«الجزيرة» - الاقتصاد:
شهدت إصدارات أدوات الدخل الثابت في دول مجلس التعاون الخليجي انخفاضاً حاداً منذ بداية العام 2022 حتى تاريخه نتيجة لتراجع الإصدارات من قبل كل من الحكومات والشركات. ويعكس تراجع الإصدارات الحكومية بصفة رئيسية الى ارتفاع أسعار النفط مما أدى إلى انخفاض المتطلبات التمويلية. أما على صعيد الشركات، كان الانخفاض مدفوعاً بارتفاع أسعار الفائدة بالإضافة إلى تقييمات الأسهم المرتفعة التي جعلت جمع الأموال من أسواق الأوراق المالية أكثر جاذبية مقارنة بسوق السندات. وذلك وفقا لتقرير شركة كومكو للاستثمار.
وعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن تسجل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي أحد أعلى معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي هذا العام بفضل انتعاش النشاط الاقتصادي بعد الجائحة، بالإضافة إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية. ووفقاً لتقديرات الإجماع، من المتوقع أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إلى 7.3 في المائة في العام 2022 مقابل 2.5 في المائة في العام 2021. ومن المتوقع أن يكون النمو في عامي 2023 و 2024 أقل نسبياً بنسبة 3.4 في المائة و2.9 في المائة، على التوالي. كما انعكست وتيرة النشاط الاقتصادي على قراءة مؤشر مديري المشتريات للمنطقة والتي ظلت متخطية حاجز 50 نقطة بمستويات جيدة لكل من السعودية وقطر والإمارات ودبي منذ بداية العام.
أما على الصعيد العالمي، تأثرت التوقعات خلال العام بتوقيت وكيفية عودة الصين إلى العمل وفتح اقتصادها بعد اتباعها لسياسة صفر كوفيد. وبعد رفع القيود مؤخراً، يدور الجدل الآن حول ما إذا كانت البلاد ستعود إلى عمليات الإغلاق في ظل ظهور العديد من التقارير التي تشير إلى تزايد حالات الإصابة وتصاعد الأعباء على المرافق الطبية. وتأثر نمو بقية اقتصادات العالم بارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك أسعار النفط، بسبب تأثير قلة الامدادات الناجم عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. كما أدى الارتفاع القياسي لأسعار الطاقة إلى تفاقم مشكلة التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية خلال العام، فيما يعزى بصفة رئيسية للسياسات النقدية التيسيرية التي تم تبنيها خلال فترة الجائحة، والتي أدت أيضا إلى ارتفاع مستويات الدين في العديد من الاقتصادات إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي إطار مساعيه لكبح جماح التضخم، رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بوتيرة متسارعة بمقدار 425 نقطة أساس هذا العام، وواصل تبنى نبرة متشددة في بيانه الأخير تشير إلى مواصلة رفع سعر الفائدة خلال العام 2023. كما اتبعت البنوك المركزية العالمية أيضاً سياسات رفع سعر الفائدة. وانعكست الزيادة غير الاعتيادية التي شهدتها أسعار الفائدة في هيئة انخفاض حاد للعائدات السلبية للسندات في ظل تخلص البنك المركزي الأوروبي ودول أوروبية أخرى واليابان من سياسة معدل الفائدة السلبي. كما اتبعت البنوك المركزية الخليجية إلى حد كبير خطى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع سعر الفائدة سعياً منها للحفاظ على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي.
التصنيفات الائتمانية وأسعار الفائدة
ركزت أنشطة التصنيف الائتماني منذ بداية العام 2022 بصفة رئيسية على الإصدارات السيادية للدول الأوروبية خلال النصف الأول من العام على خلفية الحرب الروسية / الأوكرانية، إلا أن النصف الثاني من العام شهد إجراءات خاصة بالاقتصادات الإفريقية بالإضافة إلى الاقتصادات النامية والصاعدة الأخرى. كما تم تقسيم إجراءات التصنيف الائتماني بالتساوي تقريباً بين رفع وخفض التصنيفات السيادية. ووفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، قامت وكالات التصنيف الائتماني هذا العام باتخاذ نحو 25 إجراء لخفض ورفع التصنيفات السيادية.
وكشفت توقعات العام 2023 إلى ميل التصنيفات نحو الجانب السلبي وذلك نظراً لارتفاع سعر الفائدة مما أدى لاختبار قدرة الدول الضعيفة اقتصادياً على زيادة الديون وخدمتها. وقد ترددت أصداء ذلك في تقرير البنك الدولي الأخير الذي أظهر زيادة هائلة لمواطن الضعف المتعلقة بالديون التي تواجه العديد من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. وأضاف التقرير أن ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو العالمي يهددان بدفع عدد من الدول إلى أزمة دين. كما تشير المخاطر سالفة الذكر إلى أن تفضيل المستثمرين العزوف عن المخاطر والاتجاه لأدوات الدين عالية الجودة العام المقبل مقارنة بتفوق أداء سوق السندات الثانوية ذات العائد المرتفع (سندات متدنية الجودة) هذا العام مقابل السندات ذات الدرجة الاستثمارية. كما أظهرت البيانات الواقعية، وفقاً لتقرير وكالة بلومبرج، أن عائدات السندات من الدرجة الاستثمارية عادة ما تتفوق في أدائها في الغالب على تلك الخاصة بالسندات متدنية الجودة في حالة تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي.
