فوينكينوس، مؤلف مسرحية "أفضل يوم على الاطلاق" (صدرت عن دار نشر فلاماريون الفرنسية في 2021 في حوالي 240 صفحة)، روائي وكاتب سيناريو ومؤلف موسيقي صدر له ثلاث عشرة رواية تُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة. حصل فوينكينوس على كل من جائزة رينودو الأدبية وجائزة جونكور لطلبة المدارس الثانوية في 2014 عن روايته شارلوت.
تدور أحداث المسرحية حول عائلة صغيرة يمكن وصفها بأنها عائلة سعيدة. بعد سويعات قليلة من ولادة ابنهما، يخبر بيير زوجته ناتالي أنه وجه دعوة لأفضل صديق له على الاطلاق لرؤية ابنهما. بدت هذه الدعوة في نظر الزوجة غير منطقية خاصة وأن ذلك الصديق قرر تلبية الدعوة والمجيء مع خطيبته صوفي. ستتحول الزيارة إلى منازعات في قالب فكاهي قبل أن تنقلب حياة جميع الشخصيات رأساً على عقب وتنعكس المشادات الكلامية على الحياة الخاصة لكل منهم. استطاع مؤلف المسرحية دافيد فوينكينوس أن يعبر عن عالم الحياة الزوجية المليء بالخيال والمتعة والرومانسية ولكنه عالم لا يخلو من الطابع الفكاهي.
نُقدّم إلى القارئ من خلال هذا المقال ترجمتنا العربية للمشهد الأول والثاني والثالث من المسرحية. تنقسم خشبة المسرح إلى قسمين: ممر واسع إلى حد كبير من جهة اليسار، وغرفة النوم من جهة اليمين، ووفقا للمَشاهد يمكن أن نجعل احدى جهات المسرح غارقة في ظلام دامس.
المشهد الأول
في إحدى غرف المستشفى، ترقد المرأة التي أنجبت للتو، تم وضع سرير الطفل المولود إلى جوارها، يدخل رجل فينظر إلى ابنه لبرهة من الزمن وينظر إلى زوجته ثم يجلس على حافة السرير.
بيير: أنا منهك القوى.
ناتالي لا تردّ.
بيير: أنا متعب فعلا.
بعد فترة وجيزة، ينظر إلى زوجته.
بيير: سامحيني يا حبيبتي، كيف حالك الآن؟
ناتالي: لا بأس، بخير، أنا بخير.
بيير: نعم، من حسن الحظ أن كل شيء يسير على ما يرام، لكنني أكاد لا أصدق ذلك.
ناتالي: أحقًا؟ لماذا؟
بيير: لا أستطيع أن أشرح لك، رسخ في ذهني انطباع أن هذا الطفل لن يولد أبدا، لا أعرف السبب، منذ متى وانتِ حامل؟
ناتالي: منذ تسعة أشهر.
بيير: أهي تسعة أشهر فعلا؟ تبدو لي هذه المدة كأنها دهر من الزمن.
ناتالي، بعد فترة صمت قصيرة: أأنتَ على ما يرام حقا؟ يبدو لي أنك غريب الأطوار الى حد بعيد.
بيير: بالطبع، هذا أفضل يوم في حياتي على الاطلاق، أكاد لا أصدق ذلك، أصبحتُ أبا.
ناتالي: أذكّرك لدينا بالفعل طفلان.
بيير: نعم، لدينا بنتان، لكن الأمر مختلف، أنظري هناك، إنه ولد ذكر.
ناتالي: ليس من المعقول أن تقول ذلك.
بيير: نعم، أعتذر لكِ، أنتِ على صواب، لا أعرف لماذا قلتُ ذلك، لا أشعر أنني بصحة جيدة، لدي ما يشبه الانقباضات المعوية.
ناتالي: أتريد أن أنادي الممرضة؟
بيير: ربما، نعم، سيكون ذلك أفضل.
تضغط ناتالي على الزر.
ناتالي: ستأتي حالا، أأنت بخير الآن؟ هل تشعر بألم في مكان ما؟
بيير: لا، أشعر فقط بدوار في رأسي وبغثيان، لا أعرف ما الذي أصابني، لم يكن ليحدث لي هذا لو كن بنات، كأنني أشعر فجأة بشيء يضغط على رأسي.
ينهض وينظر إلى ابنه.
بيير: انظري، انظري الى هذا الفتى، انظري.
ناتالي: ماذا تقصد؟
بيير: لن يمر وقت طويل حتى ألعب معه كرة المضرب.
ناتالي: وماذا بعد؟
بيير: ليس لدي نية أن أخسر المباراة، هذا كل ما في الأمر، بالتأكيد يوما ما سيفوز علي.
ناتالي: لا بأس، ألديك متسع من الوقت، لقد وُلد للتو.
تدخل الممرضة عليهما، يبدو أنها شابة وجميلة.
الممرضة: هل اتصلتِ بي؟
ناتالي: نعم، من أجل زوجي، يشعر بألم.
ينظر بيير إلى الممرضة ثم يتوجه بالحديث إلى زوجته.
بيير: حسنا، لماذا تقولين هذا الكلام؟ أنا بحالة جيدة جدا.
ناتالي: لكن منذ دقيقتين فقط كنت تقول ...
بيير: لم أقل شيئا على الإطلاق، كنت أقول أنني فخور بكِ.
الممرضة: حسنا، بما أن كل شيء على ما يرام، إذن سأترككم.
تخرج الممرضة.
ناتالي: يبدو أنك مجنون فعلا.
بيير: اسمعيني، لا أشعر بألم كل يوم.
يتوقف عن الكلام ثم ينظر إلى زوجته.
ناتالي: وماذا أيضا؟
بيير: لا شيء، أنتِ على صواب، أصابني الجنون، أنا مجنون بكِ.
ناتالي: أهذا صحيح؟
بيير: يتحمس فجأة: نعم، هذا صحيح، أصابني الجنون لأنني لا أتحدث إلا عن نفسي، سأعتني بك جيدا، كيف حالك يا حبيبتي؟
ناتالي: لا بأس.
بيير: هل أنتِ بحاجة إلى شيء ما؟
ناتالي: لا، أشكرك.
بيير: هل ترغبين في أن أقرأ لك الجريدة؟ إذا كنت تحتاجين إلى شيء ما، فلا تترددي وأخبريني على الفور.
ناتالي: تبدو مبتسمة، اتفقنا.
بيير: انتظري، سأحضر لك كوبا من الماء.
يبحث عن كوب ماء.
بيير: تفضلي، اشربي هذا الماء، سيجعلكِ أفضل بكثير.
تشرب ناتالي الماء بينما بيير يحدّق النظر اليها.
ناتالي: حسنا، أنا بخير، هذه الولادة كانت إلى حد بعيد أسهل حالة ولادة مررت بها من بين الحالات الثلاثة.
بيير: أنه ابني فعلا، أنه يعرف كيف يجعل حياة النساء سهلة.
ينهض وينظر إلى ابنه.
بيير: إنه... نعم ... إنه ...
يتوقف بيير عن الكلام.
ناتالي: وماذا بعد؟
بيير، يبدو عليه الارتباك: أنا أنظر اليه، أحدّق النظر إليه بشكل جيد، سيكبر وينافسني، سيفوز بالمجموعة الأولى 6-4، أتصدقين ما أقول؟
تضحك ناتالي، يقترب منها بيير.
ناتالي: أعتقد أنني بحاجة للاسترخاء.
بيير: لا، ليس الآن.
ناتالي: لماذا؟
بيير: لأنني طلبت من ميشيل أن يمر علينا.
ناتالي: ماذا تقول؟
بيير: نعم، إنه أفضل أصدقائي، وأريد أن أُعرّفه بابني.
ناتالي: لكن ألا يمكن له أن ينتظر، كان عليك أن تسألني أولا؟ غير لطيف على الاطلاق ما تفعله.
بيير: من فضلك لا تغتمي بها الأمر.
ناتالي: على العكس تماما، أنا مغتمة جدا، ولا أريد أن أراه، أنت تعلم جيدا أنني بحاجة إلى الراحة في هذه الأوقات، كما أنني طلبت من والدتي أن تأتي لزيارتي غدا، وأنت تدعو ميشيل للمجيء إلى هنا الآن.
بيير: لكنه ميشيل.
ناتالي: سواء كان ميشيل أو غير ميشيل، أعتقد أنك تسيء معاملتي.
بيير: لا داعي لأن تغتّمي يا حبيبتي، هو يعلم تماما أنكِ متعبة، سيستغرق الأمر منه خمس دقائق فقط.
ناتالي: أتذكر آخر مرة قلت لي فيها هذا الكلام، ومع ذلك فقد مكث عندنا مدة عامين.
بيير: من فضلك، لا تلومني على ذلك الأمر.
ناتالي: أنا لا ألومك نهائيا، أنا فقط أحاول إنعاش ذاكرتك وأقول بأن صديقك المفضّل ليس من ذلك النوع الذي يمكنه أن يقضي وقتا قصيرا عندنا، أو شيئا من هذا القبيل.
بيير: أيكون من قبيل المصادفة أن تعتبرينه عالة علينا؟
ناتالي: أنتَ الذي تقول هذه الكلمة.
بيير: على أية حال، لقد تغيرت الأوضاع الآن، لقد أفضى به الحب إلى الجنون.
ناتالي: وماذا بعد؟ ما الذي سيتغير؟
بيير: سيتغير كل شيء، لم يعد وحيدا في هذا العالَم، لن يتشبث بنا بعد ذلك كما تتشبث المحارة بصخرة.
ناتالي: بالمناسبة مَن هي زوجته؟
بيير: لا أعرف، سنلتقي بها حالا.
ناتالي: حسنا، أتأتي هي أيضا معه؟ فعلا أنت ثقيل الظل يا بيير، كان عليك أن تدعوهما لتناول العشاء في غرفة المستشفى طالما أنت هنا.
بيير: سامحيني، لكنني لا أستطع أن أمنعه من ذلك، فبمجرد أن وُلد جازون، اتصلت به، أردت فقط أن أخبره بذلك، ألا تعلمين أنه أفضل أصدقائي، لقد أجهش بالبكاء، أتصدقين ذلك؟
ناتالي: هل بكى ميشيل؟ هل ميشيل الذي أعرفه هو الذي يبكي؟
بيير: نعم، هذا صحيح، لقد تفاجأت مثلك تماما.
يلتفت بيير إلى ابنه من أجل انهاء هذا الحديث.
بيير: هل تسمعين صوت ابننا جازون؟ ها أنت قد وُلِدت ولهذا يبكي الناس فرحا لقدومك.
ناتالي: كان من المقرر أن يولَد غدًا.
بيير: ومع ذلك فمن النادر أن يتأثر بأي شيء، خلال صداقتنا التي استمرت لعشر سنوات، لم أشاهده يبكي إلا مرة واحدة في ليلة رأس السنة عام 2005، لقد كان يبكي بين ذراعي.
ناتالي: كان فاقدا للوعي، هذا كل ما في الأمر.
بيير: لا، كان يقول: أشعر بالمرض لانتهاء عام 2004، لقد أحببت عام 2004 كثيرا، كان يبدو عليه التأثر.
ناتالي: كان فاقدا للوعي في حقيقة الأمر.
بيير: وماذا بعد، ألا يمكن لنا أن نفقد الوعي وأن نتأثر بما حولنا في نفس الوقت، كوني واثقة في كلامي، أشعر بشيء ما في صوته، على أية حال، أنت تعرفينه يا حبيبتي، من النادر جدا أن تكوين انطباع عنه حتى ولو كان بسيطا.
ناتالي: نعم، بالتأكيد.
بيير: لقد تأثرت بما حدث.
ناتالي: لكن مهما يكن، انني على يقين أنك لا تفهم شيئا.
بيير: ماذا تقولين؟
ناتالي: الأمر يتعلق بحالة ولادة، أنا منهكة القوى.
بيير: لكنك تقولين أنكِ بخير وأن كل شيء يسير على ما يرام.
ناتالي: بالضبط، أريد أن استمتع بوقتي، أريد أن أكون بمفردي أو معك أو مع جازون.
بيير: خمس دقائق فقط لا أكثر، أعدك، لدي فكرة أخرى سأعرضها الآن، حاولي أن تتظاهري بالنوم، لن نُصدر أي ضوضاء، وبعد أن يشاهدا الطفل، سيفهمان أنه من الأفضل لهما مغادرة المكان، أليس هذا جيدا يا حبيبتي، أليس كذلك؟ اذن نفعل هكذا؟
لم تقل ناتالي أي شيء.
