عبدالعظيم العويد
لا بد أن ندرك أثر الماضي على شخصياتنا وعلى استجابتنا للمجتمع من حولنا، فإذا تخيلنا شخصا فاقدا للذاكرة تتغير حياته وآراؤه تجاه الأمور بمجرد أن يطرد شبح الماضي من حياته، وكأنه يتغير كليا بمعنى الكلمة تغير دوافعه، وأهدافه، ومشاعره، وأفكاره». وتضيف «الفرد العاقل يجب أن يقف مع ذاته وقفة صريحة وناضجة ليحلل ماضيه ويرى ظلاله على حاضره، ويسيطر على هذا الشبح، ويروضه حتى يستفيد منه بدلا من أن يترك هذا الشبح يسيطر على حاضره ومستقبله، ولكن للأسف كل منا يقع بسهولة تحت طائلة شبح الماضي، ليس هذا فحسب، بل كثيرا ما نرعاه ونغذيه ونعمل على راحته لنجده متدخلا في أدق تفاصيل حياتنا، يحركنا وفق هواه». وتتابع «على النقيض نجد فريقا آخراً يتبرأ من ماضيه وينكره، بل ويرسم لنفسه ماضيا آخر رافعاً راية العصيان عليه ومعتقداً أنه بهذا يقتل شبح الماضي، وهو لا يعلم أنه لولا سيطرة الماضي عليه ما أهدر وقته وجهده للتخلص منه، فكم من طقوس تربوية رفضناها في طفولتنا ثم نجدها بلا وعي منا تنزل إلى حيز التنفيذ دون طلب للإذن، ومنا من يستسلم لها دون وعي وينسى رفضه لهذه الطقوس، ومنا من يعي ويدرك تسلل الشبح، ليدخل في حرب معه حتى يبني واقعاً مغايراً لما كان يرفضه من جهة، ويستسلم لما كان يفضله في ماضيه من جهة أخرى».
والقرآن الكريم يعيب علينا استسلامنا لشبح الماضي بلا حرب ولا وعي في قوله تعالى: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.
ولكي تتصالح مع الآخرين عليك أولاً أن تتصالح مع ذاتك، وأن تقبلها بكل عيوبها، بضعفها وزلاتها دون أن تحكم عليها، ودون أن تصنّفها أيضاً.
عليك ألا تقهر نفسك، ولا تهينها ولا تحقّرها، فكما تدينها تدينك، والجزاء من جنس العمل.
كذلك فإن تصالحك مع ذاتك يعني أن تتقبل الآخر بكل اختلافاته وتناقضاته، ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك، ببساطة، لا تكرهه.
فجميعنا نبحث عن التصالح مع النفس، والذي يتطلب عناصر شخصية وإليك بعض العناصر التي تجعلك شخصا متصالحا مع نفسك ومع الآخرين.
الابتسامة العريضة ووجودها على وجهك طيلة الوقت، وإن لم تشعر بها بعدما أصبحت دائمة، هي علامة أنك متصالح مع نفسك ولا تود إبراز أي هموم أو مشكلات للآخرين.
التسامح عند تواجدك في موقف صعب تكون فيه أحد الخصوم، وإن كان بسيطا أو معقدا، تسامحك في هذا الموقف يعني أنك شخص لا تحب الخوص في المشاكل، ولا الخصام أو المشاعر السلبية.
وتقبل الآخرين بعيوبهم وميزاتهم والتعاون معهم على هذا الأساس، يعني أنك شخص متصالح جدا مع نفسك، ومتفهم جداً أنه لا يوجد شخص بلا عيوب.
ولكي نُحسن حاضرنا ونمنح الاستقرار والراحة لنفسيتنا، ونتخلص من عقدنا المتعبة وأمراضنا الخطيرة، علينا أن نتصالح مع ذاتنا. وعليك أن تعرف أنه لا يوجد شخص سيئ مطلقاً أو جيد مطلقاً، ولكننا جميعاً مزيج بين هذا وذاك، إنّ التسامح هو الحل الأمثل لكل مشاكلنا، التي تواجهنا سواءً مع أنفسنا أو مع الآخرين لأنها تحررنا من الماضي وتطلق سراحنا نحو الحاضر والمستقبل.