الثقافية - علي القحطاني:
متمرس على كتابة رويات الخيال العلمي منذ عام 2008م وحققت رواياته أرقاماً قياسية في المبيعات، شارك في مؤتمر الخيال العلمي الدولي المتزامن مع معرض الكتاب الدولي بجدة مؤخراً، «الثقافية» التقت بأحد أبرز رواد ومؤسسي الخيال العلمي في المملكة الذي شكل انطلاقته الأولى بمفهومه العصري الروائي خالد بن عبدالكريم الحقيل للحديث عن التعريف الدقيق للخيال العلمي وبداياته في كتابة روايات الخيال العلمي، وما هي رسالته للمهتمين بهذا المجال الأدبي الواعد؟ فإلى نص الحوار..
(مؤتمر الخيال العلمي)
شاركت في مؤتمر الخيال العلمي الدولي بجدة بصفتك مؤسساً رائداً من رواد الخيال العلمي بالمملكة بمفهومه العصري حيث كان بها حضور مميز من عشاق ذلك الأدب وشدنا ما ذكرتموه حول التفرقة بين الخيال العلمي وغيره من المسارات المشابهة حدثنا عن ذلك؟
- أشكر وزارة الثقافة ممثلة بمعالي وزير الثقافة وكافة الجهات المنظمة والمشاركين والجمهور المتذوق لهذا الفن الراقي من الأدب، وبالفعل يجب أن يفرق الروائي المحترف وكذلك القارئ المهتم بين الخيال العلمي وأعمال الفانتازيا وكذلك ما يسمى الرعب Horror فهناك مرتكزات ومبادئ لكل فن من هذه الفنون وكما ذكرت في الندوة يجب أن يحترم الكاتب قراءه ويصنف ما يكتب حسب الواقع والتصنيف الصحيح وليس حسب ما يعتقده هو، وألا يخلط الأمر على جمهوره فالخيال العلمي (Scince Fiction) علم بحد ذاته واضح ويجب أن ترتكز كتاباته على عدة أساسيات وهي / المستقبل حيث تدور الأحداث بالمستقبل القريب أو البعيد، والركيزة الثانية استقراء المستقبل وهو أن يتوقع المستقبل وكيف ستكون التكنولوجيا وشكل الحياة آنذاك، والركيزة الثالثة يجب أن يستند على الحقائق والكشوف العلمية والتكنولوجية وينطلق منها في سماء خيالاته، وغالباً يساهم هذا النوع من الأدب بإضافة قيمة مضافة بالرقي التكنولوجي والعلمي للحضارة حيث تتحول تلك الأفكار إلى اختراعات عالمية تفيد المجتمعات الإنسانية كما تم بميادين العلم والطب والفضاء وفوائد ابتكار أشعة الليزر، وهذه هي فروقها الجوهرية عن أعمال الفانتازيا Fantasy والتي غالباً تكون بالماضي أو الماضي البعيد جداً وهي تعتمد اعتماداً كلياً على الأساطير Mythical Creatures) ) والخرافات، وكذلك الجن والقوى الخارقة Supernatural- Powers) ) وأعمال السحر والشعوذة كما رأينا في هاري بوتر Harry Potter
بينما روايات أو أعمال أو كتابات الرعب Horror Writings هي نوع من الخيال الأدبي يهدف إلى بث مشاعر الخوف والهلع والرعب، وهي غالباً خيالية أو قد تنطوي على فانتازيا ببعض الأحيان لإضفاء جوٍّ من الرعب على المتلقي.
الجدير بالذكر وهذا بحالات خاصة يمكن أن يحتوي الخيال العلمي على جانب فانتازيا عندما يطعم بشخصيات أسطورية ولكن في إطار الزمني المستقبلي وسيغلب على مسمى تلك الروايات - الخيال العلمي -لكون الخيال العلمي يمتاز بنقطة لا توجد بغيره ألا وهي ابتكار اختراعات قد تفيد البشرية وهذا غير موجود بتلك الفنون الأدبية الأخرى مع أهميتها وتلهف الكثيرين على قراءتها أو مشاهدتها.
(البدايات)
* بداياتك لولوج هذا النوع من الأدب النادر؟ وما هي الروايات الأحب إلى قلبك وهل هناك أهداف أو رسالة تريد إيصالها خلال تلك السلسلة الخيالية؟
- البداية صعبة جداً حيث إنك عندما تكون بمجتمع محافظ جداً يجب أن تحترم سياسات ذلك المجتمع وغالباً أي مجتمع بل أي إنسان هو عدو ما يجهل، ولا يحبذ التغيير، وعملي حقيقة هو نقلة أدبية اختلفت تماماً عن أطروحات المجتمع آنذاك الذي يتميز بالروايات البوليسية والعاطفية والخيالية لكن هذا المجال كان خصباً و حاولت أن أقرع الجرس بصوت عال فأصدرت رواية «المنشق» ضمن سلسلة سعوديات للخيال العلمي بدايات 2008م علماً بأني ترددت عامين قبل إصدارها بسبب المراجعة الطويلة لها، فمسألة أنك تريد الخوض بهذا المضمار وشق هذا الطريق يجب أن تكون حذراً بألا تتجاوز أي معتقد ديني أو عقدي حيث كما تعلمون يزخر الخيال العلمي الغربي بالكثير من الاختراقات العقدية والخرافات الدينية وهذا ما كنت أخشاه حقيقة لذا استندت على الآية الكريمة بقوله تعالى (ويخلق مالا تعلمون ) لأستند عليها بالحديث عن المخلوقات الفضائية أو الجوفية في باطن الأرض أو غيرها مما تحدثت عنه بهذه السلسلة، لذا أكرر بأن الفرق لا يتجاوز الشعرة بين الخوض في خيال علمي راقٍ أو الخوض في انزلاقات دينية مما قد يؤثر سلباً على جمهور القراءة من شريحة الأطفال أو من بسن المراهقة.
