جانبي خادج عمر
يواجه العالم في العام 2023م رياحاً اقتصادية معاكسة مركزها الحرب الروسية الأوكرانية التي أثارت عاصفة أزمة طاقة عالمية، تم فرض أكثر من 7 آلاف عقوبة من قبل الغرب (33 دولة أبرزها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية) على الروس منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والهدف هو جعل الحرب مكلفة للروس ويتم استخدام كل الأدوات المتاحة وتوظيفها لتقوم بتحقيق الاغتيالات التالية للروس:
الاغتيال السياسي: بجعل روسيا دولة منبوذة وتحويل روسيا من شريك إستراتيجي للناتو إلى أكبر خطر إرهابي يهدد أوروبا والعالم.
الاغتيال التكنولوجي: حيث تم حظر استيراد التكنولوجيا وعلى رأسها الرقائق الإلكترونية.
الاغتيال المالي: حيث تم تجميد أرصدة روسيا في الخارج وفصل روسيا عن نظام السويفت للتعاملات المالية.
الاغتيال الاقتصادي: لضرب الاقتصاد الروسي وكان آخرها فرض سقف سعري للنفط الروسي وسرعان ما رد الرئيس الروسي على هذه العقوبات بمرسوم يقضي بمنع تصدير النفط لأي دولة مشاركة في فرض سياسة السقف السعري من فبراير 2023 إلى يوليو 2023 مع إمكانية وجود استثناءات.
والعقوبات الغربية دفعت حتى اليوم أكثر من 410 شركة أجنبية إلى مغادرة روسيا أو تجميد نشاطها. وتشير الإحصاءات أنه بلغت عائدات الميزانية الروسية العام الماضي 340 مليار دولار. وأنفق الكرملين ما يقرب من ربع إجمالي أرباحه لعام 2021 على حربه في أوكرانيا. وبالمقابل قدمت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرة الأشهر الماضية ما قيمته 48 مليار دولار أمريكي لأوكرانيا (23 مليار دولار معدات عسكرية و15 مليار دولار مساعدات مالية و10 مليارات مساعدات إنسانية).
الاغتيال العسكري: بإطالة زمن الحرب لاستنزاف الآلة العسكرية الروسية وتزويد الأوكرانيين بالعتاد والأنظمة الحربية الحديثة منها صواريخ هايمرس ومؤخراً نظام باتريوت الأمريكي.
يشير تقرير لمجلة فوربس أوكرانيا الأخير أن روسيا أنفقت حوالي 82 مليار دولار في الأشهر التسعة منذ بدء حربها ضد أوكرانيا حيث خصصت روسيا 29 مليار دولار لدعم الجيش وما يقرب من 16 مليار دولار لرواتب الجنود وأنفقت 9 مليارات كتعويض لعائلات الجنود الذين قتلوا وخصصت 7.7 مليار لدعم أسر المصابين في الحرب في حين أن الخسائر في المعدات بلغت 21 مليار دولار.
بالمقابل صرحت جولدمان ساكس أنها ترى زيادة بمعدل 2 تريليون دولار في فاتورة الطاقة الأوروبية في عام 2023 وفواتير الطاقة ستمثل 15 % من الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا. وارتفعت المساعدات الأوروبية من فبراير إلى نوفمبر 2022 م لتأمين إمدادات الطاقة وحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار إلى ما يزيد عن 700 مليار يورو، فقد دعمت الحكومة الألمانية فاتورة الطاقة بـ264 مليار يورو حتى توفمبر 2022 وهذا يمثل 7.4 % من الناتج القومي المحلي لألمانيا وكذلك إيطاليا دعمت فاتورة الطاقة تقريباً بـ91 مليار دولار ما يمثل 5.1 % من الناتج القومي لها.
يبدو أن أزمة وصدمة الطاقة الأوروبية وحالة الطوارئ ستستمر حتى عام 2026م وهي تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي وتحفز الضغوط التضخمية مما يقوض الثقة والقدرة الشرائية للأسر ويزيد من المخاطر في جميع أنحاء العالم وذلك وفق أحدث تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وكذلك تتوقع المنظمة نمواً ضعيفاً للاقتصادات العالمية قد يصل إلى 2.2 % في عام 2023م والتضخم سيصل إلى 6.6 %. وسيعتمد النمو في عام 2023م على اقتصادات الأسواق الناشئة الآسيوية الرئيسية والتي ستساهم بثلاثة أرباع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
قال «ماتياس كورمان» الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «إن إنهاء الحرب وإحلال سلام عادل لأوكرانيا سيكونان الطريقة الأكثر تأثيراً على التوقعات الاقتصادية العالمية وإلى أن يحدث ذلك من المهم أن تنشر الحكومات تدابير سياسية قصيرة ومتوسطة المدى لمواجهة الأزمة لتخفيف تأثيرها على المدى القصير مع بناء الأسس لانتعاش أقوى ومستدام».
ما زالت كل السيناريوهات للحرب الروسية الأوكرانية مفتوحة ويمكن اختصارها بما يلي:
السيناريو الأول: التفاوض لوقف إطلاق نار مؤقت ولن تكون هذه النهاية للحرب حيث يمكن أن تشتعل الحرب مرة أخرى وفي أي وقت لحين تنظيم وحشد القوات.
السيناريو الثاني: السلام الاستبدادي وسيكون مؤلماً للأوكرانيين حيث تحتفظ روسيا بالأقاليم الأربعة التي ضمتها من إقليم دونباس (لوغانسك ودونيتسك) وزاباروجيا وخيرسون.
السيناريو الثالث: الانتصار الروسي - حيث تلزم روسيا الأوكران بالتنازل عن الأقاليم الأربعة وهكذا تكون روسيا قد سيطرت على 20 % من الأراضي الأوكرانية.
السيناريو الرابع: انسحاب روسي وانتصار أوكراني وهذا الاحتمال ضعيف في ظل بقاء الرئيس الروسي بوتين معروف عنه عدم التراجع والتكاليف المرتفعة لدعم الأوكرانيين مع تصاعد الأزمة الاقتصادية عالمياً.
السيناريو الخامس: وهو حرب استنزاف طويلة وبدء حرب العصابات والمدن واستمرار ضرب البنى التحتية الأوكرانية ومحاولة القوات الأوكرانية إلحاق أكبر الخسائر بالجيش الروسي.
السيناريو السادس: دخول الناتو مباشرة في حرب مع روسيا وامتداد رقعة الحرب لكل أوروبا وهذا الاحتمال مخيف لأنه قد يؤدي إلى اندلاع حرب نووية فقد تتصعد الأمور ويبدأ الروس باستعمال الأسلحة البيولوجية أولاً ومن ثم التصعيد لحرب نووية ورغم التلويح بهذه الاستراتيجية من قبل الكرملين والرئيس بوتين فإن الغرب ما زال منقسماً على نفسه حول التعامل مع هذه التهديدات.
دخان الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت تغطي الآمال بالتعافي في العام الجديد 2023 م وقالوا إن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب ولكن تبقى الحقائق المرة الناتجة عن الحروب ندب على جبين المتحاربين.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية