فضل بن سعد البوعينين
لا يمكن للمبدعين ورواد الأعمال والمبتكرين العمل بمعزل عن الدعم والتحفيز والحماية الفكرية الضامنة لمخرجاتهم الإبداعية. لذا تحرص الدول المتقدمة على خلق بيئة محفزة للإبداع والابتكار و تعزيز البيئة التشريعية الخاصة بحماية الملكية الفكرية، واستكمال منظومتها واستثمار مخرجاتها لخلق اقتصاد معرفي متين.
تُبنى الاقتصادات الحديثة على قاعدة البحوث العلمية، والابتكارات، والأفكار الخلاقة، ولا يمكن للدول والمجتمعات المضي في تطوير اقتصاداتها بمعزل عن روافد المعرفة؛ والإبداع والابتكار، كما أن من المستحيل للمبدعين والمبتكرين تطوير أفكارهم الإبداعية دون حماية تشريعية، وأنظمة تضمن حقوقهم الفكرية وتحفزهم على الإبداع والابتكار، وتحفز الشركات على تبني أفكار وابتكارات المبتكرين وتحويلها إلى منتجات تحقق الربح الوفير لهم، وللمبتكرين، وللاقتصاد الكلي.
أطلق سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، والتي تركز على أربع ركائز أساسية وهي: توليد الملكية الفكرية وإدارتها والاستثمار التجاري للملكية الفكرية وحمايتها، ستعزز منظومة الملكية الفكرية، وستحفّز المبدعين والمبتكرين على تحويل أفكارهم واختراعاتهم إلى منتجات قيِّمة، وستسهم أيضاً في دعم تنافسية الابتكار والإبداع وتحقيق جانب مهم من مكونات اقتصاد المعرفة، وتعزيز النمو الاقتصادي وجعل المملكة من الدول الرائدة في مجال الملكية الفكرية.
تحقيق هدف التنوع الاقتصادي، والتحول نحو اقتصاد المعرفة، وتحفيز الإبداع والابتكار وفق رؤية 2030 في حاجة ماسة لتهيئة الظروف المحيطة، ووضع إستراتيجية متكاملة لتحقيق الأهداف الخلاقة، واستكمال البيئة التشريعية المحققة لمتطلبات الملكية الفكرية، وأحسب أن الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ستخلق القاعدة الصلبة لها، وستحقق متطلبات الإبداع والابتكار، كما أنها ستفتح الباب أمام اقتصاد المعرفة والتحول النوعي للاقتصاد الوطني.
لن يقتصر دعم إستراتيجية الملكية الفكرية على المبدعين والباحثين والمبتكرين السعوديين، بل سيتجاوزهم إلى أقرانهم في دول العالم المختلفة، وستسهم في جعل المملكة مركزاً للباحثين ورواد الأعمال الأجانب مستفيدين من حزم الدعم المتاحة، والشركات العالمية المتخصصة في جميع القطاعات، والشراكات النوعية الدولية التي أسس لها سمو ولي العهد، والملاءة المالية، إضافة إلى التحول الاقتصادي الذي ينتج عنه الكثير من الفرص الاستثمارية والإبداعية. توقيع المملكة لاتفاقيات شراكة مع دول صناعية مهمة، تعتمد الاقتصاد المعرفي قاعدة لها، سيفتح الباب أمام تدفقات استثمارية وبحوث متخصصة وإبداعات يمكن أن تتحول إلى منتجات ذات جودة عالية وقدرة على تحقيق الإيرادات الضخمة. القطاع التكنلوجي، الطبي، العلمي، الصناعات الحديثة والمبتكرة، الزراعة والمياه من أهم المستفيدين من الإستراتيجية الجديدة متى أحسن تنفيذها وحوكمتها، إضافة إلى قطاع المنشآت الصغيرة التي تعتمد المعرفة قاعدة لها.
ركيزة الاستثمار التجاري، من الركائز المهمة المحققة لمتطلبات نمو الاستثمارات وجذبها خاصة في مدن ومشاريع المستقبل القائمة على الابتكار والإبداع مثل ذا لاين ونيوم، وبنيتها التحتية الرقمية. إضافة إلى أهمية توليد الملكية الفكرية واستثمار العقول والمواهب الشابة وبما ينتج عنها من توليد أصول ملكية فكرية ذات قيمة اقتصادية واجتماعية عالية.
سمو ولي العهد أكد بأن «لدينا عقول وطاقات شغوفة بالابتكار والإبداع، وبتمكينها ستكون المملكة بيئة خصبة للاقتصاد المعرفي من خلال منظومة متكاملة للملكية الفكرية». بالرغم من أن الإبداع والابتكار موهبة من الله، يتم صقلها بالعلوم والمعارف، إلا أن انتشار ثقافة الإبداع ورفع مستوى الوعي بحقوق المبدعين والمبتكرين ستسهم في خلق عدوى إيجابية وتحفيز الأسر وقطاعات التعليم على تنمية جوانب الإبداع بين أفراد المجتمع، وستحفز الشركات على تبني واحتضان المبدعين وشراء حقوق الملكية لتعظيم الربحية وتنمية الأصول، كما يحدث حالياً في الدول المتقدمة التي تنفق مليارات الدولارات على البحوث والابتكارات وتتسابق فيما بينها لاحتضان المبدعين وتوقيع عقود طويلة المدى معهم.
الاستثمار في بناء الإنسان هو الخيار الأمثل لمواجهة التحديات، وتحقيق التطلعات في عالم تحكمه العلوم والتقنية وتسيطر عليه الاختراعات؛ وتتجاذبه القوى الاقتصادية التي اعتمدت في بناء قوتها على المعرفة والابتكارات الخلاقة. التسلح بالمعرفة، والتوسع في بناء الفكر وإرساء قواعد التنمية البشرية الحديثة، وخلق الإستراتيجيات التنموية وتنفيذها في جميع القطاعات، واستكمال البيئة التشريعية الضابطة لها، هو الجسر الذي تمضي من خلاله المملكة نحو التحول الاقتصادي والتنموي الذي وضعت رؤية 2030 أهدافه الطموحة.