فجميل أن تنظر لكل الجوانب قبل أن تخوض بمجال أدبي جديد حتى تكون مقبولاً ويقبل طرحك من كافة شرائح المجتمع.
وعموماً ولدت داخل أسرة أدبية فوالدي حفظه الله مؤرخ وأديب وجدي رحمه الله علامة وأديب ومؤرخ، والكثير من أقربائي وأبناء عمومة والدي أدباء ومؤرخون لذا كان المناخ مواتياً لانتهاج المجال الأدبي.
أما الشق الآخر من السؤال فهو أنني أعشق جميع رواياتي وأعتبرها جزءاً من كياني لكن أعتقد بأن روايتيَ»المنشق» و»الشبهاء» الأحب إلى قلبي، حيث كانت «المنشق» الصادرة عام 2008م والتي سبقتها بعامين مسودات كتابتها وكنت ما بين متردد وحازم بطرح مختلف عن أطروحات المجتمع الأدبي إلا أنه تم حسم ذلك 2008 م والتقدم لوزارة الإعلام حيث مسماها آنذاك للفسح وطلب الطباعة والنشر وتم ذلك بكل سهولة ولله الحمد.
من جهتها وكما أسلفت كانت «المنشق» مختلفة تماماً عن جيلها الأدبي حيث تحدثت عن غزو فضائي لكوكب الأرض وبالتحديد على المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض وهنا كان الهدف من الرواية، وهو إثبات للعالم بأن الخيال العلمي ليس حكراً على أحد وبأن الكائنات الفضائية –إن وجدت- فليست حصراً على هوليود أو بعض الدول بالغة التقدم، وأن إسقاطها على المملكة العربي السعودية كان لأهداف عديدة هذا أحدها، والآخر اعتمد على فكرة الرواية والتي تزامنت مع تزايد العمليات الإرهابية بالعالم أجمع آنذاك ما بين ال2000 و 2008 فكان مسمى الرواية «المنشق» دليلاً على أن الانشقاق دوماً عن الجماعة والتمرد يؤدي إلى مالا يحمد عقباه، لذا ف «المنَشق» هو مخلوق فضائي مميز في جماعته يدعى «م 1»، أعلن انشقاقه وتمرده على إمبراطور كوكبه ويدعي «الإمبراطور غور» وقصد الأرض لكي يسيطر عليها من خلال الغزو الفكري بالسيطرة على عقول سكانها من خلال تقنيات بالغة الدقة والتكنولوجيا التي وصلت إليها تلك الكائنات الفضائية، ولإتمام الحبكة القصصية وتقريبها إلى وعي القارئ وكسب ثقته بما يقرأ تم وضع رابط حيوي شرطا لقدرة «م 1» على استعمار تلك العقول البشرية إلا وهو ارتفاع نسبة الأدرينالين في الجسم نتيجة خوف أو قلق أو توتر مما يضعف مقاومة العقل والجسم تلك اللحظات ويجعلهما عرضة لاستعمار «م 1».
والهدف الآخر والأسمى من رواية» المنشق» هو رسم التضحية السعودية المقدمة من رجال الأمن ممثلة بوزارة الداخلية والأمن العام والاستخبارات وأحد أبرز ضباطهم «الملازم سامي» كمثالٍ للتضحية وحب الوطن، حيث تنازل عن الغالي والنفيس لكي يقارع «م 1» ولكي يحقق النصر لبلاده وللعالم أجمع.
الرواية الثانية القريبة لقلبي هي «الشُبهاء» وهي التي تمثل روايات الخيال العلمي خير تمثيل من استحضار العناصر الثلاثة الرئيسية بتكوين روايات خيال علمي رفيع والتي أشرت لها سابقاً وهي : الزمان وهو المستقبل والكشوف والأدوات التكنولوجية، والتوقعات وجميعها اكتملت في «الشبهاء» وكما أسلفنا هي تحكي عن أقوام «مخلوقات حية» تشبه البشر تماماً من حيث الشكل والأجسام والعقول وتفوقنا تكنولوجياً كبشر آلاف المرات بسبب بسيط أنهم لم يخوضوا أي حروب بينهم، حيث توصلوا لفرضية أن سكان الأرض لو لم يلوثوا الأرض بصناعاتهم البدائية ولم يخوضوا حروباً كارثية لانطلقت واستمرت سلسلة تقدم البشرية والابتكار لتصل إلى ما وصلت إليه تلك المخلوقات في جوف الأرض حيث يقطنون من ملايين السنين.
