عطية محمد عطية عقيلان
نظَّم الشعراء منذ القدم قصائد الغزل والهيام في محبوباتهم، بل إن القصص التي تروى عبر الأشعار، تصف حالات العشق التي تصل حد الجنون بالعشاق، كما حدث في مجنون ليلى، وعنترة مع عبلة، بل إن بعضهم أشتهر اسمه مرتبطاً بمحبوبته، منهم كثيِّر عزة، وروميو وجولييت، وجبران خليل ومي زيادة، وقال بعضهم أجمل القصائد وأرقها مثل نزار قباني في محبوبته وزوجته بلقيس، وهذه المقالة تحكي عن الشاعر المعاصر إدريس محمد جماع المولود في عام 1922م بالسودان، وحياته وقصائده تعبر عن هذا الهيام والعشق الذي يصاب به المحبون، والتي انتهت به إلى العزلة والوحدة والجنون، للهجران الذي عاناه من محبوبته، فقد عانى شاعرنا المحب إدريس، من آثار هذا الحب وما لقيه من القطيعة والصد والتغير من محبوبته، فسببت له صدمة نفسية، أثرت عليه وأصابته بالاكتئاب، وتم محاولة علاجه في مصحات السودان ولبنان، ولكنه لم يتعاف، ورغم كل لك، بقي يقول أجمل القصائد بلغة راقية، فريدة، تعبر بكلمات مليئة بالمشاعر والأحاسيس، حتى لو اتهم شاعرنا بالجنون، أسوة بالمحبين من الشعراء، يقول في إحدى قصائده المليئة بعتاب المحب، في مطلع قصيدته:
شاء الهوى أم شئت أنت
فمضيت في صمت مضيت
أم هز غصنك طائر
غيري فطرت إليه طرت
وتركتني شبحاً أمد
إليك حبي أين رحت
وفي آخرها يعبر عن الشوق ويحدوه الأمل في عودتها:
رجع الربيع وفيه
شوق للحياة وما رجعت
كوني كنجم الصبح
قد صدق الوعود وما صدقت
أنا في انتظارك كل يوم
ها هنا في كل وقت
له ديوان من الشعر هو: «لحظات باقية» وتغنى بقصائده العديد من المطربين، أشهرهم مطرب السودان الأول «سيد خليفة»، حيث غنى له «أنت السماء» يقول في مطلعها:
أَعلى الجمال تغار منا
ماذا عليك إذا نظرنا
هي نظرة تنسى الوقارَ
وتسعدُ الروحَ المعنىّ
دنياي أنت وفرحتي
ومنى الفؤادِ إذا تَمَنىّ
أنت السماءُ بدتْ لنا
واستعصمتْ بالبعدِ عنا
وفي نهايتها يقول ويذكرها بالعهود والوعود والحب الذي بينهما:
كلّمْ عهوداً في الصبا
أسألْ عهوداً كيف كُنا
كمْ باللقا سمحتْ لنا
كمْ بالطهارةِ ظللتنا
ذهبَ الصبا بعُهودِهِ
ليتَ الطِفُوْلةَ عاودتنا
خاتمة: ورغم ما اتهم به شاعرنا إدريس جماع، من الجنون، ومحاولة العلاج منه، إلا أن قصائده تحمل أعذب الأوصاف وأرقها، ويعبر عن العتاب والملامة، بعاطفة المحب، الذي يحدوه الأمل في وصال محبوبته، وعودتها ورجوعها إلى ما كان بينهما الحب، سيرة شاعرنا مليئة بالشجن وآسى المحبوب، ولكنه يقدر الحب والجمال ويبدع في وصفه، منها هذا البيت الشهير يقول فيه:
والسيفُ في الغمدِ لا تُخشى مضاربُهُ
وسيف عينيكِ في الحاليْن بتَّارُ
وهذا البيت مشابه للشاعر الوأواء الدمشقي مع فارق 900 سنة بينهما، حيث عاش الوأواء في عام 980 ميلادية، بالدولة الحمدانية، والذي قاله ويعبر فيه عن وصف بليغ ومؤثّر في الغزل، يقول الوأواء الدمشقي في قصيدة غنتها المطربة فيروز، منها هذا البيت:
كلُّ السّيوفِ قواطعٌ إن جرّدت
وحسامُ لحظِكَ قاطعٌ في غِمدِهِ