د. عبدالحق عزوزي
مع مطلع سنة 2022 أتمنى لكل قرائي سنة سعيدة وتمنياتي للجميع بالصحة والهناء والرخاء؛ وسنتوقف في هاته المقالة عند أهم محطات سنة 2022 في الساحة الدولية.. وكنا قد ودعنا فيما قبل سنتين من أكثر السنوات العجاف والمليئة بالمفاجآت والمنغصات بسب تداعيات أزمة الكوفيد التي غيّرت العالم والنظام العالمي والمجتمعات وطبيعة العيش كما لم يحصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ففي غضون أشهر معدودات شل فيروس كورونا المستجد المدن والبلدان والقارات وأوقف عجلة الاقتصاد وحجر ما يزيد عن أربعة مليارات إنسان في مساكنهم؛ وأودى الوباء بأرواح أكثر من مليون ونصف المليون نسمة وأصيب ما لا يقل عن 72 مليون بهذا الفيروس..
- عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها السنوي حضورياً للمرة الأولى بعدما كان يُجرى عبر الإنترنت في العامين الماضيين بسبب أزمة وباء كوفيد-19 وفي غياب الرئيسين الروسي والصيني؛ وألقى نحو 150 رئيس دولة أو حكومة خطاباتهم؛ وغلب على هذا الاجتماع انقسامات تترى بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا وبسبب الكوارث المناخية (وآخرها ما وقع في باكستان من مجزرة مناخية قلّ نظيرها) وانعدام الأمن الغذائي العالمي والتخوّف من المستقبل والانقسام والفقر وانعدام المساواة والتمييز..
- مع الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت تظهر للعالم وبخاصة الأوروبيين قيمة السلم والسلام، وقيمة بعض الدول المصدرة للقمح والغاز والبترول، وقيمة بعض المناطق الجغرافية كالبحر الأسود الذي يُعد شريانًا رئيسًا لحركة السلع عند مفترق طرق أوروبا وآسيا؛ إذ تطل ست دول على البحر الأسود، إلا أنه يمثِّل أهمية بالغة للعديد من البلدان الأخرى وراء حدودها، بسبب تجارة الطاقة والصلب والمنتجات الزراعية..
- كما سمح «التهديد الروسي» أيضاً بنظرة أوروبية جدية تجاه أمنها العسكري الداخلي واستثمارها في هذا المجال والذي كان محطة انتقادات لا متناهية من عند الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.. كما أن الحرب في أوكرانيا أثارت خوف الأوروبيين من تداعياتها عليهم أمنياً وطاقياً وغذائياً، بل وحتى وجودياً؛ فالكل يريد أن يظهر في صورة أن دول الحلف متحدة، وأنه إلى جانب الأزمة الأكرانية فإنهم متفقون على كل شيء؛ وهو نلتمسه في مخرجات قمة حلف شمال الأطلسي والتي عقدت في مدريد الإسبانية.. ونعلم أن الحلف الأطلسي أنشئ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي عز الحرب الباردة، ورأينا مع مرور السنوات التكيّف المستمر الذي تعرفه هياكله لمواجهة التحديات الأمنية الأوروبية والمتوسطية والدولية اللا متناهية... وفي قمة مدريد تم تبني خارطة طريق إستراتيجية جديدة، صنف الحلف فيها روسيا على أنها «التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء»... وتندد الوثيقة «بالشراكة الإستراتيجية العميقة» بين بكين وموسكو «ومحاولاتهما المتبادلة لزعزعة استقرار النظام العالمي».
- هبط سعر صرف اليورو إلى ما دون عتبة الدولار الأمريكي الرمزية للمرة الأولى منذ سنة 2002 .. وقد تأثرت العملة الأوروبية الموحَّدة بتأجج المخاوف من الوقف التام لصادرات الغاز الروسية إلى أوروبا.. وتسجيل اليورو لأدنى مستوياته سيخلف تداعيات وانعكاسات على أصعدة عدة كالتضخم والقدرة الشرائية للعائلات والشركات والنمو والديون والبنك المركزي الأوروبي..
- عاش العالم أصداء صيحات نشوة الفوز والفرح ودوي أبواق السيارات وشظايا الألعاب النارية والمفرقعات ورفع الأعلام المغربية، بعد أن نجح المنتخب الوطني المغربي الوصول إلى دور نصف النهائي لأول مرة في تاريخه وفي تاريخ إفريقيا والوطن العربي، عقب تفوقه على منتخب البرتغال بهدف نظيف؛ وقبل ذلك استطاع الوصول إلى دور ربع نهائي «المونديال» بعد الفوز على المنتخب الإسباني.. نعم، إنهم الشباب المغاربة الذين أبهروا العالم، وأبرزوا قوة الماكينة المغربية والعربية والإفريقية وقدرتها على الفوز.. إنهم أبناء المغرب الذين أدخلوا جميع البشر في تحالف نادر للحضارات، حيث وجد الناس من كل القارات أنفسهم في عرس بهيج وتاريخي في الهواء الطلق وداخل البيوت والمداشر والقرى البعيدة والساحات والعواصم والمدن الكبرى والصغرى متحدين في الكثير من الأحيان أحوال الطقس في كندا وأمريكا وأوروبا.. أعلام المغرب في كل مكان ترفرف في الدوحة وأبو ظبي ودبي والقاهرة وبغداد والرياض وجدة والكويت والأردن وليبيا وبيروت وغزة وباريس ولندن ومدريد وروما ومارسيليا وموريال وواشنطن والكوت ديفوار ونواكشوط والسنغال وكل إفريقيا.. وللحديث بقية.