وتشير أحدث تقديرات الإجماع إلى امكانية سقوط الاقتصاد الأمريكي في براثن الركود بنسبة 65 في المائة مع انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي إلى 0.3 في المائة مقابل 1.9 في المائة المتوقعة في العام 2022. ومن المتوقع أيضاً أن يظل التضخم مرتفعاً، إلا انه قد ينخفض بمعدل النصف مقارنة بأعلى مستوياته المسجلة منذ عقود والتي بلغت نحو 8.0 في المائة ليصل إلى 4.0 في المائة في العام 2023. وأدى ارتفاع معدلات التضخم إلى رفع أسعار الفائدة خلال العام بوتيرة تراكمية بمقدار 425 نقطة أساس لتصل في المتوسط إلى 4.38 في المائة.
وتشير التوقعات الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس اضافية في العام 2023، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع المتوسط ليصل إلى 5.1 في المائة، أي أعلى من توقعات الإجماع ومما يشير إلى أن أي اجراء لخفض سعر الفائدة لن يبدأ قبل العام 2024.
واتجهت التصنيفات السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي لصالح الإجراءات الإيجابية في ظل القيام برفع التصنيف الائتماني مرتين هذا العام مقابل خفض التصنيف مرة واحدة فقط. وشهد التصنيف السيادي لسلطنة عمان ترقيتين هذا العام من قبل وكالة ستاندرد أند بورز من B + إلى BB - في أبريل 2022، تلاها ترقية أخرى إلى BB في نوفمبر 2022 مع نظرة مستقبلية مستقرة. كما رفعت وكالة فيتش التصنيف السيادي لسلطنة عمان إلى BB من BB - في أغسطس 2022.
وعكست تلك الترقية ارتفاع أسعار النفط التي انعكست على المؤشرات المالية العمانية ومواصلة الحكومة تطبيق برنامج الإصلاح المالي. كما قامت وكالة ستاندرد اند بورز برفع التصنيف السيادي لقطر من AA - إلى AA في نوفمبر 2022. وعكست تلك الترقية الوضع المالي للحكومة الناتج عن ارتفاع العائدات النفطية بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الفائدة وذلك نظراً لقيام الحكومة بسداد الديون المستحقة.
من جهة أخرى، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت بدرجة واحدة إلى AA - في فبراير 2022، نظرا للتحديات الهيكلية والاعتماد على النفط.
من المتوقع أن تصل قيمة أدوات الدخل الثابت مستحقة السداد من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على مدى السنوات الخمس المقبلة (2023 - 2027) إلى 199.3 مليار دولار أمريكي، في حين أن آجال استحقاق أدوات الدين الخاصة بالشركات ستظل أقل قليلاً عند مستوى 169.1 مليار دولار أمريكي.
ومن المتوقع أن تظل قيمة السندات والصكوك مستحقة السداد مرتفعة خلال الفترة الممتدة ما بين 2023 حتى 2027 ثم تنخفض تدريجياً لبقية مدة الاستحقاق. ويشير ارتفاع فيمة أدوات الدين مستحقة السداد خلال السنوات الخمس المقبلة إلى تزايد عدد الإصدارات قصيرة الأجل (مدة استحقاق أقل من 5 سنوات) في عامي 2020 و2021 نظراً لجمع الحكومات الأموال لموازنة العجز خلال الجائحة. ومعظم تلك الاستحقاقات مقومة بالدولار الأمريكي بنسبة 59.7 في المائة، تليها الإصدارات بالعملة المحلية بالريال السعودي والريال القطري بنسبة 17.2 في المائة و7.7 في المائة، على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه نظراً لمستويات التصنيف الائتماني لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أغلبية هذه الاستحقاقات تتميز بأنها من درجة استثمارية عالية، أو أدوات مصنفة من الفئة (أ).
أما فيما يتعلق بنوعية أدوات الدين، فتأتي السندات التقليدية في الصدارة، حيث تمثل القيمة مستحقة السداد خلال السنوات الخمس المقبلة نحو 230.1 مليار دولار أمريكي، في حين يتوقع أن تصل قيمة الصكوك مستحقة السداد إلى 138.3 مليار دولار أمريكي.
