في البدء سَنُعرِّف بالمواقع التي دارت على رحى أرضها أحداث الواقعة على النحو التالي:
القنع: جبل جيري متوسط الارتفاع جنوب شرق مدينة القنفدة بحوالي (8 - 10كم) يطل حده الغربي على البحر الأحمر وحوله أراضٍ سبخية تنمو بها بعض الشجيرات الرعوية وفي جزئه الشمالي ( بئر أم الدبا).
عجلان: قرية صغيرة تحمل اسم الخبت الذي هي جزء منه، وهي (أرض بعلية) منبسطة تكثر فيها أشجار السَّمْر والسَّلم والأراك والأثل والنباتات العشبية الرعوية والأحراج. وتقع فيه (بئر الكعدية) وتقع قرية عجلان حالياً شمال غرب القوز بمسافة 13 كيلاً، وجنوب شرق القنفدة بمسافة 15 كيلاً.. ومعظم سكانها من قبيلة المَرَاحِبَة إحدى قبائل محافظة القنفدة التهامية والتابعة لمشيخة مركز أحد بني زيد بوادي قنوني أحد أودية تهامة الشهيرة.
قوز بَلْعَير: بلدة تنسب وقت حدوث الواقعة 1329 هـ للحلف القبلي الكبير (قيْف بَلْعَيْر) الذي هي مركزه والمكوَّن من قبيلة القوازية والقبائل الأخرى التي تحت رئاسة شيخها علي بن سالم بن حبشي القوزي وشهرته (علي بن مديني). وقبيلة النواشرة بقسميها وقبيلة المقاعدة وقبيلة الشواردة.
والقوز حالياً: (مدينة عامرة متطورة وهي كبرى حواضر محافظة القنفدة ومركز إداري أسس فيها عام 1343هجرية) وتقع جنوب شرق مدينة القنفدة بمسافة 28 كيلاً وتسكنها حالياً عدة قبائل منها (القوازية والنواشرة وبني يَعْلى وغيرهم) وتشرف على ضفة وادي يبة الشمالية الذي هو من أشهر أودية تهامة جنوب مكة المكرمة بمسافة 380 كيلاً تقريباً.
ويمر بالقوز الطريق الدولي جدة، جازان، اليمن.
زمن الواقعة: تاريخ الواقعة صيف 1329 هجرية 1911م.
المتحاربون في الواقعة: جيش الإدريسي (من قبائل المخلاف السليماني) الذي بسط نفوذه على القنفدة وما جاورها وأخرجها من تبعيتها لمكة المكرمة وتحالفت معه وقبلت بدعوته قبائل القوز وحَلِي والبرك من جهة وقائدهم محمد بن خرشان (ممثل الإدريسي في يبة وحلي). ومعاونوه من القيادة العامة في جيش الإدريسي (حمود بن سرداب ويحيى بن عرار النعمي ومحمد طاهر رضوان وإبراهيم الشوكاني) واتخذت القوز مقراً لهذه القيادة. وساعدهم عند بدء الواقعة شيخ قبيلة القوازية علي بن مديني وشيخ قبيلة النواشرة أحمد بن خيرة الناشري وشيخ قبائل بني يعلى بيطلي العامري (وبعض أعيان من قبائل وادي يبة) ومشايخ قبائل حلي وهم ابن الصغير وأحمد صمي وابن عجي وبعض من أهالي حلي.
ومن جهة أخرى: كان جيش الشريف حسين والي الحجاز من قبل الدولة العثمانية يتكون من العربان وفي معيته القوات العثمانية (التركية) القادم من مكة المكرمة والطائف وجدة وما حولهما ما يزيد على خمسة وعشرين ألفاً وعسكر جندرمة من بيشة وعسكر من عقيل وقبيلة المجانين.
وتحت قيادة الشريف حسين نفسه وولديه عبدالله وفيصل. ودعم مادي من بعض قبائل بني زيد في وادي قنوني وقبائل الأشراف في الليث والشاقتين.
سبب الواقعة: نجدة من الشريف حسين لفك الحصار الذي فرضه الإدريسي على متصرف عسير العثماني سليمان شفيق باشا الكمالي في أبها بعسير الذي دام ستة أشهر ولاسترداد القنفدة والقوز وحلي وما حولها من سلطة الإدريسي.
وقت الواقعة وبدايتها: كانت بدايتها في فصل الصيف القائظ 9 جمادى الأولى 1329هـ/ 1911م حينما أرسل الشريف عدة سرايا استطلاعية هاجمت قبائل وادي يبة في ديارهم لرفضهم متابعة الشريف وبقائهم على نصرة الإدريسي لاعتقادهم بصحة ما دعاهم إليه وإصرارهم على الحرب.
ودارت المناوشات بين الطرفين بين كر وفر في 18 من شهر جمادى الأولى. ولكن المعركة الفاصلة حمي وطيسها وكانت بدايتها من جبل القنع في غرة جمادى الآخرة حول بئر(أم الدِّبا) جنوب شرق القنفدة كما أشرنا مروراً بخبت عجلان حول بئر (الكُعْدية) وانتهاءً بالقوز ودامت الواقعة واستمرت عدة أيام حتى اليوم الثالث من جمادى الآخرة وانتهت بانتصار جيش الشريف..
