عمر إبراهيم الرشيد
حين تضيق بطريقة تعامل إنسان معك وجفافه تصف أخلاقه بأنها تجارية، لأن بعض التجار وليس كلهم، والتعميم لغة الجاهل، أقول بعض التجار يتعامل في بيعه وشرائه بجفاف مع عملائه وكأنه يخشى المفاصلة إن هو تعامل بلين وأريحية، فيخسر في تجارته ولذا يظهر الجفاف حتى يدفع الزبون أو العميل قيمة مشترياته ويمضي في حال سبيله. وهذا ديدن بعض صغار التجار وحتى بعض كبارهم، لكن أن يمتد هذا السلوك وهذه الأخلاق إلى كيانات اقتصادية مثل بعض شركات الاتصالات لدينا فهذا هو المعيب والتوحش الرأسمالي بعينه مع الأسف الشديد. لن أذكر اسم الشركة بالطبع حفاظاً على المهنية والموضوعية وابتعاداً عن الشخصنة، إنما أود القول بأني عميل لتلك الشركة منذ أمد بعيد، ومع هذا لم تشفع لي هذه المدة والسنوات الطويلة بل يتم إرسال الإنذار بقرب فصل الخدمة في حال عدم المسارعة بتسديد الفاتورة.
والعتب موصول إلى هيئة الاتصالات كذلك لسكوتها عن هكذا لغة تعامل مع عملاء هذه الشركة، ولوتمعنا في مركز هذه الشركة وملاءتها المالية وأرباحها المتعاظمة عاماً بعد آخر، لزاد تعجبنا واستغرابنا بل واستنكارنا لهذا الخطاب الجاف والخالي من التعامل الإنساني الذي حض عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. فما بالك إذا طالب العملاء وهذا من أصل حقوقهم على الشركة التي بنت ثرواتها من جيوبهم، أقول إذا طالبوا بعدم فصل الخدمة إلا في حال التأخر في السداد لثلاثة أشهر مع عدم إعادتها إلا بعد سداد المبلغ كاملاً، ومنح العميل المتميز والمنتظم في السداد خيار دفع الفاتورة بالأقساط الشهرية الصغيرة إذا رغب ذلك تقديراً له وعرفاناً له بولائه للشركة، فهل ما أقول صعب التنفيذ على كيان اقتصادي بحجم شركة اتصالات عملاقة؟ لا أعتقد ذلك. وللحق أقول بوجود فئة من العملاء تتهاون في التسديد وفي حق الشركة المشروع في تحصيل أموالها، إنما نعلم أن وسائل تحصيل الأموال من العملاء لاتنحصر في أسلوب وطرق الشركة الحالية التي تفوح منها رائحة الجشع برغم الأرباح المتعاظمة كما قلت عاماً بعد آخر واللهم لا حسد.
إنكم حين تتأملون وضع المستهلك بكافة فئاته مع معظم الشركات والكيانات التجارية بكافة مجالاتها وليس فقط الاتصالات، فإنكم تلمسون لديه الإحباط بل واليأس من تغير هذا التعامل الرأسمالي الجشع من قطاع الاتصالات إلى السيارات مروراً بقطاع الصحة والأدوية وحتى قطاع الأغذية...إلخ. فهل هو استسلام ورضوخ وسلبية؟. أما الصحافة والإعلام الجاد بكافة وسائله فإن على عاتقه تقع مسؤولية التنوير ونفض الغبار عما أصبح لدى تلك الكيانات ومعها المستهلك واقعاً لا يمكن تغييره، وقبل الصحافة والإعلام الجاد فإن الجهات المشرفة والمشرعة لمختلف الأنشطة التجارية منوط بها التدخل للجم هذا التوحش الرأسمالي سواء في التعامل مع المستهلك أو جعل الربح الفاحش أول الأولويات، وإلزامها بمراعاة مسؤولياتها الاجتماعية وامتنانها للمجتمع الذي بنت من جيوب أفراده ثرواتها. الاقتصاد عصب الدول ولكن للاقتصاد والتجارة تعامل حسن، إلى اللقاء.