للأصوات ألحان عديدة
لا يعرفها إلا من يقضي أيام في العتمة
وللملامح أشكال عديدة
لا يظهر فيها تحت النور سوى واحد والأخرى تختبئ هناك في الليالي الصامتة
وتحت الوسائد
في الشوارع الخالية وفي صدور الأطفال تختبئ في الظلام والوحدة، في الخوف والخذلان
في نظرات المسنين وتحت أفواههم المبتسمة
هذا ما شعرت به
حين أغمضت عيناي ذات ليلة، مليئة بالشوك والدمع المالح
وتركتها لترضع من الليل حتى تشبعت بالسواد
وحين كشف النهار عن وجهه، كان كل شيء مظلم
عالمٌ آخر غير الذي كان، هذا الذي سقطت فيه
تائهة في العتمة
عالمٌ آخر
في جوفه تعب رهيب
في جوفه خوفٌ مريب
وألوان ليست كالتي أعرف
يومان قضيتها وجهاً لوجه مع العتمة أغرف منها اليأس لأشرب، وتغرقني به حتى الضياع.
كل الوجوه التي أعرف من قبل، لم تعد حاضره
أقول: للخوف رائحة لا يعرفها إلا من يقترب منه ويواجهه
لا يعرفها إلا من يبصره بقلبه قبل أن ينظر إليه
وللتعب أيضاً رائحة لا يعرفها إلا من يلمس الهزيمة ويتذوقها.
•••
يومان في وجه العتمة
تحول فيها الحلم إلى قارب مثقوب يخر منه الماء في كل مكان
يومان في صحبة اليأس المحموم يقول لي فيها:
أنا أكون حيث تريدونني أن أكون أقتل الحياة إن أردتم
ليس فقط في الأرواح
أيضاً في الذكريات الجميلة في الطفولة
في الأثاث المعتق
في الأحاسيس والروائح
أقتلها حتى في الجماد وأمحو كل من يريد أن يُمحى
كعود ثقاب قد أغرقه المطر وبات بلا فائدة
وعندما أشرقت الشمس جَفَّ جسده
وعاد للحياة
عاد يتذوقها ولكن بلا متعة ليموت في آخر الأمر
بين يدي أحدهم، فيشعل به سيجارته
غير مبال بشيء
وينتهي به المطاف، تحت أقدام المارة دهساً
وهذا لأنه أراد الموت أكثر من الحياة هذا لأنه أرادني بدلاً من نور الشمس الدافئ
هذا لأنه نظر لي ولم ينظر للجانب الآخر
يقول: كمزارع يقطن في حديقة من الحدائق العامة
ويهتم بكل زهرة فيها
حتى أتى أحدهم وأخرجه من هناك
وذلك لينقذه من الفقر ونسي بأن الأزهار هي أبناؤه
لم يشعر أحد بغياب ذلك البستاني
حتى فقدت الأزهار لونها، وأصبحت شاحبة كالخريف
هذا لأن الأزهار رأتني، هذا لأنها لم تحاول أن تنجو
هذا لأنها كانت تريد أن تراني.
•••
وأنا أيضاً
أردت اليأس تلك الليلة، أردت أن أمضي برفقته
كلما شعرت بتلك الحرقة في عينيّ
والجفن عالقٌ في الفراغ الأسود ومليء بالخوف، بالهب، بالموت!
ووحدي أصارع الغرق
ولكن اليأس أرادني وأردته
النهاية، الخلاص، انقطاع الألم
فالوقت لا يأبه بي، يمضي على ظهري دون توقف
رفاقي يمضون، والحياة أيضاً تمضي
وتسيل على جلدي
دون أن أستطيع الحركة
اليأس أرادني وأردته
أمد يدي له، ويمد يده
وبيننا الوقت يمضي ما يزال، بيننا الفراغ الأبيض
فلليأس طرقٌ لا يعرفها إلا من يصل نازعاً الخوف من قلبه
ومنفتحاً للمحاولة.
من يطرق بابه طلباً للراحة والغفران
أقول: لليأس طرق ليست كلها تعني الخلاص والموت
ليست كلها تعني الضياع
يقول: هناك أيضاً إن أردت أن تنظر في الجانب الآخر أبواب أخرى.
أبواب بيضاء، نقية، وبدايات لربيع مزهر أبواب تخبئ خلفها أحلام لم تكن وطموحات تنمو
وضحكات لانتصارات عديدة أتيه
يقول: لكن لا أحد يريد أن يرى البياض، لا أحد ينظر للجانب الآخر! لأنهم في القاع لم يطالبوا بالنجاة، لأنهم كانوا يريدون الخلاص من الألم، أرادوا العتمة لا البياض.
•••
اليأس أرادني وأردته
أمد له يدي ويمد يده نحو البياض لا العتمة نحو البدايات.
** **
- عُلا الحوفان
Twitter:@ola29x