بيير: إنني أحبك، وأنتِ تعلمين ذلك، أنا سعيد جدا للرأي الذي توصلنا إليه، نحن عائلة كبيرة ولطيفة، لا شيء يمكن أن يحدث لنا.
أصبحت ناتالي فجأة ليّنة الجانب، أما بيير فقد أصبح غريب الأطوار، لكنه مع ذلك يبدو وسيما جدا.
المشهد الثاني
يقف ميشيل وصوفي أمام غرفة ناتالي، ملابس ميشيل غير رسمية، هو من الرجال الذين يرتدون سروالا رجاليا قصيرا وقمصانا مزهّرة، كما أن زوجته أيضا ترتدي ملابس صيفية، يبدو أنهما زوجان أتوا لقضاء إجازة.
ميشيل: حسنا، هذه هي الغرفة إذن.
ميشيل على وشك أن يفتح الباب.
صوفي: انتظر.
ميشيل: لماذا؟
صوفي: لا أعرف، هذا الأمر يخيفني.
ميشيل: من أي شيء تخافين؟ أتخافين لرؤيتي وأنا أفتح هذا الباب؟
صوفي: توقف، أنا لا أمزح، قلت لك أن هذا الأمر يخيفني.
ميشيل: وأنا أسألِك، من أي شيء تخافين؟
صوفي: أخاف من رؤية المولود.
ميشيل: تقولين من أي شيء تخافين؟ هل سيعضك بأسنانه؟ كيف يبدو إذا هذا المولود؟
صوفي: أتعرف ما الذي أرغب فيه أحيانا؟
ميشيل: ماذا؟
صوفي: أود أن تستمع إلي، أريد منك أن تحترم الأوقات التي أحاول فيها التعبير عن مخاوفي.
ميشيل، يتنهد بصوت مسموع ويقول ما هذا الهراء.
صوفي: ماذا تقول؟
ميشيل: لا شيء، أنا أستمع إليك. عبّري عن مشاعرك، لكن بسرعة لأنهم ينتظروننا، حاولي أن تقتصدي في التعبير عن مخاوفك.
صوفي: نعم، حسنا، لكنني لست على يقين، إنه فقط مجرد شعور ينتابني، شيء ما يجعلني كالعاجزة.
ميشيل: حسنا، سأذهب بمفري إذا كنت تريدين ذلك، إذا راق هذا الأمر لكِ، يمكننا أن نفعل ذلك.
صوفي: لا لا، بكل تأكيد، عندما ينتابني الشعور بالقلق، أجدني راغبة في مقاومة هذه المشاعر سويا، هذا هو المقصد من الحب، أنا هنا من أجلك أنتَ، بالمقابل وجودك هنا يجب أن يكون من أجلي.
ميشيل، يردّ عليها بشكل عدواني: ألا تعتقدين أنك اخترت الوقت غير المناسب لتعبري عن مشاعرك بهذا الشكل السيئ؟
صوفي لا تردّ وتقطّب جبينها.
ميشيل، يحاول أن يطمئنها، سامحيني يا صغيرتي الجميلة، هيا احكي لي كل شيء.
صوفي: أنا خائفة فقط، أنا لم أشاهد مولودا في حياتي على الاطلاق.
ميشيل: أحقًا ما تقولين؟
صوفي: نعم، إنه حديث الولادة، وأنا لم أشاهد مولودا حديث الولادة أبدا، هذه هي أول مرة.
ميشيل: نعم، ليس لدي أدنى شك في أنك إذا لم تكوني شاهدت مولودا حديث الولادة من قبل، فهذا يعني أن هذه المرة هي الأولى بالنسبة لك.
صوفي: يا ميشيل،
ميشيل: أريد أن أستمع إليك بكل تأكيد، لكن تجنبي تكرار نفس الكلام مرة أخرى، تعلمين أنني لا أحب النساء الثرثارات، أنت تعرفين ذلك جيدا، أليس كذلك؟
صوفي على وشك أن تجهش بالبكاء، ميشيل يقترب منها.
ميشيل: سامحيني يا صغيرتي. أنا هنا، الى جوارك، أستمع اليك.
