د. إبراهيم بن جلال فضلون
عام 2023 والمعركة التي يخوضها صانعو السياسات، سيكون حافلاً بالتنبؤات، فمن المحتمل أن يواجه الاقتصاد العالمي الأكثر عرضة للتهديد والصراعات الجيوساسية، ركوداً لذلك مع ارتفاع أسعار الفائدة استجابة لارتفاع التضخم، الذي لم يتم قهره للآن، إلى جانب ارتباط كثير من السياسات النقدية بالدولار وقوته، وفقاً لمقولة «عندما يعطس الاقتصاد الأميركي، تصاب الأسواق الناشئة بالبرد». فالاقتصادات التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، تخلق عوائق في السيولة المصرفية، لكن مع الاقتصادات الأضعف، فتُشكل طامة ومديونية أمام حكوماتها، ولا يزال النجاح الاقتصادي للأسواق العربية مُرتبطاً بأهواء أسواق السلع العالمية، خاصة النفط والغاز ومدى تأثيره على الطلب العالمي للطاقة عام 2023، الذي قد يشهد حسب تقديرات أحد البنوك الاستثمارية الرائدة سيناريو تصاعدياً لارتفاع أسعار نفط برنت بشكل مطرد على مدى السنوات الثلاث المقبلة إلى 120 دولاراً للبرميل، قد تصل الأصول الخارجية لدول الخليجي إلى 6 تريليونات دولار.. وقد تستقر عند مستوى 5 تريليونات دولار.
لقد تجاوز الناتج الاقتصادي العالمي 100 تريليون دولار لأول مرة في عام 2022، لكن هذا الأمر لن يستمر في 2023، وفق توقعات هذا التقرير الأكثر تشاؤماً لصندوق النقد الدولي أكتوبر الماضي، والتحذير من أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سوف ينكمش، وأن هناك فرصة بنسبة 25 % لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة أقل من 2 % في عام 2023، وهو ما يُعرف بأنه ركود عالمي، وبالتالي سيتضاعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2037، حيث ستلحق الاقتصادات النامية بالاقتصادات الأكثر ثراءً وسيحدث تحول في ميزان القوى، حيث تمثل منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي أكثر من ثلث الناتج العالمي، بينما تقل حصة أوروبا إلى أقل من الخمس، حيثُ تواجه المحركات التقليدية للابتكار والاستثمار من الغرب الآن انحساراً ديموغرافياً طويل الأمد، ليحتفظ الأمريكان بأكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2036، كون الصين غير مستعدة الآن لتجاوزها جراء العقوبات التجارية الانتقامية عليها، ناهيك عن جائحة «كوفيد - 19» الهالكة للاقتصاد الصيني للآن، وسياساتها مع الروس في حربها الأوكرانية الأوروبية وإمدادات النفط التي حددت أوروبا سقف سعره، لترزخ أوروبا في ظلام حالك وشتاء قارس.
وفي المقابل المنطقة العربية، ذات التحديات الجمة من لاسيما إرهاب إيران بالمنطقة والضغوطات الأمنية السياسية التي أثرت اقتصادياً عليها جراء الضغوط التضخمية الهيكلية المتزايدة، واتساع الفجوة بين مستوردي ومصدري الطاقة، ليكون عام 2023 مليئاً بمجموعة من التحديات الجديدة، لتحقيق التوازن بين فرص تحقيق عائدات موارد مرتفعة، قد يؤهل بعض الدول العربية لتولي أدوار قيادية في الاستثمار الإقليمي والعالمي، لاسيما السعودية التي وضعت ريادتها منذ إدارة الدفة العالمية بمجموعة العشرين، وقراراتها التوازنية عبر أوبك بلس لتنظيم السوق النفطي.. مما يستلزم نوعاً جديداً من المشاركة الاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء المنطقة العربية، كما تمت بنجاح من قبل الصين في الرياض، خلافاً للفشل الذريع لأميركا في ذلك مما جعلها تخسر شريكاً استراتيجياً ومحورياً لها في الشرق الأوسط.
وأخيراً: الشرق لأوسط عالم ملئ بالكنوز والبساتين ودونها غابات قاحلة وإلا لماذا يلهث عليها قوى العالم واستجدائها سواء من الولايات المتحدة والصين وروسيا فهي بوابة للمنافسة العالمية.