تعد صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبدالعزيز في جدة محطة فريدة ليست كغيرها من محطات الركاب العادية في سائر مطارات العالم. فقد تولّت تصميمها شركة «سكيدمور أورينغز أند مريل» وافتتحت رسميًا عام 1981، حيث شكّلت مساحة لمئات آلاف الحجاج من حول العالم اجتمعوا فيها كمحطّة لمواصلة رحلتهم الوجدانية لتطبيق شعائر الدين الإسلاميّ وتمثّل هذه المحطة نقطة يلتقي فيها المسلمون خلال رحلتهم إلى بيت الله الحرام لزيارة الكعبة المشرّفة في مكّة المكرّمة؛ أول بيت وضع للناس للعبادة على وجه الأرض. وعند افتتاحها كانت المحطة تضمّ أكبر بناء قماشيّ السقف مدعوم بالكوابل على مستوى العالم. ونظرًا لحجم البنية غير المسبوق، استُخدم فيها نسيج مطور حديثًا كعنصر هيكليّ دائم بدلاً من تقنية الدعم بالكوابل في اتجاهين، والذي يُعد سابقة في تصميم المطارات.
واليوم، يعيد (بينالي الفنون الإسلامية) تصوّر هذه البنية الرائدة مع الحفاظ على تراثها المعماري والثقافي بشكل أساسيّ من خلال إبراز طابعها الروحانيّ. ويعتمد المفهوم المعماري للتصميم على التجريد الحجّمي المستوحى من هياكل المظلّات الشبيهة بالخيام وأفنية المنازل التراثية القديمة. ورغم أنّ التصميم يندمج مع التصميم الحالي لمحطة الحجّاج الغربية، إلا أنّ مجمّع البينالي يتميّز بهوية بصرية مستقلّة. فبدلًا من التعارض مع الهياكل القائمة، تندمج مع الشبكة الحالية وتفكّكها وتستخدمها كأساس لتعبير جديد بحيث يستمتع الناظر بمجموعة بُنى تشبه أجزاء متفلّتة من شبكة منظّمة، مما يسهم في تحويل المساحة الحضرية التي نأمل أن تطلق العنان للتغيير الثقافيّ.
وقالت فريدة الحسيني، مديرة بينالي الفنون الإسلامية: «تعدّ صالة الحجّاج الغربية ومدينة جدة جزءًا لا يتجزأ من المعرض، حالها حال جميع الأعمال الفنية والتحف التي يتضمّنها. فجميعها تسهم في رسم ذكريات الملايين من العابرين أثناء رحلتهم إلى مكة المكرّمة. وما هي جدّة سوى نقطة تلاقٍ بين الثقافات حيث شكّلت مركزًا لتبادل السّلع والأفكار على مدى قرون. ويعدّ تحويل المساحة الحضريّة إلى مساحة ثقافية بشكل دائم من أعظم إنجازاتنا في بينالي الفنون الإسلامية، ونحن على ثقة بأنّ القيام بذلك سيواصل إثراء المنظومة الفنية في المدينة خلال السنوات القادمة».
ويشكّل بينالي الفنون الإسلامية منصّة تثري تجربة الحجّاج القادمين من حول العالم من خلال التأمّل في تنوّع التجربة الإسلامية التي تضم حوالي 60 فنانًا من أكثر من 20 دولة ستكمّل أعمالهم قرابة 200 قطعة أثرية معارة من مؤسسات محلية ودولية. وتتضمّن الفعالية التي تقام تحت عنوان «أول بيت» أعمالًا وقطعًا أثرية تاريخية لم تشاهَد من قبل وتعكس منظورًا شاملاً للفنون الإسلامية، حيث سيتمّ تقديمها من خلال تجربة حسيّة فريدة تهدف إلى زيادة الوعي وحثّ الزوّار على التأمّل في الشعائر التي توجّه الأفراد وتربط بعضهم ببعض وتولّد لديهم شعورًا بالانتماء الجماعي.
وتمتد تجربة الزوّار الفريدة في المعرض على مساحة تزيد على 12 ألف متر مربع، في رحلة تُجدّد الأحاسيس والذكريات عبر صالات العرض الخمس والمظلّات الكبيرة. ويوفّر البينالي مساحتين رئيسيتين لعرض الأعمال الفنية والتحف، تشمل الأولى سلسلة خطّية من المعارض التي سيتم تعديل مساحاتها وارتفاع أسقفها وإضاءتها لتعزيز تجربة الزوّار التفاعلية فيها. أمّا الثانية فتشمل الجناحين المخصّصين لمكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة ومنطقة خارجية تحت خيام صالة الحجّاج الغربية لعرض الأعمال والتصاميم الفنية.
