بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكَّد متخصص في العلوم الشرعية على أن أصول الأخلاق وقواعدها مغروسة في النفس ودور الشريعة إتمامها والرفع من شأن المقاصد على سنن قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ويخطئ من يأخذ بنظرية أن الأصل في الإنسان الشر، والخير طارئ، بل العكس، والأصل في الإنسان الخير والشر طارئ، لقوله تعالى: «خلقت عبادي كلهم حنفاء - أي على التوحيد فاجتالتهم الشياطين»، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يعبد الله لا يشرك به شيئاً، هذا مع الخالق - وليأت الناس الذي يحب أن يأتوا إليه)، هذا مع الخلق، فماذا لو طبَّق الخلق مع بعضهم هذه القاعدة العظيمة» وليأت الناس الذي يحب أن يأتوا إليه» لذهبت مئات من الأخلاق السيئة والمعاملات الفاسدة من الغش، والغيبة، والنميمة، والنجش وغيرها، ولسادت بدائلها من النصح، والصدق، والثناء الجميل، والعدل.
وقال الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم أن من له علاقة بالمجتمع يقف على مشكلات في أكثر من قطاع، وتشكِّل العمالة المستقدمة جزءاً كبيراً من هذه المشكلات، حيث إن هذه الأجناس لها مشارب مختلفة بحكم تفاوت التعليم والثقافة السائدة في المجتمع الذي تنتمي إليه، وهي تخالط المجتمع السعودي غير أن أي آلية تعامل سوف تبقى أثراً فيمن يحتك بهم، علماً أن معظم هذه الشريحة من أقل درجات فئات السكان علماً وتربية، وعلى هذا فهي مهيأة لتصدير عدد من الأمراض الاجتماعية والسلوكية، مؤكداً على أن الأمر تزداد خطورته حين يباشر هؤلاء أخطر ما لدينا، مثل: الاحتكاك بالأسرة، والتغذية، والمال عبر سائق الأجرة، والتوصيل السريع، وسماسرة السلع (الخضار، التمور، الإبل، الأغنام والأبقار)، والسيارات والحلاقين، والعاملات والخدم في البيوت، والمطاعم، ومحلات بيع الحاجيات النسائية، ومعظم هذه الفئات منهم من لا يعرف اللغة العربية، وقد لا يتيسر له حضور الجمعة غالباً وإذا حضر قد لا يفهم المراد من كلام الخطيب والمحاضرات، كما أن الدورات التي تُقام في المناشط الصيفية وغيرها لا تستهدف هؤلاء أصلاً، وكذلك المطويات والكتب والأشرطة قد تكون محصورة جداً على فئة من المسلمين الجدد بحكم نشاط الجاليات المركز في ذلك، وعلى هذا فإن قيام البلديات بدراسة آلية تحقق لتلك المصالح وتدرأ تلك المفاسد مع الجهات ذات العلاقة كل حسب تخصصه سوف يدرأ عن المجتمع كوارث أخلاقية، ومشاكل اجتماعية لا تُحصى.
وقدم الدكتور التويجري بعض من آليات العمل في ذلك، ومنها: الاستفادة من قسم الرخص للمحلات التجارية ذات النشاط المشار إليه سلفاً، وكذلك رخصة البيئة، وأن تنسق مع الجهات الأخرى مثل: المرور فيما يخص سائقي الأجرة، ومعارض السيارات، والغرفة التجارية فيما يخص المهن الأخرى التي ترخص من قبلها، وينظم لذلك دورات اجتماعية ثقافية تعالج التناقضات التي قد ترد في تلك المجالات، مثل: حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والدخول إلى البيت، والعيوب المتعلّقة بكل سلعة لها أثرها في القيمة، وحكم إخفائها، وما الذي يترتب على ذلك (عيوب الإبل، والبقر، والسيارات) أحكام العربون، والبخشيش، والبيع على البيع، والغش، والآداب الاجتماعية العامة للمجتمع المسلم، مضيفاً وبعد اجتياز هذه الدورة يعطى من حضر وشارك شهادة يضعها في الموقع الذي تحدده كل جهة للعاملين فيها وتكون مؤرِّخة قابلة للتجديد، ودخول دورات مشابهة في قضايا حديثة معاصرة، ومن الممكن الاستفادة من جمعيات الدعوة والإرشاد لترجمة وتأمين الكتب، وكذلك عمادة خدمة المجتمع في الجامعات للتنسيق والمتابعة مع الدعوة والإرشاد، وأساتذة الجامعة لإنفاذ البرنامج.
وأوضح الدكتور صالح التويجري على أن الأخلاق هي الطبائع والعادات والملكة الدافعة لتلك الظواهر، وهي الأعمال والمواقف والتصرفات عند من ينظرون إلى أشكالها، وهي القصد والمعتقد والقناعة والملكة عند من ينظرون إلى الباعث والمحرك الحقيقي لتلك الظواهر، ومنزلة الأخلاق في الإسلام عظيمة وجليلة، قال الله تعالى: وإنَّك لعلى خُلِقٍ عَظيم ، وقال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»، وقال أيضاً: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» رواه البخاري، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن من خياركم أحسنكم خلقاً» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن»، مشيراً إلى أن الأخلاق وثيقة الصلة بالمعتقد والقصد والغاية، ذلك أن الدافع إذا كان قوياً انطلقت الأعمال بيسر وسهولة وتلقائية، بل وأشد من ذلك إذ يمارسها الإنسان وهو لا ينتظر من الآخرين جزاءاً ولا شكوراً، وهذا يقطع دابر التصنع والرياء، ويقي الأمة من صناعة الرقيب الخارجي؛ لأن الارتباط أصبح بمن يطلع على السر والعلن، وهذه درجة الإحسان - المراقبة لله تعالى -، وأمر آخر يزيد الأخلاق مضاء وبقاءً هو أن سمو المقاصد يحمل على تقبل الصعاب وتخطي العقبات التي تعترض طريق السالك ولا يتشوّف إلى المقايضة، وما إفلاس من خارت عزائمهم إلا بسبب دنو الهدف وضحالة القصد والنظر إلى لحظ الآخرين، وهنا يتضح قصد الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «دخل رجل الجنة بغصن شجرة وجده في عرض الطريق، فقال: أنحي هذا حتى لا يؤذي المسلمين»، وعند تأمل الحديث تجد فيه ارتباط القصد بالسلوك ومعنى الشعور بالآخرين، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، وحديث: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها» وهكذا، وحين يكون القصد عاجلاً، يكون الجزاء عاجلاً، فهذا حاتم الطائي وعبدالله بن جدعان كانا من أكرم العرب، لكن الحديث جاء حين سأل عدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ينفع أبي كرمه، قال صلى الله عليه وسلم: لا، إن أباك يبحث عن شيء وجده». أي الشهرة والثناء، ومثله لو ربطت بقية الأخلاق الإسلامية الإنسانية بأهداف قاصرة، فإنها ستظل ضيقة الأثر في نفوس أصحابها، وفي واقع الناس، ومن مسببات ذلك تضخيم جانب الجوائز على حساب القناعات وربط الخلق بمسميات هشة تزهد فيها أصحاب النفوس الكريمة وتضعف تمسك المتصنع لها.
واستشهد الدكتور صالح التويجري بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث قال: «وأن تعفوا أقرب للتقوى، والصلح خير، ولا تنسوا الفضل بينكم، ولا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقولوا للناس حسناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، وقوله صلى الله عليه وسلم «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك، ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، الحياء لا يأتي إلا بخير»، وهنا ينضبط معيار الإفلاس حين يختل الخلق وينفصل عن العبادات.
قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته ولم يقض ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار»؛ فهذا قد ملك بضائع نفيسة، ولكن ركبته ديون بسبب سوء تصرفاته وأخلاقه، فكان هذا هو الإفلاس الحقيقي.