أقام قسم التاريخ بجامعة الملك سعود محاضرة ضمن سلسلة أنشطة لجنة النشاط العلمي في القسم بعنوان: «لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ (فن استرداد الزمن)»، قدمها أ. د. خالد بن عبد الكريم البكر عضو هيئة التدريس بالقسم، وأستاذ التاريخ الإسلامي، وذلك يوم الأربعاء 20/ 5/ 1444هـ الموافق 14/ 12/ 2022م، في قاعة الاجتماعات بالقسم وأدار المحاضرة د. فارس المشرافي والذي بدأ المحاضرة بالقول: «... هذه المحاضرة المميزة التي عنوانها لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ (فن استرداد الزمن)، ولا شك أننا نعيش نقلة نوعية في جميع الأصعدة ومن هذه الأصعدة الجانب التاريخي، فاهتمام سياسة حكومتنا الرشيدة بجانب التاريخ واضح للعيان من خلال العمق التاريخي للوطن، وأحياء الموروث التاريخي الثقافي والغاية منه هو تعزيز روح الانتماء الوطني، وتوطيد العلاقة بين الدولة والمجتمع. والمؤرِّخ حقيقةً هو فاعل مهم بين الفاعلين الآخرين المشاركة في تحقيق الغاية، والتاريخ في الحقيقة يكتب للجميع هو يكتب للأكاديميين، والمتخصصين، ويكتب للنخبة، وصنَّاع القرار، ويكتب كذلك لعامة الناس ولمواكبة النقلة التي نعيشها، زادت همة المؤرِّخ واستشعر بالمسؤولية المجتمعية ... نرحب بسعادة أ. د. خالد بن عبد الكريم البكر، والدكتور خالد غني عن التعريف فيعد من أعمدة القسم بالجامعة، وله عدة مؤلفات، وأبحاث داخل المملكة والخليج».
ثم بدأ د. البكر محاضرته مشيراً إلى أقدمية فكرة لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ وبواعثها، والمستهدفين بمحتوى الفكرة (لغة التاريخ وأسلوب كتابته)، وأكد على أن الفكرة ليست جديدة إنما هي فكرة قديمة جدًا كتبها العديد من المؤرِّخين القدماء والمعاصرين، وأن التاريخ يكتب للجميع فيجب أن يصنعه المتخصصون، أو يكتبه المتخصصون حتى يحفظ جانب العلم، ولكي يقدمه المؤرِّخ لطبقات المجتمع.
وأوضح أهمية لغة التاريخ بالقول: إن اللغة مفتاح العلم، وأنها مفتاح الفهم، وأنها مفتاح الأسلوب، وأنها مفتاح الفكر، وأورد أمثلةً على أن اللغة مفتاح العلم بذكر بعض الألفاظ ومعانيها من أخبار العرب في الجاهلية فمثلاً ؛ الحجابة معناها: حجب بيت الله الحرام، ولفظ الرفادة: في تلك الفترة تعني إطعام الحاج، ولفظ السقاية: في تلك الفترة تعني سقى الحاج.
وأكد المحاضر الكريم على أهمية لغة التاريخ، فلكل علم لغته الخاصة به، وللتاريخ لغاته على مدى العصور التاريخية، وهذا باعث للاهتمام لمعرفة أهمية لغة التاريخ، كما أن هناك باعثاً آخر تكون لدى الباحثين والمؤرّخين وهو عدم معرفة بعض المصطلحات التاريخية، وتقديم نتائج تاريخية مغلوطة بسبب سوء فهم التاريخ الذي على أثره لم يحسن المؤرِّخ أو الباحث اختيار اللفظ المناسب للتعبير عنها مما أدى لنتائج غير صحيحة.
المصطلحات التاريخية ودراستها
وشدَّد د. خالد على أهمية تدارس المصطلحات التاريخية قائلاً: يجب علينا كمؤرِّخين أن نتدارس هذه المصطلحات ونعيد النظر فيها فهناك عدة ظواهر منتشرة في وسط المجتمع التاريخي وبين المؤرِّخين والمؤرِّخات وهي: شيوع النمطية والجفاف في الكتابة التاريخية، وظاهرة العزوف عن القراءة، وأخطاء في قراءة المصطلح المعبِّر عن الحالة التاريخية، وكذلك أخطاء في كتابة المصطلح الصحيح عن الحالة التاريخية، كما ظهرت مصطلحات مستغلقة وأخرى مربكة.
سر مهنة التاريخ
تطرق د. خالد لجانب مهم وهو أنه يجب أن يكون للتاريخ أسرار مهنة حتى يحفظ جناب العلم التاريخي، ويجب أن يكون له هوية مميزة، وأن يكون ما يكتبه الأكاديمي مختلفاً تماماً عن غيره، الميدان متاح للجميع ولكن يجب أن يكون ما يكتبه المؤرِّخ الأكاديمي مميزاً جداً، وهذا ما يجعلنا نؤكد قضية فن لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ، وهذا من خلال حمل المعاني وصناعة الأفكار، ووضوح الفكرة.
لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ
وطالب د. خالد من قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بتبني الفكرة قائلاً: «عودنا هذا القسم على الريادة في أشياء كثيرة جداً، نحن أولى من غيرنا على تدارس هذه الظاهرة (لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ)، وإعادة النظر بلغة التاريخ، وهي اللغة العابرة على العصور وتتراكم مثل ما تتراكم الأحداث تتراكم أيضاً اللغة. والمستهدفون لهذه الفكرة (لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ) فهما موضوعان متصلان، وقضيتان متجاورتان الأولى ينتجها التاريخ (لغة التاريخ)، والأخرى يبدعها المؤرِّخ، نستهدف بلغة التاريخ جودة قراءة التاريخ، أن نقرأ التاريخ بطريقة صحيحة. ونستهدف بأسلوب المؤرِّخ أن نكتب التاريخ بطريقة جميلة رائجة في المجتمع تسهم في زيادة مقروئية منتوجاتنا التاريخية، وتسهم في زيادة الوعي التاريخي في المجتمع وهذا ما نطمح إليه.
العلاقة بين اللغة والفكر
العلاقة بينهما علاقة عضوية كعلاقة الشمس بالضياء، وتحدث عنها فلاسفة كثر من أبرزهم زكي نجيب محمود، حيث قال في تجديد الفكر العربي: «يجب أن ينظر أن اللغة أو الألفاظ ليست عاملات للمعاني، بل هي نواة لصنع الأفكار»، لأن غموض اللفظ يؤدي إلى غموض الفكرة.
وختم سعادة الدكتور خالد بطلب من المؤرِّخين: «ألا يمكن أن نكتب بأسلوب تاريخي جميل ممزوج بأسلوب علمي أدبي قائم على الوضوح وتحليل الدوافع الإنسانية؟!».
توصيات مهمة لتطوير
لغة التاريخ
أقترح سعادة د. خالد عدة توصيات لتطوير فكرة «لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ» من أهمها:
1- أنه يجب أن يكون هناك عمل أكاديمي على هذا الجانب.
2- الاهتمام بلغة التاريخ والمؤرِّخ أولى من يعمل بها، ولكي نعطي التاريخ قيمته.
3- تفعيل أسلوب المؤرِّخ في كتابتنا، حينما ننتهي من واجباتنا الأكاديمية حتى نخاطب بها المجتمع.
4- امتلاك مهارة السرد والوصف والعرض التاريخي المحنك الموشح بالأدب.
5- أقترح مادة لتدريسها في الجامعات السعودية، أو على الأقل تعطى دورات في تنمية تلك المهارة لدى الباحثين.
وفي الحقيقة أنني أتفق مع ما عرضه أستاذي الفاضل في هذه المحاضرة القيمة، وعرضه لفكرة مهمة «لغة التاريخ وأسلوب المؤرِّخ (فن استرداد الزمن)»، لأن المؤرِّخ عليه إن يكتب بأسلوب عصره وأسلوب مشوّق، حتى نعطي للتاريخ قيمته، كما أن الأسلوب العلمي المنهجي ضابط للكتابة، والأسلوب الأدبي مهم في التأثير فيجب على كل مؤرِّخ أن يمتلك مهارة الكتابة العلمية الموشحة بالأدب البسيط للتأثير على القارئ.
ختاماً كل كلمات الثناء تصمت أمام ما يقدمه د. خالد بن عبد الكريم البكر من جهد متميز، وعمل دؤوب لأجل المصلحة العامة لتخصص التاريخ، وظهر ذلك جلياً من خلال مؤلفاته، وكتاباته، ومحاضراته، وحتى دوراته، فجزاه الله عنا خير الجزاء، والشكر موصول لقسم التاريخ العريق لما يقدمه من عطاء دائم، ومستمر لرفعة تخصص التاريخ، ومنسوبيه من طلاب وطالبات الدراسات العليا، وأخص بالشكر والتقدير لرئيس قسم التاريخ د. فارس بن متعب المشرافي، ولوكيلة قسم التاريخ د. فاطمة القحطاني، ولفريق لجنة النشاط العلمي بالقسم متمثلة بمقرر اللجنة السابق د. سعود القحطاني، ومقرر اللجنة حالياً د. محمد القحطاني، جزاكم الله خيراً يا من بذلتم من وقتكم وقوّتكم وتفكيركم في سبيل إنجاح هذه اللجنة ومهامها.
** **
- كتبت/ نوال بنت إبراهيم القحطاني