د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حاولتُ تجاوز العنوان الذي يحمل صبغة استطلاعية, وما وجدتُ سواه فضفاضاً يحملني لبث بعض الرؤى التقويمية حول السياسات التعليمية؛ وانطلقتُ من رؤية بلادنا العملاقة 2030 التي تضمنتْ سقفاً عالياً لإعادة صياغة ممكنات التعليم ليكون المتعلمون السعوديون جديرين بحيازة القوة وامتلاك الحضارة, وكما نعلم فإن الاقتصاد المزدهر ينطلق من تحقيق معرفة جادة وذات جودة تتم من خلال تمكين المتعلمين من منابع المعرفة المختلفة لأن التعليم يخلق القيمة المضافة للقدرات البشرية؛ ونتفق دائماً حين الاطلاع على السياسات التعليمية بأنه يجب أن نفكر خارج دوائر العقل الإداري ليكون أمامنا فرصة لتطوير المدخلات الحقيقية واستزراع المعرفة المتفوقة التي تصبُّ في فضاءات العقول وتغذي الميول والاستعداد وتُسهم في اكتشاف تطبيقات مبتكرة اعتماداً على المعطيات المتوفرة عند الطلاب.
من خلال الخبرات التعليمية المكتسبة, وأهمية تشكيل المتعلم المثقف الذي يتسم بالوعي المجتمعي ليتمكن من رؤية المجتمع وقضاياه من زوايا شاملة فيضيف على قضايا المجتمع ومتطلباته من القدرات التي استحصلها من تخصصه المهني وكفاياته الفكرية، فيلزمنا بعزم مساعدة المتعلمين على التركيز على المجالات التي يمكن لهم أن يبدعوا فيها وبذلك تتشكل في أوساطنا القوى العاملة الحاذقة؛ وليس استهداف الأدوات والأماكن وقاعات الدرس وأفنية المدارس فتلكم مطلب ولكنها لا تطور الفهم ولا تصقل القيم ولا تعكس القناعات والنتائج الثابتة. ولايزدهر نظام وحده, خاصة عندما تكون الأفعال ثانوية تتجافى عن المستهدف العقلي؛ والمقياس الأوحد هو الجدارة من خلال صياغة استراتيجية تتسم بالعمق تزخر بالوعود المستقبلية الصادقة تحمل في جوهرها تنميةً كفاءة الطلاب بشكل مستمر وفعال حيث إن محددات نجاحها بإذن الله تتطلب تحقيق التوازن الأمثل بين التفكير الإستراتيجي وتنفيذ خطط الاستهداف نحو فئات الطلاب باختلاف استعدادهم لأنهم هم مشروع التعليم الأهم فالبداية يجب أن تكون احتضان عقولهم ثم تعليمهم ما يليق بها. وعندما نتحدث في السياسات التعليمية نؤكد يقيناً أن المرحلة الثانوية في التعليم ليست امتداداً لماقبلها من مراحل التعليم العام بل هي البداية لما بعدها وهو التعليم الجامعي وسوق العمل مما يؤكد أن المرحلة الثانوية يمكن أن تأخذ مفهوماً وبعداً آخر فهي ذات أهمية كبرى في تشكيل شخصية الطلاب الفكرية والعملية واقتدارهم للانخراط في الحياة بسلاسة والوعي بمتغيراتها ومواكبة مستجداتها، ولذا فإن المكتسب في المراحل التأسيسية عبر التعليم الأساسي والممارسات الأولية هي المادة الخام التي يجب أن يتأبطها المخططون للسياسات التعليمية لتشييد مشروعات المرحلة الثانوية تمهيداً لتشكيل مخرجاتها. والحقيقة الماثلة أننا نحتاج إلى برامج تعليمية إصلاحية جذرية في تلك المرحلة من التعليم؛ فحياة المدارس اليوم تحتوي على كل شيء عدا ممكنات الوعي بواقع الحياة, وأعتقد أن التوجه الجديد في مشروع تطوير الثانويات المعتمد للتطبيق حديثاً ينصبُّ حول ذلك, وسوف يحقق للمدارس الخلاص من تعددية وظائفها من خلال دمج أنشطة التدريس في أشكال تعليمية جديدة تتواءم مع الميول والاستعداد ومنسوب المعرفة ونتمنى أن يصبح ذلك ممكناً من حيث توفر متطلبات التشغيل, والعمل على تمتين الأنظمة والسياسات التعليمة من منظور واسع وهو أن المدارس تتلقى مدخلاتها من بيئات المجتمع وتقوم بدورها المؤمل منها في كشف مخرجاتها إلى عموم المجتمع، ونأمل أن يكون المشروع المعتمد الجديد لتطوير الثانويات منصفاً أولاً للطلاب وداعماً للمجتمعات والبيئات التعليمية، وأن يمسُ في بنائه ومضمونه وعي الطلاب وفكرهم وأحاسيسهم نحو الحياة وتعددية الفكر وأنماط التشكيل المجتمعي ومن ثم الالتفاف الوطني الصادق والاندماج العالمي الواعي المثمر بمعنى أن يتصل التطوير ويمتد لتغيير فلسفة التعليم القائمة فالمختبرات والمعامل لاتصنع وحدها مواطنين صالحين يحملون بدائع الفكر. فعبقرية الاستخدام تتحقق في تعددية مهام الشيء الواحد؛ بمعنى أن يخدمك نظام بأدوات متعددة, وكفاءة التعليم لا تتحقق إلا بتغيير بناء عناصره ومناهجه وتهيئة منسوبيه للتغيير.