د.شامان حامد
يدرك كل دارس متابع لمسار الإستراتيجية السياسية للسعودية أنها تتحرك في خُطى ثابتة ومتزنة مع كافة الدول، وهو ما جعلها قوة بين الأقوياء تتربع على مسار المؤشرات الدولية في كل المجالات، حتى قادت العالم في أحلك ظروفها بقمة مجموعة العشرين، منتهجة في تعاملاتها بشيم الرجال وعلاقات تتَّسم بتميز خاص قائم على مبدأ الاحترام المتبادل، لتكون محط أنظار العالم وتأسرُ قلبه، ليجتمع العالم في قمم يصنعها الرجال، جمعت معها بلاد العرب، وخليجه لوضع الخطوط العريضة في «شراكة إستراتيجية شاملة»... وسط مشاهد سياسية مُعبِّرة، جمعت ثلاث قمم في قمة واحدة وعلى أرض واحدة (صينية سعودية، خليجية، ثم عربية)، لتصبح القمم السعودية معلماً تاريخياً لتطور العلاقات بين البُلدان الخارجية وعالمها القيادي للمنطقة، بما تُسهمُ في الارتقاء إلى مستوى جديد، فلم تكتف الزيارة بالاقتصاد والشراكة التجارية وحدهما، ولا بالموازنة العربية بين قوتي واشنطن وبكين، حيثُ لا تُمثّل جفاء لواشنطن، ولا الجانب الروسي الصيني المتحالفين، لكنها قمم تُعبّر عن تغيّرات إستراتيجية مهمة على مستوى القوى، وهو ما لا يمكن لواشنطن تجاهله، وأن تفهّم وتتفهم مصالح دول المنطقة لا مصالحها فقط، كما فعلت عندما تم تخفيض النفط من جانب أوبك+ واتهمت السعودية جزافاً، واعتبارها قواعد نفط وغاز وصفقات سلاح فحسب، فهي دول ذات كيان مستقل لا تقبل الإملاءات والشروط ولا تقبل أن يقودها دول، مقابل الوعود بوقف تهديد إيران.
قمم لوضع النقاط على الحروف، وفرصة لاستئناف المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الست التي بدأت في 2004، وتقديم العلاقات الثنائية لحيز التنفيذ العملي عبر منافسة اقتصادية إقليمية مع الدول الأعضاء المجاورة لها، والحرص الدائم على تنميتها بما ينفع الناس في البلدين. ترسخ هذا الفهم للعلاقة طوال تاريخ يتجاوز الثمانين عاماً، ولذلك تعمل الصين على إنهاء المفاوضات التي طال أمدها، حيث تشكل اتفاقات التجارة الحرة مع تكتلات تجارية ضخمة تمثّل مسألة هيبة لبكين، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، إذ مع نهاية عام 2021 وصلت قيمة الاستثمارات الصينية في السعودية إلى 29 مليار ريال سعودي، فالصين أكبر مستهلك للنفط السعودي، التي هي أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، في تنويع الاقتصاد في توافق مع «رؤية 2030» الإصلاحية التي قدمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
إن رؤية ولي العهد تميزت صورها الاقتصادية التي انبثقت من رؤية وإستراتيجية سياسية نشطة في سوق العلاقات الدولية، حيثُ استقبلت أميركا بقمة جدة العربية، وحاولت وضع الأمور في نصابها إلا أن الإدارة الأمريكية كان لها رؤيتها، فعادت السعودية مما أثار كبار المتخصصين والمسؤولين الأمريكيين، كون المملكة شريكاً قوياً لا يُمكن خسرانه أبداً، لذا نرى الرد الأمريكي قد جاء رداً على القمم بقمة واشنطن الإفريقية، ليحاول «بايدن»، إعادة إفريقيا إلى قلب الدبلوماسية العالمية ودعوته إلى أن يتمثّل الاتحاد الإفريقي رسمياً في مجموعة العشرين، فهذا العقد سيكون حاسماً. وستحدد السنوات المقبلة الطريقة التي سيعاد بها تنظيم العالم، فأميركا تؤمن بقوة أن إفريقيا سيكون لديها صوت حاسم، لكنها تناست مكانة السعودية والشرق الأوسط، فهل يمكن أن تتغير الأمور فعلا؟ وخصوصاً أن الصين تستثمر بمبالغ طائلة في القارة الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعية.