يستمر الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، ولا سيما الحق في الصحة، الذي يعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، وكفلته القوانين والمواثيق الدولية، في العديد من الصكوك الدولية، فالفقرة 1 من المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن: «لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية».
يرتبط الحق في الصحة ارتباطاً وثيقاً بإعمال حقوق الإنسان الأخرى ويعتمد على ذلك، مثلما يرد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ من الحق في الصحة.
وهناك عوائق عديدة تمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم في الصحة، ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي العائق الأول للوضع الصحي في فلسطين، حيث تعيش دولة فلسطين أوضاعاً صحية سيئة منذ الحصار الإسرائيلي والإغلاق، منع الاحتلال وصول المواطنين إلى الخدمات الصحية، وتحكم في الموارد المائية والحدود، وقام بتدمير البنية التحتية، مما أثر على صحة المواطنين، نتيجة نقص مستمر في المواد الغذائية، والطاقة، وانتشار أمراض تغذية مزمنة.
وشكلت التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ خطة الضم للأراضي الفلسطينية تهديداً، لما خلفته من عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، وتوقف التنسيق الأمني الخاص بنقل المرضى.وأثر ذلك على ارتفاع نسبة البطالة والفقر وأثر سلباً على قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها.
يُعتبر الإهمال الطبي واحداً من ضمن العديد من الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسيرات والأسرى الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الأسرى والأسيرات المرضى في سجون الاحتلال أكثر من 750 أسيراً وأسيرة، يعانون من أمراض مختلفة بعضها مزمن وبعضها خطير.
وتشير إحصائيات إلى وجود 26 أسيرة فلسطينية مريضة تعاني من أمراض متعددة ومشاكل صحية، كأمراض القلب والغدة الدرقية والسكري والضغط، ومشكلات المعدة والأسنان، والعظام والعيون، إضافة إلى وجود 7 أسيرات جريحات تعرضن لعنف مباشر من خلال استخدام الاحتلال للقوة المفرطة أثناء اعتقالهن، وأدت هذه السياسة إلى معاناة الأسيرات ما بعد الإصابة في عدم تقديم العلاج المناسب لهن ولوضعهن الصحي.
كما استشهد العديد من الأسرى بعد خروجهم من الأسر نتيجة للإهمال الطبي الذي تعرضوا له أثناء فترة الاعتقال، لتفاقم الأمراض التي أصابتهم أثناء الاعتقال وعدم تلقيهم العلاج اللازم في حينها.
ويعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال ظروفاً صحية وبيئية قاسية، حيث إن معظم السجون لا تتفق مع المعايير الدولية الصحية، ويتعرض الأسرى للعديد من الأمراض النفسية والجسدية بسبب سوء الأوضاع المعيشية وانتشار الحشرات وسوء التغذية وانعدام النظافة والاكتظاظ داخل الغرف، بالإضافة إلى اعتقال البعض بعد تعرضهم للإصابة بالرصاص من قبل قوات الاحتلال، وتعرضهم للتعذيب والضرب لإجبارهم على الاعتراف.
الأسير أبوحميد.. نموذج للإهمال الطبي في سجون الاحتلال
ومن الأسرى المرضى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال الأسير ناصر أبو حميد، حيث استُشهد بعد معاناة مع مرض السرطان، وبسبب إهمال سلطات السجون.
وأشارت البيانات إلى أن عدد شهداء الأسرى في سجون الاحتلال ارتفع إلى 232 شهيداً بارتقاء الأسير أبو حميد.
يعتبر الأسير ناصر أبو حميد واحداً من 24 أسيراً يعانون مرض السرطان والأورام بدرجات متفاوتة، وهو من أصعب الحالات المحتجزة في سجون الاحتلال. يبلغ 49 عاماً، وهو من مخيم الأمعري في رام الله، ومعتقل منذ عام 2002، وهو من بين 5 أشقاء يواجهون الحكم مدى الحياة في المعتقلات.
تعرّض للاعتقال للمرة الأولى قبل انتفاضة عام 1987، وأمضى 4 أشهر في السجن، ثم أُعيد اعتقاله مجدداً، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن عامين ونصف عام، وأفرج عنه، ليُعيد اعتقاله للمرة الثالثة عام 1990، ويحكم عليه بالسّجن المؤبد، وأمضى من حكمه 4 سنوات، ثم تمّ الإفراج عنه مع الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات، وأُعيد اعتقاله عام 1996، وأمضى 3 سنوات.
انخرط أبو حميد في مقاومة الاحتلال مجدداً، واعتقل عام 2002، وحكم عليه الاحتلال بالسّجن المؤبد 7 مرات و50 عاماً، وبقي في الأسر حتى تم استشهاده.
واجه الأسير أبو حميد ظروفاً صحيّة صعبة جرّاء الإصابات التي تعرض لها برصاص الاحتلال، حتّى ثبتت إصابته خلال العام الماضي بسرطان الرئة، ومنذ ذلك الوقت، واجه رحلة جديدة في الأسر، أساسها جريمة الإهمال الطبي.
ولم يكن استشهاد الأسير ناصر أبوحميد الحدث الأول، هناك نماذج أخرى كثيرة، منها استشهاد المواطن الفلسطيني موسى هارون أبو محاميد، من سكان بيت لحم، المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، في مستشفى «اساف هورفيه»، الإسرائيلي، بسبب الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، نتيجة احتجازه في ظروف غير صحية، وعدم تلقيه الرعاية الملائمة.
وهنا أتساءل إلى متى يستمر الاحتلال في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وحرمانه من أبسط حقوقه في العيش في حياة آمنة وصحية؟ وإلى متى نظل صامدين أمام هذه الانتهاكات؟
كفلت القوانين والمواثيق الدولية الحق في الحياة والصحة، ومعاملة الأسرى، حيث نصت اتفاقية جنيف الرابعة في المواد (76) و(85) و(91) و(92) على حق الأسرى بتلقي الرعاية الطبية الدورية، وتقديم العلاج اللازم لهم من الأمراض التي يعانون منها، وتنص على وجوب توفير عيادات صحية وأطباء متخصصين لمعاينة الأسرى، ولكن لا يحدث ذلك مع الأسرى في فلسطين، حيث تظل حياة الفلسطينيين مهددة باستمرار، ويستمر الاحتلال في خرق قواعد القانون الدولي، وانتهاك حقوق الأسرى في فلسطين.
ويعمل استمرار فرض القيود من قبل الاحتلال على تهديد العملية التنموية للقطاع الصحي الفلسطيني، ولذلك يجب أن تتخذ الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان قرارات للحد من قيود الاحتلال على الوضع الصحي في فلسطين، ومعاقبة الاحتلال على الجرائم المتعلقة بالصحة التي مارسها ضد الشعب الفلسطيني، ولابد من إزالة القيود والحصار المفروض من قبل الاحتلال، وزيادة حصة القطاع الصحي في الموازنة وزيادة الدعم المقدم من الدول المانحة من أجل انتعاش القطاع الصحي. ويجب على السلطة الفلسطينية أن تهتم بهذه القضية، وتقوم بطرحها على المجتمع الدولي، ومجلس حقوق الإنسان، والعمل على بذل جهود دبلوماسية، لضمان توفير خدمات صحية شاملة للمواطنين، واستحداث خدمات طبية جديدة، والعمل على تطوير البنية التحتية لخدمات المستشفيات، وتوفير الأدوية والعلاجات والأجهزة المعدات الطبية الحديثة، والعمل على توفير الموارد المالية والبشرية للقطاع الصحي في فلسطين.