عازف الصمت عبد العزيز حمد الجطيلي
دخلت قاعة الامتحان
كانت المادة تعبيرا....
وكان السؤال عبر عن أجمل ما في أعماقك...؟
فكتبت كلمة واحدة!
عبرت عن أجمل ذكرى
وعن أجمل لقاء
وعن أعمق ألفة
وعن أصعب فراق
وعن أقسى حنين
وعن أغزر ملهم
فكان الجواب أنني كتبت في الورقة الأولى اسمها...!
وفي الورقة الثانية أجبت على السؤال بالرسم!
رسمت وجه امرأة حسناء
رسمت شفتيها وإذ بها تغني الحنان بلا وتر وبلا كلام!
رسمت يدها ممسكة بقلم وورقة بيضاء وقد كتبت اسمي في أول الورقة وآخرها وما بينهما فضاء.... فضاء!
كأنما حروف اسمي تبعثرت في سفح جبل أوراقها!
ورسمت عينييها والنظرات تتدلى من كسل الأجفان والكحل سال منها ممتزجا بالدموع!
الأستاذ «الملاحظ» في القاعة يقف على رأسي ينظر إلى رسمتي ويبتسم!
ويقول تبقى من وقت الاختبار نصف ساعة... يابني الاختبار في مادة التعبير ليس في مادة الرسم!
قلت له أعرف...أنا الآن أجيب!
ابتعد الأستاذ عني.... نظرت إلى ساعتي تسألت...
كيف لي بنصف ساعة أن أرسم إنسانا أحببته وألفته أيامًا وأعوامًا!؟
انتهيت من رسم وجهها واقتربت من مسمعها المرسوم وعطرتها بأعذب الهمسات!
وهمست لها» حبيبتي لقد نجحت أن ألقاك هنا.... على منضدة الاختبار ألقى نظراتي في عينيك وتتسلق نظراتك لتسترخي على سرير بين الحواجب والجفون«
وقت الامتحان أشرف على النهاية....
كل الطلبة سلموا أوراق الإجابة.... وبقيت وحيدًا!
الأستاذ الملاحظ... مر بي
قال تبقى خمس دقائق ونسحب ورقتك!
وفي الدقيقة الأخيرة المعلم ينظر الى ورقتي فضحك وقال أنت كتبت في ثلاث أوراق ورقمتها
(1ـ3 و2ـ3 و3ـ3)
قلت له أستاذي الكريم
الورقة الأولى أجبت فيها بالحروف
الورقة الثانية أجبت فيها بالرسم
فقال أستاذي فهمت يا فليسوف التعبير ولكن
لم الورقة الثالثة فارغة؟
قلت له هي أكثر الأوراق التي عبرت فيها!
قال الأستاذ كيف يابني وهي ورقة بيضاء؟
قلت له أستاذي إني كتبتها بصمت والصمت لغة بلا حروف!
أخذ الأستاذ الورقة وجلست ينظر في الوجه المرسوم وقال جميلة حبيبتك كأنها حين تعانقت شفتيها بالصمت
استنجدت الأعماق فصرخت عيناها بالبوح والدموع!
وضعت يدي على الصورة كي أخفي وجهها......!
فضحك المعلم تغار عليها يا ولدي من أستاذك!
بل أغار عليها من نسائم الأصيل ومن ضوء طفولة الشمس!
نظر إلى أستاذي وأوراق الإجابة بيده قال هل تتوقع أن معلمك في التعبير حين يصحح ورقتك سيعطيك درجة النجاح في هذا الاختبار؟
قلت له لست أدري...!
ليت الذي يصحح ورقتي هو العاشق قيس...لفهم التعبير عن الجمال بالقلم والريشة والصمت!
قبلت رأس المعلم وغادرت قاعة الامتحان!
ربما أنا نجحت
ربما أنا رسبت
ربما أنا خارج جامعة الحب والحياة
لا أنا راسب ولا أنا ناجح
ربما أنا لا شيء
إن كانت درجة الامتحان صفر
فإن درجة البرودة في هامش الحياة تحت الصفر
***صفر الوداع
السراب يرسم الماء...!
** **
عبد العزيز حمد الجطيلي - عنيزة
ayamcan@hotmail.com ** ** twitter: @aljetaily