أ.د.عثمان بن صالح العامر
كان الله في عون أئمة المساجد، ومديري التربية والتعليم؛ فالإمام في هذا الأسبوع البارد على وجه الخصوص يخوض امتحان القدرة على اتخاذ القرار الصائب في أمر جمع صلاتَي (العصر مع الظهر)، و(العشاء مع المغرب)، وكذا المناداة (الصلاة في رحالكم) لصلاة الفجر؛ فهو يريد أن يرضي جماعة المسجد الراغبين في الجمع وإحياء الصلاة في الرحال، وفي الوقت ذاته يخاف أن يخل بواجبه الشرعي ويجمع بلا مبرر صحيح، خاصة أن المسألة محل خلاف واسع. وهناك من المأمومين من يرى عدم جواز الجمع في مثل هذه الحال التي نحن فيها هذه الأيام، وقد يتهم إمامه بالتهاون واتباع الرخص بلا دليل شرعي؛ إذ إن الريح وإن كانت باردة إلا أنها غير شديدة في نظره طبعًا؛ ولهذا فحديث المجالس الحائلية هذا المساء الذي أكتب فيه مقالي هذا تبدأ من سؤال بسيط (جمع مسجدكم؟)، ومن هذا السؤال يتولد النقاش حول (ضابط الجمع في الشرع)، ومن سؤال: (هل نصلي فجر غد في بيوتنا مثلا؟) نشأ نقاش ساخن حول الصلاة في الرحال، وعلى ذلك قِسْ.
الأشد منهم حالاً مديرو التربية والتعليم؛ فهم في امتحان حقيقي حين تنزل الأمطار، وعندما يكون البرد الشديد؛ تُرى هل يتخذ قرار إيقاف الدراسة الذي يدندن حوله المغردون والكتّاب، أم أنه يتجاهل هذه الأصوات المطالِبة بلغة عاطفية مؤثرة، ونبرة استجداء عالية، واتهام صريح بعدم مراعاة الجوانب الإنسانية في مثل هذه الأحوال الاستثنائية، ويقرر استمرار الدراسة احترامًا لليوم التعليمي، وخوفًا من أن يكون الإيقاف لكل ظرف مناخي محتمل مدعاة للتهاون والتسيب والفوضوية، وضياع المنهج الدراسي، والإخلال بالواجب الوظيفي، وغياب الانضباط في الميدان التربوي؟
بصراحة المسؤول أيًّا كان - بدءًا من معالي الوزير وانتهاء بولي الأمر في الأسرة محدودة الأولاد الذين هم على مقاعد الدراسة - يعيش صراعًا مع النفس صعبًا في مثل هذه الأحوال؛ لذا معالي الوزير أسند اتخاذ القرار لمديري العموم في مناطقنا التعليمية . أكثر من هذا تضمن توجيه صاحب المعالي في الفقرة الخامسة ما نصه: (التأكيد على أولياء الأمور أن من مسؤولياتهم اتخاذ القرار المناسب بالنسبة لمنع أبنائهم الذين يعانون من صعوبات صحية من الحضور في حالة عدم تعليق الدراسة نتيجة للاضطرابات المناخية)، وهذا يعني إرجاع الأمر في النهاية لولي الأمر حين يكون البرد شديدًا؛ فالبرد -كما هو معلوم- خاصة في مناطقنا الجافة حين يهاجم الإنسان لا يفرق بين صحيح لم يحتَطْ له ويأخذ حذره منه، وسقيم تدثر وكان على حذر، وصدق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال: (إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفافيش والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه). ويقول ابن تيمية رحمه الله: (والبرد الشديد يوجب الموت خلاف الحر، فقد مات خلق من البرد بخلاف الحر فإن الموت منه غير معتاد، ولهذا قال بعض العرب: البرد بؤس والحر أذى) وقانا الله وإياكم ومَن نحب وتحبون شر كل عدو، وحفظنا بحفظه. وإلى لقاء. والسلام.