صوفي: لا أعرف لماذا كل هذه المخاوف، أخشى أن أتعرض لصدمة نفسية، وأخشى أن أجد هذا الطفل قبيحا، كما أن هذا الأمر قد يجعل بعض الأفكار السيئة حبيسة في رأسي، خاصة إذا تولّدت لدي الرغبة في أن أنجب طفلًا يوما ما.
ميشيل: نعم، أهكذا تفكرين، أنتِ مدركة لما تقولين، أعتقد أن مشكلتكِ تكمن أساسًا في أنك شديدة الذكاء.
صوفي: يبدو أنها معجبة بهذا الاطراء: أحقًا ما تقول؟ أتعتقد أني كذلك؟
ميشيل: بكل تأكيد، يجب أن تطلقي العنان لأفكارك، يجب أن تستمتعي بالحياة.
يقترب منها ويربت على كتفها، في هذه الأثناء تمر الممرضة.
الممرضة: هل يمكنني مساعدتكما؟
ميشيل ينظر إليها، يبدو أنها لفتت انتباهه.
ميشيل: أتريدين تقديم يد العون لنا؟
ممرضة: نعم.
ميشيل: ماذا بالضبط؟ أقصد.
ممرضة: ربما كنتما تبحثان عن غرفة ما؟
ميشيل: نعم، حسنا، إنها فكرة جيدة.
يحدق ميشيل النظر إليها، تكاد تفقد صبرها.
الممرضة: مَن الذي ستزورانه؟
ميشيل: نعم، مَن الذي سنزوره؟ نعم، نعم، سنقوم بزيارة.
صوفي: نحن هنا من أجل زيارة أصدقاء، ونتحدث قليلا قبل الدخول إلى غرفتهم.
الممرضة: نعم هذا جيد جدا.
ما أن تغادر الممرضة حتى يتبعها ميشيل بنظراته.
صوفي: حسنا، هذا يكفي.
ميشيل: ماذا؟
صوفي: ما الذي تطلبه مني؟ ما الذي يدور في رأسك؟
ميشيل: ماذا، أتسألين عن رأسي؟ ما الذي يدور فيه؟
صوفي: رأيت بأم عيني أنك معجب بها، كان عليك أن تحسن التصرف أكثر من ذلك.
ميشيل: ماذا تقولين؟ أتتحدثين عن هذه الفتاة، أتقولين أنها تعجبني؟ ما الذي أصابك.
صوفي: ألم تعجبك هذه الفتاة؟
ميشيل: بكل تأكيد، لم تعجبني، هي ليست من ذلك النوع الذي يعجبني على الإطلاق. هذا كل ما في الأمر، فلو أنها لم تتحدث إلينا ما كنت حتى لأراها.
صوفي: حسنا، لا داعي لمزيد كلام.
ميشيل: لا يوجد لدي ما أضيفه، انها لم تعجبني، قلت لكِ، اكتشفت أنها ... (بعد فترة وجيزة) اكتشفت أنها ثرثارة.
صوفي: أهي ثرثارة؟
ميشيل: نعم، قالت هل تبحثان عن غرفة ثم قالت بعد ذلك "هل ستزوران شخصا ما؟ أريد أن أعرف رأيكِ فيها، بالنسبة اليّ أعتقد أنها ثرثارة إلى حد بعيد.
صوفي: حسنًا، انني أتفق معك.
ميشيل: لا، في حقيقة الأمر هي ليست من ذلك النوع من الفتيات اللاتي يُعجبنني نهائيا، على الأقل ... مساء يوم ما ... عندما كنت أشعر أنني بمفردي ...لا، لن أتحدث ... لكن حديثك عن هذا الأمر، لا يوجد شيء من هذا القبيل أبدا... لا، لم تلفت نظري كي أنتبها إليها وهي تمر ... فاذا ما مرت من هنا مرة أخرى فسيكون لمرورها نفس التأثير على ... أقصد نفس التأثير الذي لا أثر له على ...
صوفي: هل انتهيت من الكلام؟
ميشيل: استمعي الي، أنت تحيرينني بأسئلتكِ، وأيضا بسبب طريقة وقوفك في الردهة، انني منزعج لوقوفك هناك، هيا تعالي لندخل.
صوفي: انتظر قليلا من فضلك.
