فهد عبدالعزيز الكليب
منطقة قصر الحكم مركز الحكم والريادة والقيادة الذي يحوي في مدلولاته وكيانه وتاريخه وتجليلاته العديد من الأماكن والأحداث والوقائع والدلالات والشخوص التاريخية للدولة السعودية بصور الحياة القديمة والتقليدية والحديثة التي تجسدها الكثير من الشواهد والصور والوثائق التاريخية والتي كان للملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - أثر بارز وذكرى خالدة في ذلك القصر الذي بني في عهد الإمام تركي بن عبدالله في عهد الدولة السعودية الثانية، ويقع في قلب العاصمة الرياض وسكنه الإمام تركي طيلة فترة حكمه التي تراوحت قرابة (ثلاثة عشر) عاماً حتى وفاته عام 1249هـ، وكان مبنياً من الطين والخشب، وكان ذلك هو النمط السائد للعمارة التقليدية آنذاك في مجتمع الرياض القديم، ثم سكنه ابنه الإمام فيصل بن تركي إلى أن توفي عام 1282هـ، ثم سكنه الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة والحديثة - رحمه الله - بعد أن تم ترميمه وزاد فيه غرفاً وحجرات وأدخل عليه بعض الإصلاحات والتحسينات الإضافية وزاد في بنائه وتوسعته على مراحل حتى أصبح قصراً كبيراً وواسعاً، وبنى حوله قصوراً عديدة لعائلته، وشيد قصراً كبيراً أمام القصر من ناحية الشمال خصص للوافدين من الضيوف، وبنى الملك عبدالعزيز ثلاثة جسور مسقوفة بالأخشاب، واحد منها يصل إلى المصلى القائم فوق مبنى إمام وخطيب الجامع الكبير «جامع الإمام تركي بن عبدالله» ليؤدي جلالته صلاة الجمعة فيه، والجسر الثاني يصل إلى قصر الضيافة، والثالث يصل إلى بيوت زوجاته وبعض عائلته الكريمة، وبقي قصر الحكم ثلاثين عاماً عاش فيه الملك عبدالعزيز بين أروقته، ولم ينتقل منه إلا بعد أن انتهى من بناء قصر المربع بعد اكتمال بنائه عام 1358هـ، في عهد الملك سعود تم هدمه وأعيد بناؤه على الطراز الحديث، وذلك في أواخر الخمسينيات الميلادية وهو بصورته الحالية.
وكم شهد هذا القصر الكثير من الأحداث والوقائع والمراسيم والقرارات منذ استرداد الملك لقاعدة ملك آبائه وأجداده الرياض وإليكم بعضاً من الشواهد التي شهدها ذلك القصر المشيد ومنها:
أولاً: اتخذه الإمام تركي بن عبدالله مقراً لسكنه وإدارة شؤون دولته، وكذلك ابنه الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله.
ثانياً: استخدمه الملك عبدالعزيز مقراً للحكم وإدارة شؤون دولته، كما اتخذه أبناؤه الملوك: سعود وفيصل وخالد مقراً للحكم، وكان الملك سعود بن عبدالعزيز يذهب إليه يومياً لتسيير أمور الدولة وإدارتها من مكتبه بالقصر، ويستقبل فيه الأمراء والمواطنين والمراجعين طوال فترة حكمه الذي دام إحدى عشرة سنة، ثم أصبح يأتيه مرة في الأسبوع.
ثالثاً: شهد ذلك القصر انعقاد البيعة المباركة لجميع ملوك المملكة العربية السعودية ابتداءً بالملك سعود، ثم فيصل، ثم خالد، ثم فهد، ثم عبدالله، -رحمهم الله-، ثم الملك سلمان -حفظه الله-. وقد شهد مشاهد البيعة كلها بصفته أميراً لمنطقة الرياض حيث شهد الملك سلمان مشاهد البيعة خلال الفترة من (1373- 1426هـ) حيث شهد بيعة الملك سعود عام 1373هـ، وفيصل عام 1384هـ، ثم خالد عام 1395هـ، ثم فهد عام 1402هـ، ثم عبدالله عام 1326هـ.