وفيما يتعلق بآجال الاستحقاق وفقاً لكل دولة على حدة، تأتي السعودية في الصدارة متفوقة بذلك على الإمارات من حيث أكبر قيمة أدوات دين مستحقة السداد على مدى السنوات الخمس المقبلة. ومن المتوقع أن تشهد المملكة استحقاق سداد 125.0 مليار دولار أمريكي من أدوات الدخل الثابت حتى العام 2027 تليها جهات الإصدار الإماراتية والقطرية بقيمة 109.8 مليار دولار أمريكي و 73.1 مليار دولار أمريكي، على التوالي.
وعلى الصعيد القطاعي، تصل قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على قطاع البنوك والخدمات المالية الى 118.4 مليار دولار أمريكي على مدار السنوات الخمس المقبلة مما يمثل نحو 70.0 في المائة من إجمالي قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على الشركات و32.1 في المائة من إجمالي المبالغ مستحقة السداد في دول مجلس التعاون الخليجي حتى العام 2027. تبعه قطاع الطاقة ببلوغ قيمة أدوات الدين مستحقة السداد 19.6 مليار دولار أمريكي أو ما يعادل 11.6 في المائة من إجمالي الاستحقاقات على الشركات الخليجية حتى العام 2027، ثم قطاع المرافق العامة والقطاع الاستهلاكي بقيمة 10.7 مليار دولار أمريكي و 6.0 مليار دولار أمريكي، على التوالي.
وتأتي البنوك العاملة في الإمارات في مركز الصدارة من حيث أعلى قيمة أدوات الدين مستحقة السداد خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 49.7 مليار دولار أمريكي تليها قطر بقيمة 27.0 مليار دولار أمريكي. واستحوذت البنوك العاملة في البلدين على ما نسبته 20.8 في المائة من إجمالي استحقاقات السندات / الصكوك للخمس سنوات المقبلة في دول مجلس التعاون الخليجي. كما تتركز قيمة المبالغ مستحقة السداد في قطاع العقار بصفة رئيسية في الإمارات والسعودية بمقدار 5.5 مليار دولار أمريكي و3.5 مليار دولار أمريكي، على التوالي، حتى العام 2027.
كما يتغير هيكل آجال الاستحقاق تدريجياً وذلك نظراً لتزايد إصدارات الأوراق المالية الدائمة. ووفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، شهدت إصدارات الأوراق المالية الدائمة نمواً للعام الثامن على التوالي في العام 2022. وارتفعت قيمة الإصدارات إلى مستويات قياسية خلال العام الحالي، إذ وصلت إلى 11.4 مليار دولار امريكي في العام 2022 مقابل 9.6 مليار دولار أمريكي في العام 2021.
توقعات العام 2023
بالنسبة للعام 2023، نتوقع أن تسهم السياسات النقدية المتشددة التي تم تطبيقها على مستوى العالم في الحد من القيمة الاجمالية للإصدارات والتي ستتأثر أكثر بضغوط الركود العالمي. وسيظل اتجاه التضخم هو الركيزة الرئيسية لاستقرار سوق السندات لأنه سيقرر المسار الذي تسلكه البنوك المركزية لإدارة التوقعات الاقتصادية. إلا أنه من المتوقع أن يتفوق النمو الاقتصادي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي على النمو العالمي، حيث من المتوقع أن يتعافى نشاط سوق المشاريع التنموية الذي تراجع خلال الأرباع القليلة الماضية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز إصدارات أدوات الدخل الثابت في دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن المتوقع أن تبلغ قيمة السندات والصكوك الخليجية مستحقة السداد 67.5 مليار دولار أمريكي في العام 2023، كما يتوقع أن يمثل إعادة تمويل هذه السندات والصكوك الجزء الأكبر من الإصدارات من قبل الشركات والحكومات على مستوى المنطقة. إلا أنه يتوقع أن يؤدي ارتفاع تكلفة الاقتراض والربحية القوية وتوليد النقد إلى تثبيط بعض أنشطة إعادة التمويل على المدى القريب. كما نتوقع أن يتم تحميل رسوم الإصدارات الجديدة على المستثمر بعد بيعها بمجرد استقرار سعر الفائدة العالمية وأسعار الصرف. ونتوقع أن تعود الشركات المصدرة إلى السوق خلال النصف الثاني من العام بمجرد أن تبدو ظروف السوق مواتية. ومن المتوقع أن تسجل الدول السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي فوائض مالية على خلفية ارتفاع أسعار النفط، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحد من القيمة الاجمالية للإصدارات، ونظراً لأن التنويع يعد هدفاً أساسياً لمعظم الحكومات، يمكننا أن نتوقع الإصدارات الخاصة بالمشاريع خلال العام. كما أن الجهات السيادية في المنطقة ما تزال بحاجة إلى خطوط تمويل على المديين المتوسط إلى الطويل لتلبية الرؤى الاستراتيجية طويلة الأجل. ونتوقع أن يظل إجمالي إصدارات أدوات الدخل الثابت مستقراً في العام 2023 أو أن يسجل نمواً هامشياً يتراوح بين 80 إلى 85 مليار دولار أمريكي مما يعكس العوامل سالفة الذكر.