ميشيل: بكل تأكيد أنتِ لا تسهّلين الأمر علي، أتعتقدين أن هناك ما يدفعني لروية هذا الطفل الذي تنفر منه النفس وأيضا لضرورة إظهار الإعجاب الشديد به.
صوفي: أنتَ لست مضطرا لذلك، يمكنك أن تكون صادقا مع نفسك في التعبير عن مشاعرك إذا وجدته قبيح المنظر.
ميشيل: أعتقد أنه يمكننا فعل أي شيء في هذه الحياة عدا هذا الأمر، سأقول انه جميل، هذا كل شيء.
صوفي: يبدو أنك غير مكترث بالأمر، هذا ليس لطيفا على الاطلاق، ومع ذلك فهو لا يزال ابن صديقك المفضل.
ميشيل: نعم هو كذلك، لقد انتابني شعور قوي أنه كان متأثرا عندما اتصل بي، كما انتابني نفس هذا الشعور القوي بأنه سيكون مسرورا لزيارتي له الآن، لكن بصراحة، أنا لا أتفهم أبدا الغاية من الذهاب لرؤية الطفل المولود، ألم يسبق لكِ رؤية شيء غير مثير للاهتمام من قبل كرؤية هذا الطفل؟
صوفي: نعم، الفيلم السويدي.
ميشيل: إنكِ تتمتعين بخفة ظل ملحوظة الآن؟
صوفي: ربما يكون ذلك بسبب التوتر، أشعر بأنني مختلفة عما سبق، أشعر أن أمرا مهما للغاية سيحدث اليوم، كل شيء يمكن أن يحدث.
ميشيل: نعم، انه الرقم القياسي العالمي للبقاء في هذا الممر، هيا بنا تعالي، سندخل الآن يا عزيزتي.
صوفي: انتظر ثانية.
ميشيل: هل تريدين الانتظار حتى يكبر الطفل أم ماذا؟
صوفي: ألا تدرك أنني بحاجة إلى بعض الوقت، كما تعلم، ليس من المناسب على الاطلاق أن تذهب امرأة لرؤية امرأة أخرى أنجبت منذ وقت قليل، بكل تأكيد ستتساءل ... وهذا الأمر يجعلها تفكر في انطباعها عن مفهوم الأمومة ... (يبدو أنها تتلو شيئا ما تقريبا) ... من أجل إدخال السرور على نفسها... في الواقع، أن هذا الأمر يشبه إلى حد ما مفهوم تحوّل المشاعر أو الرغبات في العقل الباطن.
ينظر ميشيل إليها باستياء.
ميشيل: نعم، لا يستحق هذا الأمر تحوّل المشاعر أو الرغبات في العقل الباطن، من الضروري إذا أن تتوقفي عن قراءة مجلة علم النفس.
صوفي: اقتراحكّ هذا غير مقبول البتة.
ميشيل: سامحيني، هيا تعالي، من فضلك، سيجن جنوني.
ميشيل على وشك أن يطرق الباب، صوفي لا تزال تتشبث به.
صوفي: أحقا يسمونه جازون؟
ميشيل: نعم.
صوفي: هذا اسم سيء، يمكن ان يستخدم باللغة الإنجليزية. ولكن عندنا هنا اسم جازون غير مقبول، هذا الاسم سيء جدا.
يطرقان الباب ويدخلان الغرفة.
المشهد الثالث
يبدو أن ناتالي قد أخذتها غفوة، يُشير بيير إلى أصدقائه لينبههم إلى ضرورة عدم إحداث ضجيج، سيتحدثون في بداية المشهد بصوت خفيض جدًا.
يتجه بيير صوب صديقه، يسلم عليه بحرارة، يبدو أن ميشيل مذهولا من هذا الاستقبال.
بيير: نعم، أسعدني كثيرا وجودك هنا.
ميشيل: وأنا أيضا أسعدني ذلك يا صديقي العزير، أقدم لك صوفي.
يسلم بيير على صوفي.
ميشيل: إنها المرة الأولى التي ترى فيها صوفي طفلا مولودا.
بيير: أحقا أول مرة؟ انظري، إنه يشبه الملاك صغير.
يمشيان ببطء نحو سرير الطفل ويمعنان النظر فيه، لا يقولان أي شيء، يراقبهما بيير وينتظر رد أفعالهما.
