أثناء إعداد كتاب: (معجم أسر الرس)
كان معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي وسعادة الدكتور محمد بن عبدالله بن صالح -رحمهما الله- عينان في رأس وتاجان فوق الرأس.
قال تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «.... ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه».
ومن نعم الله تعالى على الإنسان أنه كلما طال عمره زادت خبراته وتجاربه.
يقول أحد العقلاء: «إياك أن تصدق أنك كبرت في السن ما جسدك إلا وعاء تضع فيه روحك والروح لا تشيب ولا تشيخ».
والشاهد أن معالي الشيخ محمد العبودي الذي ولد عام 1345هـ. وسعادة الدكتور محمد بن صالح الذي ولد عام 1368هـ -رحمهما الله- وبعد أن هرول الأول نحو التسعين والثاني نحو السبعين وكفرسي رهان أقدما بنية صادقة وهمة عالية - وأحسبهما لا يعرفان الملل ولا الكلل وتعاونا بإعداد كتاب «معجم أسر الرس» وذلك بسنوات معدودة قبل وفاتهما. ومع أن الكمال لله وحده إلا أن هذا المعجم به مفيد وجديد، ويعتبر فخرا للوطن وذخراً للمواطن. وقد ورد في الحديث: «خير الناس أنفعهم للناس» ورداً للجميل فإنه يجب علينا ألا ننسى الأموات من الدعاء وعلى الأحياء أن يبادروا بالإقدام والاقتداء.
وفي كتاب: « معجم أسر الرس» ماذا قدم هذان الرجلان؟ وما الذي أقدما عليه في وقت معدود وجهد غير محدود؟!
وهكذا تكون همم الرجال.
أولاً: معالي الشيخ محمد العبودي هامة وهمة:
يقول الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-:
فكن رجلاً رجله في الثرى
وهامة همته في الثريا
والشيخ العبودي -رحمه الله- ومن واقع رحلاته وتعدد مؤلفاته وطلاقة أحاديثه يعتبر عميداً للمؤلفين السعوديين - هو الابن البار لمحافظات القصيم وفي معاجمه عن بريدة وعنيزة والرس - وأحسبه- أنه بذل جهوداً لا تبارى وتم ذلك في آخر عمره.
وفي عام 1433هـ تواصلت معه أثناء إعداده - معجم أسر الرس - وفي البداية ومع قلة التعاون وقفل الأبواب إلا أنه كان متفائلاً وباحثاً عن الجديد والمفيد. وأمام الصبر ذكر في البداية بأن المعجم عن مدينة الرس سيكون فقط مجلدين كبيرين وبعون من الله وتوفيقه كنت همزة وصل وحلقة تعارف بينه وبين الدكتور محمد بن صالح ومعاً تسلقا قمم الجبال، وقاما بعمل يفوق الخيال ولا يقدم عليه إلا نوادر الرجال، وأثنى على الدكتور محمد بن صالح خيراً من واقع اتصاله على أسر الرس وإقناعهم، ونتج عن هذا مادة كبيرة واكتفى العبودي بسبعة عشر مجلداً.
ثانياً: سعادة الدكتور محمد بن صالح إرادة وريادة:
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
من لي بمثل سيرك المدلل
تمشي رويداً وتجي في الأول
والدكتور محمد بن صالح - رحمه الله - ماذا قدم لوطنه وأمته؟ وأي رجل كان؟!
1/ بيني وبين أبي عبدالله أربع سنوات، وكنا متجاورين في الحي بمدينة الرس، وكان رفيق طفولة ثم صديق رجولة.
2/ كان بين والدي ووالده علاقة إيمانية وجمع بينهما الإحساس ونفع الناس والبعد عن أعراض الناس، ومن شابه أبَهُ فما ظلم.
3/ منذ صغره تميز بالذكاء ومظهره يدل على مخبره، وكان يختلف عن أقرانه من واقع غترته التي يلبسها فوق رأسه وبطريقة فنية وجميلة.
4/ ومن صفاته النادرة الفصاحة والصراحة والشجاعة والريادة مع كثرة الحركة وحصول البركة.
5/ معاً - أحسب- أنه تميز بالاهتمام والإقدام، ففي المدرسة السعودية الابتدائية بالرس تميز بالذكاء، ولما كان عميداً لكلية الهندسة بالرياض ولمدة عشر سنوات أبدع في الإدارة والعطاء، وبدون كلل ولا ملل، لم يقعد بعد التقاعد، ومارس هوايته وتخصصه في عمل حر وبشراكة مع بعض زملائه.
6/ عندما أبلغته عن إعداد معجم الرس أبدى فرحه، وفي ليلة لا تنسى ذهبت أنا وإياه لفضيلة الشيخ العبودي وتعرف عليه وفوراً قرع القلوب والأبواب المغلقة بالرياض والرس وتحصل على مادة لا تحصى من أسر الرس، وكان رنين الجوال بيني وبينه لا يتوقف حتى طلع المعجم كالبدر.
7/ ومسك الختام وأثناء إعداد كتاب: «والدي قاضي ثريبان الشيخ منصور بن صالح الضلعان» - رحمه الله - أبدى فرحته وشد عضدي بتواصله وتشجيعه وأمدني بكتاب عن زميله الدكتور عبدالله الحصين عن والده -رحمه الله-.
وعند طباعة كتاب والدي أبدى فرحاً لا يوصف وبجرأته طلب اثنتي عشرة نسخة. وكما ذكر لي ابنه فيصل وسكرتيره الخاص بأن والده مغرم بالقراءة وفوراً قرأ الكتاب وبالواتسب لا فض فوه أرسل إليّ رسالة ونصها: «لقد تشرفت بقراءة هذا السفر المبارك عن صديق والدي عبدالله والذي كانت تجمعه به الإخوة في الله.
ولقد سحت في جنبات الكتاب مبتهجاً بمحتوياته ومتمعناً في كلماته فأقول: بورك فيك أيها الابن البار وبجهودك القيمة التي ستصبح نبراساً لمن يرغب في تسجيل مسيرة حياة أمثال والدكم على ندرتها. ودمتم بخير».
وحررها في 11/4/1439هـ
وهكذا يكون الرجال!!!
** **
صالح بن منصور الصالح الضلعان - الرياض - الرس