د. محمد بن إبراهيم الملحم
في مقالتي السالفة الذي تحدثت فيها عن مطب يوم اللغة العربية وكيف تحتفل المدارس بهذا اليوم وهي نفسها لم تنجح في القيام بواجبها الأساس فمعلموها يفتقرون إلى مهارات اللغة تحدثا وكتابة، سوى مصيبة مدارس التعليم الأجنبي الدخيلة، وحيث أشاد القراء الموقرون بالمقالة وما توجهت إليه من نقد لواقع مرير فقد طالبني عدد منهم أن أقدم حلولا مقترحة للخروج من هذه الأزمة (أو المطب بتعبير المقالة) وفي الواقع كنت أظن أنه أمر لا يحتاج إلى كثير فلسفة فما أفسده الدهر قد يصلحه العطار طالما أنه لم يفسد كثيراً بعد، وهو ما أعتقده حول حال مدارسنا فلسنا في أسوء حال إذ هناك نخب من معلمينا نفخر بهم، ويمكن أن يقودوا عملاً إصلاحياً في هذا الشأن وبالنسبة للمعلمين الذين يشكون من ضعف اللغة في أي وجه من وجوهها سنجد كثيرا منهم يرحبون بدعمهم للتحول إلى الأفضل، فالمعلم يهمه الكاريزما التي يصنعها أمام طلابه والتي تتأتى أول ما تتأتى من منطقه اللغوي ومظاهر اللغة الأخرى كالخط وحسن النطق.
وبكل بساطة فإن المخرج من المطب هو نفسه حل أي مشكلة والذي يكمن في إزالة المسببات ليزول الأثر، وأولها حسن اختيار المعلم من خلال اختبارات القبول التي تعتبر أول ما تعتبر اللغة فهي أداة العلم والتعلم وبضعفها سيضعف التعلم مهما أوتي المتقدم للتدريس من قوة في تخصصه وتمكن منه، فذلك كله لا ينفع أمام ضعف لغته وركاكة أسلوبه ورداءة خطه، فيتم اختيار المعلم القادر على القراءة السليمة بانطلاق مقبول والمتمكن من أسس اللغة رفعاً ونصباً وجراً ولا نقصد أن يكون نحويا حاذقا وإنما يمتلك الحد الأدنى المقبول فلا يجوز أن ينصب الفاعل ويجر المفعول مثلا ولا يفرق بين المبتدأ والخبر، وهو ما يحدث مع الأسف، كذلك يتقن مبادئ الإملاء وخصوصاً أخطاءها الشائعة فلا يكتب التاء المربوطة مفتوحة أو العكس ولا يضع المد حيث لا يوجد مد أو يخفيه حيث يجب أن يظهر، كما يكون خطه مقبولاً حسناً ولا نهدف أن يكون المعلم خطاطا يبهرك رسمه للحرف وإنما يكتب بحروف مستوفية أحكام رسمها بحدها الأدنى فلا تختلط الراء بالدال ولا يصعب تمييز الميم من الحاء ولا تبدو اللام في آخر الكلمة كنون سقطت نقطتها وأمثال ذلك مما نراه في كثير من الحالات مع بالغ الأسف. هذه المعايير وأمثالها يجب أن تكون حاضرة في وسائل اختيار المعلم سواء في صورة اختبارات أو مقابلات شخصية، ولا يجوز التفريط أو التسامح فيها بأي شكل من الأشكال فهذه مسئولية وطنية وإنسانية وأخلاقية قبل أن تكون مهنة ووظيفة لمن يشرف عليها ويقوم على أمانتها.
بعد الاختيار الجيد للمعلم تأتي مرحلة الإشراف وهي مصيبة المصائب وبلوى البلاوي في تعليمنا وقد أشبعت هذا الأمر إيضاحا في مقالات سابقة وطالبت بإنعاش عاجل لقلب الإشراف التربوي ورئتيه، فإن حدثت هذه المعجزة فهناك ينبغي أن يولي الإشراف التربوي عنايته بالمعلمين في تطبيقهم لما يقتضيه الحفاظ على اللغة العربية وتقوية أواصرها في نفوس وعقول الناشئة والشباب من طلابنا وطالباتنا سواء من خلال التحدث بها حديثا سهلا لبقا لا تقعر فيه بفصحى مملة غريبة عن عالم الطالب فيتحول الدرس إلى ما يشبه أفلام الكرتون المدبلجة، ولكن على أقل تقدير يتحدثون عاميتهم المألوفة بلغة سليمة ما أمكنهم إلى ذلك سبيلا أو ربما يخلطون هذا وذاك، وسبب منهجي هذا أني لا أريد أن يشعر الطالب بالملل والغربة في الحصة الدراسية وإنما يجب أن يقدم المحتوى الدراسي بما يألفه، ثم يتأكد الإشراف التربوي من حسن خط المعلم على السبورة وسلامته من الأخطاء الإملائية، لا يقتصر ذلك على عشر دقائق يحضرها المشرف التربوي في زيارته «الخاطفة» للمدرسة وإنما يتعداها إلى تدريب قادة المدارس (المديرين) على هذه المهارات ومطالبتهم بتتبع سبورات المعلمين وفحصها بشكل شبه يومي للتأكد من درجة إتقان كل معلم خاصة المستجد والمنقول حديثا للمدرسة. فإذا ما طبقت هذه المهام بمنهجية عملية دقيقة فإن اللغة العربية ستزدهر في مدارسنا ويشتد عودها لتخرج درها الكامن في أحشاء بحرها العظيم الذي أخبر عنه شوقي في مرثيته لها رحمه الله ورحمها معه، وللحديث بقية.
** **
- مدير عام تعليم سابقا