بيير: وماذا بعد؟
ميشيل: حسنا؟
بيير: إذن؟ ما رأيكما فيه؟
ميشيل: إنه ... فعلا ... جميل جدًا.
صوفي: نعم، رائع جدا.
بيير: ينام منذ قليل، لو أتيتما قبل قليل، لكنتما رأيتماه وهو يبتسم، علما بأنه من النادر جدًا أن يبتسم الرضيع.
ميشيل: نعم، أعتقد أن ابنك هذا جميل جدا ولهذا فهو لا يبتسم مثلما يفعل الآخرون.
بيير: هذا صحيح.
صوفي: اسمه جازون، هذا الاسم جميل جدا جدا، يناسبه كثيرا.
بيير: أهذا صحيح، أتعتقدين ذلك؟ نعم هذا الاسم يسعدني.
صوفي: بالنسبة الى زوجتك، هل هي بخير؟
بيير: نعم، متعبة قليلا، لكن الأمر طبيعي.
صوفي: أعتقد أن جازون يشبهها.
بيير: حسنا، أتعتقدين ذلك؟
صوفي: نعم، يشبهان بعضهما البعض وهما نائمان.
صوفي تقترب من ناتالي، إنها تقترب أكثر فأكثر، يبدو أن هذا الأمر أزعج ناتالي عندما فتحت عينيها.
صوفي: آسفة، أنا أيقظتك، أعتذر لك.
ناتالي: لا، لا بأس، أستريح قليلاً، حسنا.
ميشيل: نعم يا عزيزي، يسرني رؤيتك، لقد قمت بعمل عظيم.
يسلم ميشيل على ناتالي.
ميشيل: أقدم لك صوفي.
صوفي: صباح الخير، أكرر أسفي للمرة الثانية، أهنئك، أنا أحب كثيرا اسم جازون.
ناتالي: شكرا.
ميشيل: ألم تكن الولادة مؤلمة؟
ناتالي: لا، سارت الأمور على ما يرام، أنا سعيدة لأنه وُلِد أخيرا.
صوفي: نعم، أعتقد أن هذا الأمر شبيه بالسِّر الذي نحتفظ به لفترة طويلة.
ناتالي: تقولين السر الذي نحتفظ به لفترة طويلة؟ نعم، يمكن أن يكون من هذا القبيل، هذا صحيح.
صوفي: أتصدقين، هذا هو أول وليدٍ أراه في حياتي.
تجلس صوفي على السرير.
صوفي: ذات مرة، كنت على وشك أن أرى رضيعا لصديقتي الصدوقة، لكننا اختلفنا عندما كانت حاملا، وكان سبب الخلاف شيئا تافها جدا، على أية حال يحدث هذا كثيرا بين الأصدقاء، فجأة تقول صوفي ها هو جازون، انه أول رضيع أراه، أشعر بالارتياح، هل أستطيع ان ابوح لك بسر؟
ناتالي: نعم.
صوفي: كنت أخشى أن أشعر بالاشمئزاز بسبب هذا الأمر، كما أنني كنت أتخوّف من رؤية امرأة بعد الولادة، هذا هو السرّ الذي كنت أود أن أقوله لكِ.
ميشيل يمسك صوفي من ذراعها: اسمعيني يا عزيزتي، لا يجب أن نرهقهما كثيرا، سنقدم لهما الهدايا ونغادر.
بيير: تقول هدايا؟ لا داعي.
ميشيل: نعم، تعجلنا بعض الشيء في هذا الأمر، ولأننا جئنا على الفور، فقد مررنا على أول متجر رأيناه.
تأخذ صوفي الحقيبة وتُخرج الهدية.
صوفي: هذا لجازون.
يفتح بيير الهدية.
ميشيل: قررنا أن نكون أول من يقدم هدية لجازون.
يندهش بيير عندما يكتشف أن الهدية عبارة عن مضرب تنس صغير.
بيير: لكن لماذا المضرب؟
ميشيل: قلت لكّ إنه أول متجر رأيناه.
تضحك ناتالي.
بيير: لا داعي للضحك.
ميشيل: ما الذي يحدث؟
بيتر: لا، لا شيء.
يقول ميشيل لناتالي: وهذه الهدية من أجلك يا عزيزتي كي لا تفرّطين في حق نفسك، الأصعب لم يأت بعد، لا بد من إنقاص الوزن الزائد.