وقال فراس حنوش، المستشار المعماري لمؤسسة بينالي الدرعية: «تسهم أشعة الشمس المتسرّبة عبر هياكل الخيم في صالة الحجاج الغربية ومشهد السماء والصحراء اللافت في توفير تجربة لا تُضاهى داخل صالات العرض في القسم الأول من البينالي. كما سيستمتع زوّار هذا الموقع التاريخيّ الحائز على جائزة الآغا خان للتصاميم المعمارية الإسلامية لعام 1983 بتجربة تأملية شاملة بفضل جناحي مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة المنفصلين، بالإضافة إلى مجموعة مختارة بعناية من المطاعم والمقاهي والسينما والمسرح والمكتبة ومحلات بيع الكتب والهدايا، ومساحات ورش عمل للفنون والحرف اليدوية، ومناطق لعب الأطفال الداخلية والخارجية، وصالة كبار الشخصيات».
ويعدّ هذا الموقع الاستثنائي، رمزًا لعلاقة المدينة القديمة بالثقافة. فقد تضمّن أحد المعارض الأولى التي أقيمت في المملكة عام 1968 أعمال الفنانتين صفية بن زقر ومنيرة موصلي في مدرسة دار التربية الحديثة في جدة. كما قام أمين جدة الراحل محمد سعيد فارسي بتجميل المدينة الساحلية المطلّة على البحر الأحمر في سبعينيات القرن الماضي من خلال إضافة أكثر من 400 منحوتة لفنانين بارزين من بينهم عارف الريس وهنري مور وألكسندر كالدر وفيكتور فاساريلي، والتي تم ترميم عدد منها مؤخرًا ووضعها في حديقة عامة. ونظرًا لكون الثقافة جزءًا لا يتجزأ من رؤية 2030، فإن المملكة العربية السعودية تشهد حاليًا تحولًا غير مسبوق حيث أصبح التبادل الثقافي والفنيّ ضروريًا للمساهمة في نموّ الدولة وتطوّرها.
وبحسب الدكتور سعد الراشد، الباحث وعالم الآثار السعودي المعروف، «تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا لافتًا. فثقافتنا تمتاز بغناها وساهم في صياغة شكلها تراثها الإسلامي موقع المملكة التاريخيّ كمركز تجاري قديم. إنّ بروز المملكة من جديد كقوة فنية قائمة على أساليب العمل والممارسات المحلية شهادة على غنى ماضينا وعظمَة مستقبلنا الملهم».
وتولّى المصمّم الجرافيكي طارق عتريسي تصميم شعار «أول بيت» الذي يعكس مدى إجلال المسلمين من كافة الخلفيات للكعبة المشرّفة في مكة المكرمة، حيث يؤكد أهمية الموقع الجغرافي الفريد لهذا البينالي.
كما تؤدي مؤسسة بينالي الدرعية التي أنشأتها وزارة الثقافة دورًا مهمًا في رعاية هذا التعبير الإبداعيّ وتنميته، وغرس تقدير الفنون والثقافة في النفوس، بالإضافة إلى توفير منصة للاكتشاف والتواصل مع المشهد الثقافي الناشئ في المملكة العربية السعودية.
نبذة عن مؤسسة بينالي الدرعية
أطلقت وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية «مؤسسة بينالي الدرعية» بوحي من الإرث الثقافي العميق للمملكة العربية السعودية والفنانين وصناع المحتوى الإبداعي فيها، حيث تقوم المؤسسة بدور جوهري في دعم ورعاية المشهد الفني وغرس قيم الثقافة وتأكيد دورها في تنمية المجتمعات وازدهارها، ويأتي من بين مهامها الأساسية تنظيم معرضين عالميين للفنون المعاصرة والإسلامية يقام كل عامين، بالتوازي مع البرامج التعليمية والتثقيفية التي تقام على مدار العام، كما تم تنظيم أول بينالي للفن المعاصر في المملكة في حي جاكس بالدرعية في عام 2021 حيث وفر منصة للاستكشاف والتواصل مع المشهد الثقافي السعودي والمجتمعات الإبداعية.
تقام النسخة الافتتاحية من بينالي الفنون الإسلامية في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة خلال الفترة من يناير 2023 وهو الأول من نوعه في العالم، حيث ستعرض العديد من العمال الفنية المعاصرة بالإضافة إلى قطع أثرية تاريخية لم يسبق لها مثيل.
نبذة عن بينالي الفنون الإسلامية
يقدم بينالي الفنون الإسلامية الذي تنظمه مؤسسة بينالي الدرعية، منصة شاملة لاستضافة حوارات فنية عن الفنون الإسلامية، كما يوفر فرصا للتعلم والبحث والتأمل في هذا النوع من الفنون، يقام بينالي الفنون الإسلامية في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، حيث يحتفظ هذا الموقع بأهمية خاصة تتمثل في كونه منطلق رحلة العمر لملايين الزوار من كل أنحاء العالم حيث يحثهم على استحضار تاريخ وثقافة وتراث المكان في رحلة تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.