حسن اليمني
ظهر أن حصاد عام 2022م غني وثري ومتميز، فقد شهد هذا العام من الأحداث وتقلبات المراكز في القوى ما يؤكد نهاية حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبدت الحرب الروسية الأوكرانية كشرارة لانطلاق حرب عالمية ثالثة إلا أنها وبنهاية العام عادت الاحتمالات للواقع تبحث عن كيفية التعايش مع استمرار هذه الحرب في حدودها الأفقية دون تصعيد بحيث تستمر في الإرهاق وليس التدمير، وكان حياد دول الخليج العربي علامة بارزة نحو التحرر واستقلال الإرادة ما جعلها تبدو محوراً ومركزاً للتوازن العالمي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
ظهر واضحاً وجلياً تراجع الدور الأمريكي سواءً في المنطقة العربية أو العالمية أمام تقدم ملموس لجمهورية الصين الشعبية مع تواري الدور الروسي إلى الخلف قليلاً لصالح الصين، أما دول أوروبا الغربية التي تستمد قوتها وحضورها من قوة وحضور الدور الأمريكي فقد تحولت إلى دول ثانوية تقاوم الهبوط أكثر من محاولة التقدم، تُثقل حركتها حقبة قوة الالتصاق بالولايات المتحدة الأمريكية وتجد صعوبة في تفكيك هذا الالتصاق في مساره الهابط أمام صعود قوة المخاطر سواءً من روسيا في الطاقة والحرب في أوكرانيا أو مع الصين في سرعة التمدد الاقتصادي والتقني، ويصعد قوة تأثير دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ليتجاوز أثر القوة الأوروبية ويدخل لاعباً رئيسياً في الحركة الدولية سياسية واقتصادية وعسكرية من خلال قدرتها على الحياد سياسياً وسعة فرص المنافع التجارية والاقتصادية والاستثمارية.
شهد العام 2022 استقلال إرادة منظمة النفط (أوبك) ليصبح مسارها مستقلاً عن الضغوطات والتدخلات السياسية ومتسقاً مع الفكر والبعد الاقتصادي كسلعة اقتصادية منفصلة عن المواقف السياسية، وكان دور المملكة العربية السعودية كزعيمة لمنظمة (أوبك) في دعم وإسناد مسار المنظمة النفطية عاملاً قوياً رسماً لدول الخليج العربي ودول المنطقة ككل مسار المكانة اللائقة بها في السياسة الدولية استطاعت فيه دول الخليج العربية أن تحفظ مصالحها الاقتصادية وتدرأ عنها جزءاً كبيراً من نسب المخاطر الاقتصادية مثل هبوط الحراك التجاري وتضخم الأسعار وعجز القدرة المالية للأفراد التي سادت العالم على إثر الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع الدور الأمريكي مع صعود الدور الصيني وتقدم دول أخرى نحو استخدام العملة المحلية بدل الدولار والتحرك في هذا الاتجاه بشكل ملحوظ تظهر نتائجه فيما بعد، وهذا كله يعطي صورة لمسار التغير والتحول على مستوى العالم بما يعني خروجه فعلياً من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونظامه العالمي إلى نظام عالمي جديد لم يعد احتمال بقدر ما أصبح واقعاً فعلياً ظاهراً صارت تُبنى على أساسه السياسات الدولية.
وشهد العام 2022 دخول الصين للمنطقة العربية بموازاة الولايات المتحدة الأمريكية ما جعل سخونة الأحداث تتجه إلى بحر إيجة وخليج سرت في ليبيا وشرق المتوسط بشكل أوسع في جهة وفي جهة أخرى في بحر الصين واليابان ومضيق تايوان، وفي حين اتسعت المسافات بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى استمرار الحصار الأمريكي بالعقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية على إيران فإن الصين تُمتن وتشد أواصر الصداقة مع الطرفين العربي والفارسي على ضفاف الخليج العربي، ويشكل وصول الصين إلى شواطئ الخليج العربي كطفاية حريق مقابل شعلة النار التي تستخدمها أمريكا في بحر الخليج خلاف رغبة دول الخليج العربي وإيران في اختيار السلام والتعاون بدل العداء لتصبح الصين أقوى وأقدر على التأثير في هذا الاتجاه بحكم قوة علاقاتها مع الجانبين عكس الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يعني أن فرص الصين في المنطقة أكبر من الولايات المتحدة، وهذا يعني مزيداً من التحرر الاقتصادي والسياسي والصناعي والتقني لدول الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام، إذ تختلف سياسة الشراكة الصينية عن سياسة الهيمنة الأمريكية وهو ما يتيح لدول الخليج فرصاً أوسع نحو تعزيز القوة الذاتية وكلما تقدمت دول الخليج العربي كلما اكتفت بقدراتها لتحقيق مكانتها على مستوى العالم.
وشهد العام 2022 أكبر تجمع عالمي رياضي في قطر التي استطاعت أن تحقق به نقلة نوعية قوية في الفكر والثقافة على مستوى العالم، ساعد فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين وتونس على فرنسا والمغرب على إسبانيا والبرتغال مع تمسك الدولة المضيفة بالعادات والأعراف والثقافة العربية الإسلامية دون حد من حرية المشجعين الوافدين من دول العالم مع توفر الأمن والسلامة ووسائل المواصلات والسكن ومناطق الترفيه بدرجة عالية من الرقي والضبط والتنظيم كل ذلك جعل من مونديال قطر علامة بارزة متميزة في مسابقات كأس العالم.
وبصورة إجمالية سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية ظهرت دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية إلى موقع متميز ومهم على المستوى الدولي وأصبحت لاعباً رئيسياً أكثر تأثيراً على مستوى العالم وحراكه الدولي، وإذا كان كل هذا الإنجاز العربي بما استطاع به من الوصول إلى درجة مؤثرة بهذا الحجم ليس إلا بداية انطلاق فإن ما تبقى من سنوات في عقدنا الحالي الممتد إلى عام 2030 قد يشهد نقلة نوعية أقوى وأعظم سيجعل من احتمالات نشوب الحروب في المنطقة أمراً مستبعداً ويحل محله استقلال صناعي واقتصادي نهضوي بشكل يجعل إحلال دول المنطقة العربية محل أوروبا على مستوى التأثير السياسي في العالم لتتحول سيادة العالم من أمريكا وأوروبا إلى آسيا ودول المنطقة العربية.