في اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) يحتفل العالم العربي بلغتهم الأصيلة كيوم عالمي للغة العربية قُرر من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). ومما لاشك فيه أن اللغة العربية لها خصيصتها دون سائر اللغات من حيث المحافظة على أصولها وشكلها اللغوي الأولي تحدثاً وبلاغةً؛ بإسهام مباشر من ارتباطها الديني والأدبي الثقافي. فلا زال العديد من العرب يستطيعون التحدث باللغة العربية الفصحى المتكلم بها قبل مئات السنين أو على الأقل فهم من يتحدث بها، وإن كانوا لا يستخدمونها في الغالب ويتحدثون باللهجات المحلية. ينبغي أن تكون هذه الخصيصة دافع لإبقاء اللغة - وظيفياً - حيّة وحاضرة في جميع مناحي الثقافة والعلوم الحديثة، ولا تحصر فقط في الأدب العربي والدراسات الشرعية.
ولكي تتحقق هذه الغاية العظيمة في إبقاء اللغة العربية حاضرة وحيوية في العلم التطبيقي والمعرفة الحديثة، يجب - برأيي - التركيز على اتجاهين رئيسيين. الأول، هو حركة الترجمة من العلوم الحديثة المكتوبة بلغات غير عربية والتي تستحوذ اللغة الإنجليزية على نصيب الأسد منها إلى اللغة العربية. وذلك من خلال انشاء أو تعزيز دور مراكز الترجمة على المستوى الوطني في الدول العربية وفي جامعاتها المختلفة. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه التعليم وتعريب المناهج في العلوم الحديثة، وهنا نتكلم عن اتجاهيين فرعيين:
1) التخصصات التي يمكن تعريبها و تأصيل ونشر تخصصات جديدة نابعة من الثقافة العربية أو من مجهودات مراكز البحث في الوطن العربي، و2) انشاء قواعد معلومات لفهرسة الدراسات العربية مع الأجنبية على غرار سكوبس (Scopus) والفهرسة العلمية الدولية المعروفة اختصاراً بـ(ISI).
إن تعريب بعض التخصصات مع الحرص على اكتساب الطالب للمهارة اللغوية للغة التخصص العالمية (مثل اللغة الإنجليزية) يجعل الطلاب يتقنون التخصص بلغتهم الأم مع إمكانية نهلهم لأي معرفة جديدة في هذا التخصص تكتب باللغة الأخرى، ولمراكز الترجمة في هذا دور كبير في تغطية أية فجوات تحدثها مثل هذه الطريقة.
كما أن انشاء قاعدة بيانات عالمية ذات تركيز خاص على المجلات المحكمة باللغة العربية يساعد في نشر المعرفة وتعزيز تصنيف الجامعات العربية والتي لديها جزء كبير من الانتاج العلمي ذي العلاقة بالتخصصات الشرعية والأدبية والاجتماعية غير مصنف في قواعد البيانات الأجنبية.
إن الاهتمام بحيوية اللغة - أي لغة - ينبُع كمسؤولية عامة تتولاها وتدعمها المؤسسات العامة والمتخصصة في الدول المعنية. فالتعويل على الافراد أو حتى المشاريع الصغيرة الفردية غير المرتبطة باستراتيجية واضحة لا تجدي نفعاً ملموساً في هذا الجانب. واللغة ليست أداة تواصل فقط، ولكنها وعاء حفظ وإثراء ثقافي وعلمي وتطبيقي للمتخصصين وأصحاب القرار في مختلف المستويات الإدارية والمجالات الحياتية. ولعل في الاتجاهات سابقة الذكر فرصة عملية لتحقيق رجاء وتوسل اللغة العربية بلسان شاعرها الكبير حافظ إبراهيم عندما قال بعد أن وصف حال اللغة العربية مع أبنائها:
إلى معشر الكتاب والجمعُ حافل
بسطت رجائي بَعدَ بسطِ شكاتي
** **
- د. عبدالهادي عبدالكريم الرويثي