اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وبما أن القوة الصلبة لم تعد رادعاً يعوَّل عليه بسبب تطور الصراع على مختلف الأصعدة النفسية والاقتصادية والسياسية والسيبرانية فإن الحرب الهجينة فرضت نفسها وأثبتت قدرتها على التكيّف مع المواقف القتالية طويلة المدى التي تجد القوات التقليدية صعوبة في التعامل معها.
وهذه الخاصية مزجت بين أساليب الصراع وجعلت الحرب الهجينة عالمية النطاق ومتنوّعة الشكل لكونها تتأرجح بين العمل العسكري والإلكتروني وممارسات التضليل والعمل في الخفاء والمزج بين أساليب الصراع التقليدي وغير التقليدي ووسائل الإرهاب والجريمة المنظمة.
والتغيّر في طبيعة الحرب أو ما يعرف بالحرب الهجينة لم يكن هذا الشكل من أشكال الحرب جديداً كما يتصور البعض، بل الجديد هو ما طرأ على الحرب من تحول ارتفع فيه مستوى التهجين بشكل ارتفع معه سقف الصراع من الأدنى إلى الأعلى، وقد قال كلاوز فيتز: إن لكل عصر شكله الخاص من أشكال الحرب.
وقد أثبتت التجارب في هذا العصر أن الحرب الهجينة في شكلها غير التقليدي وغير المباشر أكثر فاعلية وأقل تكلفة من الحرب المباشرة التي تخوضها قوات تقليدية نظراً لما أفرزته من عوامل جديدة أدت إلى حدوث تغييرات أفرزت بدورها حالة من الصراع ذات الأبعاد الشاملة التي تأكد على ضوئها أن الأساليب التقليدية بمعزل عن الأساليب الهجينة ليست الطريقة المثلى لتحقيق النصر على أرض المعركة في هذا الزمن.
وعلاوة على مغريات الحرب الهجينة التي تغري قوى الاستعمار ودعاة الحروب والدمار فإن ثمة قيوداً تزيد في الإغراء وتدفعهم إلى اللجوء إلى الصراع القتالي الهجين واعتناق هذا المذهب المشين، وتتمثَّل هذه القيود في أسلحة التدمير الشامل والتوازنات العسكرية والتحالفات السياسية وانقسام العالم إلى أقطاب والتكاليف المادية والمعنوية المترتبة على الحرب المباشرة، كل ذلك أدى إلى ترجيح كفة المواجهة غير المباشرة عن طريق الصراع الهجين بأنماطه المتعددة وأشكاله المتجددة وهي مواجهة متغيرة المسار وقابلة للإنكار.
ومن يلقي نظرة فاحصة على الحروب التي جرت على مسارح كثيرة وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا يتضح له بجلاء أن الذين يخوضونها تبنوا مفهوم وأساليب الحرب الهجينة عن طريق أثارة الفتن في الداخل وتأليب الشعوب ضد حكوماتها وممارسة حرب العصابات والحرب بالوكالة واستخدام المليشيات المتمردة على السلطة والتنظيمات الإرهابية والإجرامية والصعود بالصراع من طيف إلى آخر ومن مستوى إلى الذي يليه.
وهذا الأسلوب الهجين أصبح يشكِّل تحدياً خطيراً أمام الطرف المستهدف الذي يتبنى أساليب القتال التقليدي على نحوٍ يستنزفه عسكرياً ويضغط عليه سياسياً إلى جانب إيجاد قاعدة اجتماعية حاضنة تقدم الدعم والمساندة من أجل إحداث التأثير المطلوب وبلوغ الهدف المنشود.
وقد خضعت الحرب الهجينة لتعريفات كثيرة وتوصيفات مثيرة تتفق في حيثياتها المختلطة والمركبة وتختلف في توصيفاتها المتغيرة والمتقلبة التي تعكس اهتمام السياسيين والمنظرين والكتاب بهذه الحرب المتسيِّبة ذات المسؤولية المغيَّبة بسبب بيئتها الموبوءة وتعدد العناصر غير المتجانسة التي تشترك فيها والجمع بين أساليب ووسائل الحرب غير التقليدية وما يعرف بالثورات الملونة ودمجها تحت مظلة الحرب الهجينة.
وينبغي ألا يغرب عن البال أن ثورات ما يعرف بالربيع العربي تشكل مظهراً من مظاهر الفوضى ذات السمة الملونة والطابع الهجين التي يصعب على السلطة في الدولة المستهدفة الاستعداد للتصدي لها نظراً لما يكتنفها من الغموض والسرية نتيجة لضبابية الموقف وإدارتها من الخارج باعتبارها توطئة تمهيدية لحرب غير تقليدية تتطور أحداثها الهجينة على ضوء ما يطرأ على الموقف من مستجدات ومتغيرات ضمن إطار الصراع المسلح الهجين ومستوياته.
ومصطلح الحرب الهجينة يتخذ أبعادا متباعدة ويشمل مجالات متعددة تجعل تعريف هذه الحرب ينطوي على تعريف مركب تجمع أهدافه بين أطرافه وأوصافه تشهد على انحرافه حيث يمزج هذا المفهوم بين أشكال متنوعة من الصراعات التي تثير الفتنة وتؤجج العنف، وتؤلب الشعوب على حكوماتها عن طريق الحرب المختلطة التي تلجأ إلى التكتيكات غير التقليدية والعمليات الإرهابية والتخريبية المدعومة بالوسائل والأساليب التقليدية، مضافاً إليها تلك النشاطات الاقتصادية والسياسية والمعلوماتية القابلة للإنكار.
وبمعنى آخر فإن هذا الجيل الجديد من الحرب يمزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة من خلال مجالات مختلفة يتم التركيز فيها على التطبيق الفاعل والاستخدام الشامل للأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتنسيق بينها في إطار غير تقليدي ينسجم مع التغيير الحاصل في قواعد وأسس الحرب التقليدية ودور الوسائل والأساليب غير العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية والإستراتيجية.
وقد أشارت بعض المراجع إلى تعريف الحرب الهجينة واصفة إياها بأنها إستراتيجيا عسكرية تمزج بين مفاهيم الحرب التقليدية ومفاهيم الحرب غير النظامية والحرب الإلكترونية وحرب المعلومات، كما وصفها البعض بأنها: نموذج عصري لحرب العصابات والحرب بالوكالة وذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة والوسائل المتطورة مع الجمع بين الوسائل التقليدية وغير التقليدية وتعزيز ذلك بالضغط النفسي والسياسي والاقتصادي والإعلامي.
والحرب الهجينة في العصر الحديث تعتبر صناعة أمريكية وروسية، حيث اهتمت بها المدرسة الغربية والشرقية وكتب عنها الكثير من المنظرين السياسيين والعسكريين والكتاب المدنيين وقد عرفها أحد رؤساء أركان الجيش الأمريكي بأنها الحرب الناتجة عن التهديدات الهجينة وتتضمن مجموعات متنوعة وديناميكية من القدرات التقليدية وغير التقليدية بالإضافة إلى العمليات الإرهابية والإجرامية، كما عرفها فرانك هوفمان أحد ضباط البحرية الأمريكية بأنها تحتوي على مجموعة من أنماط الحرب المختلفة بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والأعمال الإرهابية المشتملة على العنف والإكراه والعمل الإجرامي،وعرفها أيضاً بأنها: المزج بين تكتيك حرب العصابات والجماعات الإرهابية وامتلاك القدرات التقليدية والتكتيكات غير التقليدية والأفعال الإرهابية علاوة على نشر الفوضى التي تساعد على تفشي الجريمة.