رابعاً: يُعد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - هو الأطول حضوراً وبقاء في قصر الحكم من أبناء الملك عبدالعزيز حيث كانت فترة إقامته للعمل في مكتبه بإمارة منطقة الرياض منذ عام 1373- 1432هـ كأمير لمنطقة الرياض.
خامساً: يُعد قصر الحكم مدرسة شاملة وخاصة تعلم بها وتخرج فيها الملوك والأمراء من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وخاصة الملك «الأمير» سلمان آنذاك حيث كان يتردد على القصر، ويقرأ الكتب والصحف والمجلات التي ترد للملك عبدالعزيز.
سادساً: شهد قصر الحكم أول ديوان يرأسه الملك عبدالعزيز منذ دخوله الرياض يتكون من شعب وإدارات، يشرف على تسيير أمور الدولة يحمل اسم: «ديوان الشيوخ»، وقد تطورت تلك الشعب والإدارات لتتحول بعد فتح الحجاز إلى وزارات.
سابعاً: عقد في قصر الحكم بالرياض أول مؤتمر عام 1339هـ (1921م) حضره العلماء ورؤساء القبائل والعشائر والأعيان وأعلن من خلاله أن يكون لقب عبدالعزيز «سلطان نجد وملحقاتها» واقترح أحد الحضور بأن يضاف إلى اللقب «صاحب العظمة» فكان رد الملك عبدالعزيز قائلاً: «العظمة لله عز وجل» ثم أصدر عددا من القرارات في تعيين بعض من أمراء الأقاليم والإمارات التابعة لنجد يشرفون على استتباب الأمن والاستقرار فيها.
ثامناً: أعلن في قصر الحكم أول نظام للدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز نشر في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 21 صفر 1345هـ، الموافق 31 أغسطس 1926م عرف هذا النظام باسم «التعليمات الأساسية لمملكة الحجاز»، حيث عقد الاجتماع للجمعية العمومية في مكة المكرمة وقاموا بصياغة النظام، ثم رفعه لملك عبدالعزيز وتم إقراره وإعلانه.
تاسعاً: شهد قصر الحكم ولادة الملك عبدالعزيز وعاش فيه، وولد فيه الكثير من أبنائه ومنهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله عام 1354هـ (1935م).
عاشراً: كانت الحياة في قصر الحكم أنموذجا باهرا للترابط والتلاحم والوحدة بين أعضاء البيت السعودي الحاكم وبين أبناء الشعب الواحد، ومثالا بارزا وشاهدا على محبة المواطنين لملوكهم منذ دخول الملك عبدالعزيز للرياض وإعلانه ملكاً حتى يومنا الحاضر في عهد الملك سلمان- حفظه الله-.
الحادي عشر: قصر الحكم يمثل سلاسة انتقال الحكم من يد إلى يد بكل يُسر وسهولة منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى عهد أبنائه الملوك من بعده.
لذا فلا غرو أن يحن الملك سلمان لزيارة قصر الحكم الذي أمضى جل حياته فيه منذ الولادة إلى القيادة، ويتجلى أجمل الذكريات التي أمضاها بين أروقته يستذكر تاريخ أبائه وأجداده وتاريخ البطل عبدالعزيز الذي وحد الكيان وآمن السبل ونشر الأمن، ونحن اليوم بخير وأمن ورخاء واستقرار ولله الحمد والمنة.
وزيارة الملك سلمان لقصر الحكم هو استجلاء لانتهاج سياسة الباب المفتوح الذي لم يغلق منذ فتحه الملك عبدالعزيز في الخامس من شوال 1319هـ، فحافظ على هذا النهج سلمان بن عبدالعزيز منذ اليوم الأول الذي باشر فيه العمل في هذا القصر وفي جلستين مستمعاً للمواطنين متلمساً لاحتياجاتهم في تجسيد العلاقة الأبوية الحانية بين القيادة والقاعدة ولمدة أكثر من خمسة عقود من الزمن.