وبعد مكوث الشريف حسين وولديه فيصل وعبدالله بالقوز عشرة أيام غادرها الشريف حسين في 23 جمادى الآخرة 1329هـ إلى أبها لفك حصار الإدريسي عنها وقدتم له ذلك لتضعضع جيش الإدريسي.
نتائج الواقعة
*في بداية الواقعة كادت الهزيمة أن تحل بجيش الشريف حسين رغم ما لديه من مدافع وعتاد واعترف بذلك ابن الشريف الأمير عبدالله. في مذكراته وكذلك متصرف عسير سليمان شفيق في مذكراته نقلاً عن قائمقام القنفدة التركي.. ولكن بعد التراجع وتنظيم الجيش ووصول إمدادات تركية عاود الكرة وتحقق النصر.
*هزيمة جيش الإدريسي وتفرُّقه وعودة معظم المنهزمين من جيشه إلى البرك وصبيا وخصوصاً قبائل المخلاف.
* عودة تبعية القوز وما جاورها كما هو سابق ماضيها لمكة المكرمة ثم لسلطة الشريف حسين في مكة المكرمة وفك حصار أبها لاحقاً ودحر الإدريسي إلى منطقة نفوذه في صبيا وما حولها.
*ومن خسائر قبائل بلعير وبني يعلى في الواقعة:
# قتل بعض الأفراد من قبائل قيف بلعير وبني يعلى وأهالي حلي.
*وكانت خسائر جيش الشريف والأتراك البشرية ليست قليلة ومنهم الضباط والجنود.
* وقد لوحظ عدم مشاركة قبائل العرضيتين في هذه الواقعة رغم تبعيتهم لمحافظة القنفدة وقبولهم لدعوة الإدريسي. وكذلك قبائل زبيد في المظيلف وما حولها فقد اعتذروا للشريف عن موالاتهم للإدريسي.
توابع الواقعة
*كانت واقعة قوز بلعير آخر الحروب والصراعات الإقليمية والخارجية التي شهدتها القنفدة والقوز وما جاورهما.
* ضعف الوجود العثماني وتلاشي سلطته في عسير وضعف وجوده في القنفدة والقوز وحلي على وجه التحديد.
* مهاجمة الأسطول الإيطالي في البحر الأحمر لعدة سفن وطرادات عثمانية وإغراقها في خليج القنفدة التي كانت رابضة في مرسى القنفدة وتدميرها 1912م/ 1330هـ.
*عادت مكانة الشريف حسين في نظر الدولة العثمانية وفي الحجاز وعسير لوضعها السابق.
* فقد الإدريسي نفوذه في المناطق شمال المخلاف السليماني الذي امتدت سلطته وحدوده الشمالية إلى شمال القنفدة وما جاورها.
* ومغادرة محمد بن خرشان قائد الإدريسي وممثله من مقره (بلدة مخشوش) بأرض كنانة في وادي حلي إلى صبيا.
* وكانت هذه الواقعة بداية النهاية للوجود العثماني في عسير والحجاز وجزيرة العرب والذي انتهى 1337 هجرية.
* تزايد نقمة القبائل العربية في أقاليم المخلاف السليماني وعسير والحجاز على الوجود التركي والسعي للتحرر والتخلص منه. وهو ما تحقق لاحقاً بإعلان ثورتي محمد الإدريسي في صبيا والشريف حسين في مكة المكرمة في 9 شعبان 1334 هجرية على الترك تباعاً.
* بروز التحالف الإيطالي الإدريسي والتحالف الشريفي البريطاني (محادثات حسين مكماهون) تمهيداً لقيام الحرب العالمية الأولى 1914م وإخراج الدولة العثمانية من جزيرة العرب والأراضي العربية نهائياً.
* وبعد رحيل العثمانيين وسلطة شريف مكة أي في عام 1343هجرية من هذه الواقعة انضمت القنفدة والقوز وما حولهما سلماً تحت راية العهد السعودي وكان محمد بن عجاج أول أمير على القنفدة وما حولها في العهد السعودي الميمون.
* لفت كاتب السطور ما كتبه بعض المؤرخين عن تاريخ الصراع الشريفي الإدريسي في محافظة القنفدة وما حولها 1329 هجرية وما تردده العامة تسمية واقعة قوز بلعير بواقعة عجلان مع أن مصادر أحداث الواقعة الأساسية سمتها واقعة قوز بلعير (انظر الرحلة اليمانية لشرف البركاتي. ومذكراتي للأمير (الملك عبدالله بن الحسين) والمؤرخان شاركا في أحداث الواقعة بنفسيهما.
*والمعلوم من أحداث الواقعة أنها بدأت في جبل القنع وانتهت في القوز وخبت عجلان من مدارك القوز.
بعض مصادر ومراجع المقال
* شرف البركاتي، الرحلة اليمانية ط2
* سليمان شفيق الكمالي: مذكرات ط1
* عبدالله بن الحسين، مذكراتي ط1
* محمد العقيلي: المخلاف السليماني ط2
* غازي الفقيه: القوز تاريخ المكان وسيرة الإنسان.ط1
* يوسف العارف: حكومة الأدارسة ط1
* عاتق البلادي: الرحلة اليمانية.. تحقيق وتعليق.ط1.
** **
- كتبه/ غازي أحمد الفقيه