وفكرة الرواية تحكي أيضاً أن تلك المخلوقات بدأت تظهر عليها اعراض مرضية مخيفة وجديدة بسبب تلوث سطح الأرض ووصوله لباطنها، لذا ابتكرت تقنيات إشعاعية متطورة لكي يتم نقل خلاياهم للإنسان ونقل خلاياه إلى أجسادهم وتبادل المراكز حيث يصعدوا هم لسطح الأرض ويدخلوا الإنسان لجوف الأرض ليعيش بمركزهم السابق.
تمتلك تلك الكائنات الحية تكنولوجية متطورة وألعاباً إلكترونية متطورة لدرجة خوض تفاصيلها بشكل واقعي مخيف كما تعرض له أبطال الرواية علماً أنها أصدرت في بدايات 2010 م.
وهنا يبرز دور بطل تلك السلسلة وهو «فارس» وهو ابن لذلك المقدم «سامي» الذي ضحى بحياته لأجل بلده وكوكب الأرض .
كذلك تم تصميم أبطال للسلسلة وهم بالإضافة للبطل الرئيسي «فارس»
«نور» والده فارس.
«مارينا» زوجة البطل فارس
«اللواء فهد» جد فارس
«هشام» خال فارس
إذن هم عائلة واحدة امتهنت خوض مغامرات الخيال العلمي بدعم وإشراف من الجهات الأمنية العليا بالمملكة العربية السعودية.
وفيما يخص روايتي «فارس» فهي الانطلاقة الأولى لبطل وأبطال السلسلة لخوض غمار تجربة التصدي لمخلوقات بحرية حية فائقة التقدم، أما الرواية الرابعة «مهمة في بوشهر» فكانت استخباراتية سياسية جمعت بين الفريق للمخاطرة وإنقاذ ثلاثة علماء سعوديين من قلب طهران.
* ما هي الرسالة تود قولها للمهتمين بالخيال العلمي وكيفية صناعته؟
بداية يجب أن نعلم أن الدول بالغة التقدم حتماً نجد بها أعمال خيال علمي واسعة النطاق وشهيرة كما يتم بالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا وغيرها، فالنجاح والتقدم الأممي أضحى مرتبطاً بالابتكارات والاختراعات العالمية..
لذا أتوجه للهيئات والمؤسسات الثقافية بتبني صناعة الخيال العلمي الراقي وفتح مجالات التعاون بين مراكز الأبحاث العلمية بالجامعات والمعاهد ومراكز الابتكارات والاختراعات مع كتاب الخيال العلمي، لكي يستطيعوا الوقوف على الكشوف العلمية الحديثة عالمياً وكذلك عكس ما يكتبوه من أفكار قد تكون جنونية إلى أرض الواقع، وكذلك تدريس هذا النوع من الأدب بالمراحل الابتدائية لكونه يوسع نطاق أفق الطلاب وينمي خيالاتهم، وبدون هذا الدعم لن نرى صناعة خيال علمي تنتج تكنولوجيا حقيقية بالوطن العربي.
كل الشكر والتقدير للكاتب الروائي المتميز بكتابات الخيال العلمي ونود الإشارة إلى أنه الجدير بالذكر أن تلك الروايات وما ورد بها من أفكار مميزة وخيال جامح ينافس أشهر الأفلام والمسلسلات العالمية بالخيال العلمي قد دوَنت قبل بدء موجة تلك المسلسلات والشبكات الإعلامية العالمية الداعمة لها بفترة طويلة كتوسع شبكة NETFLIX بإنتاج الخيال العلمي بصورة بارزة بدءاً من 2017م وغيرها ومن شبكات الإنتاج العالمية التي انتشرت الستة والسبعة أعوام الأخيرة، وهذا يعيد إلى الأذهان السؤال التالي وهو ما الذي ينبغي عمله محلياً لحماية هذا الفن الأدبي النادر ونشره عالمياً وإبلاغ العالم أجمع أن المملكة العربية السعودية قادرة تماماً على مقارعة الخيال العلمي عالمياً ودحض خرافة أنه فن محتكر عالمياً لدول عن دول أو لعقول دون عقول.
ناهيك أن الخيال العلمي هو ركيزة بناء الحضارات ذات التكنولوجيا المتقدمة علمياً وصحياً وعسكرياً وتقنياً واقتصادياً وهو وسيلة استقراء المستقبل العلمي.
فضلاً عن أن رؤية قائد وعراب الرؤية 2030 صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- قد فتحت المجال وضخت كافة موارد ووسائل الدعم فيما يتعلق بتنمية الموارد البشرية وتنمية الثقافة ورفع مستوياتها لتواكب التقدم الهائل الذي نعيشه ببلادنا العزيزة، لذا فلا مجال للتأخر عن الركب مطلقاً.
** **
@ali_s_alq