صوفي: يجب أن أقول إنني كنت غير موافقة على هذه الهدية.
تفتح ناتالي الهدية.
ناتالي: ما هذا؟
ميشيل: هذا خاص بأصحاب الوزن الزائد.
ناتالي: هكذا أنت باستمرار، تبدو أنيقا بشكل خرافي، لم نلتق منذ وقت طويل، كما أن أخبارك انقطعت تماما منذ أن غادرت، متى غادرت؟ أعتقد قبل تسعة أشهر على الأقل، أليس كذلك؟
ميشيل، يبدو عليه الضيق بعض الشيء: نعم، كما تعلمين، منذ تسعة أشهر تقريبا.
بيير: أنت على عِلم بأنني أشعر بشوق شديد الى لقياك، كما أنني أستغرب لعدم رؤية أي شيء!
الأريكة.
ناتالي: على عكس ما أشعر به تماما، فتحت زجاجة شامبانيا يومك مغادرتك، ألا يمكن لك أن تتخيل الكمية التي شربناها تلك الليلة؟ في رأيي، ما أن حلّ المساء حتى شعرنا بأعراض تدل على وجود جازون.
بيير: نعم، يمكن أن يحدث هذا، من الصعب تحديد اليوم بالضبط، لكن قد يكون هذا الذي حدث فعلا، (ينظر إلى ميشيل) ألا يرجع الفضل اليك ولو حتى بنسبة ما؟
ميشيل: هذا صحيح، نعم.
صوفي: أحب إعادة حكي الحكايات بعد وقوعها، توقيت هذا الأمر يشبه تقريبا ما حدث عندما تقابلت مع ميشيل، أتذكّر كلامه عندما قال إنه يعيش مع أصدقاء له، أنتم أصدقاؤه إذا، مصادفة غريبة أن ألتقيكم هنا وجها لوجه، حتى الآن كنتم تمثلون لي نماذج لأشخاص حدثني عنهم ميشيل يوم أن تعرّفت عليه لأول مرة، هكذا هي الحياة غريبة جدا في تصوري، وأنت يا ناتالي أنتِ اذن المرأة التي أنجبت للتو طفلي الأول، أقصد أول مولود أراه في حياتي، ها أنا ذا أنظر اليك يا صاحبة الوجه البشوش، لا زلت متأثرة جدا بما حدث!
يبدو على صوت صوفي التأثّر الشديد.
إنني أتساءل ما إذا كان هذا اليوم بالنسبة لي هو أيضا أفضل يوم في حياتي على الاطلاق، على أي حال، كأن مشاعر الأمومة التي بداخلي تنتابني فجأة.
تلتفت إلى ميشيل.
عزيزي، ألا تريد أن ننجب طفلاً؟ أخبرني؟ ألا تريد؟ أضف إلى ذلك أن سيكون جيدًا وجود طفل في حياتنا، سيكون لديه صديق من نفس عمره تقريبا، سيكون صديقا لجازون، أخبرني، ألا ترغب في هذا الأمر؟
ميشيل: سنتحدث عن هذا الأمر في السيارة؟ لدينا وقت طويل حتى نصل إلى مدينة لوفالوا، هذه فرصة جيدة للتفكير في الأمر.
ناتالي: أنت تعرف صوفي جيدا، عليك أن تزن الأمور بإيجابياتها وسلبياتها، ستنعمون بحياة هادئة، لكنها لن تكون دائما سهلة.
صوفي: نعم، الشكوك تساورني، فعلا أنا لم أر طفلا مولودا، لكنني رأيت مراهقين مزعجين، أعرف الكثير منهم، أعلم جيدا أن جازون سيكون صبيا سخيفا وكثير الشكوى، علاوة على ذلك، ستظهر بثور حب الشباب على جسده، أعرف كل ذلك، لكني أشعر أن شيئا ما ردّ علي روحي، وهذا بسببكم أنتم.
ميشيل: تعالي لنسلم على الطفل المولود ثم نغادر!
الجميع يسلّمون على بعضهم البعض.
بيير: سأسير معكما إلى الخارج.
يخرج بيير وميشيل وصوفي، تظل ناتالي بمفردها في الغرفة وتنظر إلى ابنها.
** **
د. أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري