذ عشرات السنين ولا مع المهندسين السابقين فـ(فاقد الشيء لن يُعطيه) وأن يُشكل معاليه فريق عمل من سكان جدة ذوي الخبرات ويُقدمون له مقترحات لحلولٍ (لكل حي) وليتأكد معاليه إنه سيجد حلولاً مميزة.
ختاماً نسأل الله التوفيق لمدينتنا المميزة (جُدة وجِدة وجَدة).