د. تنيضب الفايدي
يسعى الإنسان دائماً أن يكون سعيداً في حياته، كما يسعى لتوفير السعادة لأقرب الناس له، بدءاً بالوالدين، والزوجة، والأبناء، كما يشعر دائماً بأن هناك جوانب أخرى يسعى لتوفيرها حتى تكتمل السعادة، وقد يمضي عمره وهو يجري وراء ذلك الجانب الذي يجب أن يتوفر حتى تكتمل سعادته ولكن ذلك الجانب يشعر بأنه لم يتحقق، لذلك تجمع الدراسات التطبيقية وكتب علم النفس على أن للسعادة خمسة جوانب ( مداخل )، وتدل تلك المداخل أو الجوانب على صعوبة تحققها جميعاً، فإذا توفرت أربعة منها فإن ذلك يعتبر إنجازاً، ولكن يشعر بأن سعادته غير كاملة، وسيتم ذكر المداخل الخمسة.
الجانب (المدخل) الاجتماعي
يختلف الناس في مستوى السعادة، وقد حاول العلماء الاجتماعيون تفسير هذه الفروق فذهبوا إلى أن العمر والجنس والحالة الزوجية والدخل تفسر الفروق الفردية في السعادة، وقد عرف هذا التوجه « بحركة المؤشرات الاجتماعية Social Indicator Movement في بحوث السعادة.
الجانب البيئي
إن العوامل البيئية تقوم بدور مهم في نشوء السعادة، ونعني بذلك علاقات الفرد الاجتماعية، فكثير من النجاح الذي يواجهه الإنسان في الزواج والأسرة والوظيفة والعلاقات الاجتماعية بوجه عام، إنما يترتب على شعور بالسرور والبهجة، وينبئ بمستوى من الشعور بالرضا عن الحياة، وتشير بعض الدراسات إلى أن المتزوجين أكثر سعادة بوجه عام من العزاب والأرامل والمطلقين.
إن البيئة التي ننشأ فيها لها أثر عظيم على حياتنا وسعادتنا، وتجاربنا في مرحلة الطفولة من الممكن أن تمهد الطريق لتوجهنا الفكري في الحياة وشعورنا الفطري تجاه السعادة أو التعاسة، فالجوانب التي آلمتنا في طفولتنا كثيراً ما يترتب عليها قرارات غير واعية تؤثر على وجهتنا الكلية في الحياة «الهدف»، وشعورنا تجاه أنفسنا «الهوية» والأشياء المهمة بالنسبة لنا، والمعتقدات التي نؤمن بها «القيم والمعتقدات»، وما نشعر بقدرتنا على إنجازه «المهارات والإمكانيات»، وما نقوم به من أفعال في الواقع «السلوك»، والنتائج المترتبة على كل ذلك في بيئتنا «البيئة المحيطة» وهذا يعني أننا نعود إلى حيث بدأنا.
الجانب الشخصي
إن السعادة سمة ثابتة تعتمد أساساً على الشخصية،يشير أرجايل أن السعادة ترتبط بسمات الشخصية: الانبساط،ومصدر الضبط الداخلي، وغياب الصراعات الداخلية، والعلاقات الاجتماعية الجيدة، والانغماس في أنشطة وقت فراغ هادفة، والقدرة على تنظيم الوقت، والتدين مصدر أكيد للسعادة وبخاصة لدى كبار السن، وكما تتحسن معها القدرة على تذكر الأحداث السعيدة، وتهيئ الفرد لأعمال إبداعية أفضل، وإمكانية أحسن لحل المشكلات، وإلى مزيد من سلوك مساعدة الآخرين ومحبتهم.
ويرى كوستا وماكري Costa الجزيرةMcCrae, 1999 أن السعادة سمة ثابتة تعتمد أساساً على الشخصية، وهي الاستعداد للشعور بالسعادة، وهي مهارة يمكن اكتسابها، وأفضل سبيل إلى ذلك التغلب على المصاعب الصغيرة.
كما أجرى فيرنهام وشينج Furnham الجزيرة cheng, 1997 دراسة عن السعادة والعوامل الخمسة الكبرى للشخصية، واستخرجا ارتباطات موجبة بين السعادة وكل من الانبساط والتفتح للخبرة والقبول ويقظة الضمير، في حين كان الارتباط سلبيا بين العصابية والسعادة، واستنتجا أنه إذا كان اتزان الشخصية واستقرارها عازلاً ضد التعاسة وواقيا منها، فإن الانبساط عامل إيجابي في السعادة.
ويوضح ألبورت في نظريته للشخصية أن السعادة هدف في حد ذاتها ولكن السعادة قد تكون نتيجة للتكامل الناجح لمكونات الشخصية لتحقيق طموحاتها، وأهدافها، كما توصل شوتر Schutz, 1977 و فروم Fromm إلى بعد السعادة وأوضح أنها عامل أحادي القطب وهي حصيلة الخبرة والإرشاد والتوجيه في الحياة، وأن السعادة ليست فحسب الشعور بالسرور أو ثباته ولكنها « الحالة التي تقيم جميع التنظيمات الديناميكية الموجودة في الشخصية مثل زيادة الحيوية، والصحة الجسمية ومدى فعاليتها وأوضح أن الأشخاص المنتجين هم الأشخاص السعداء، وكتابات فروم عن الشعور بالسعادة أوضحت أنها دليل على فن نجاح الشخص في الحياة ويعتبر السعادة هي أعظم إنجاز نحصل عليه.
الجانب الفسيولوجي
يرتبط الشعور بالسعادة بتلبية إشباع الحاجات الفسيولوجية، كإحساس الجسم بالراحة والصحة والحيوية والنشاط، وذلك أن ردود الفعل الجسمية المصاحبة لانفعال السعادة الشعورية، تعد في حد ذاتها عنصراً مهماً، حيث إن الاستجابة العضوية ما هي إلا رد فعل شعوري، وأن التغيرات الجسمية المصاحبة لها تؤثّر على العمليات الفسيولوجية المتصلة بالانفعال، وتهبط المثيرات إلى الجهاز العصبي المستقل حيث تفرز مادة الأدرينالين في الدم، مما يؤدي إلى انسياب السكر في الأوعية الدموية، وهذا ما يساعد على زيادة القدرة على بذل طاقة زائدة ومقاومة التعب.
الجانب الفلسفي
يذكر مسكويه أن الحكماء الذين كانوا قبل أرسطو مثل فيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأشباههم أجمعوا على أن السعادة تكون في قوى النفس وفضائلها: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، وأن هذه الفضائل كافية في السعادة ولا يحتاج إلى غيرها من فضائل البدن أو غيره، وأن الإنسان إذا حصل على تلك الفضائل لم يضره في سعادته يكون سقيما ناقص الأعضاء مبتلى بجميع أمراض البدن ولا يقدح في السعادة إلا ما يلحق بالنفس من ضرر وأذى مثل فساد العقل ورداءة الذهن وما أشبهها، وأما الفقر والخمول وسقوط الجاه وسائر ما يأتي من الخارج فليست عندهم بقداحة في السعادة البتة.
ولقد حدد الفيلسوف الإسلامي الرازي أركاناً للسعادة و تتمثَّل في الآتي:
1- إصلاح الأخلاق ولا يتحقق ذلك إلا بتقدير العقل والانقياد له وقمع الهوى وردعه والتعرف على عيوب النفس وعلاجها والابتعاد عن آفات النفس من العشق الحسي والعجب والحسد والإفراط في الغضب والكذب والبخل ... إلخ ذلك مما يجب الخلاص منه.
2- إن السعادة ليست في إصابة اللذات الجسدية بل في اقتناء العلم واستعمال العدل، ويقول الرازي في السيرة الفلسفية: «إن الأمر الأفضل الذي له خلقنا وإليه أجرى بنا ليس هو إصابة اللذات الجسدية، بل اقتناء العلم واستعمال العدل اللذين بهما يكون خلاصنا من عالمنا هذا إلى العالم الذي لا موت ولا ألم.
3- إن السعادة في محاولة السمو بمكارم الأخلاق بقدر ما في طاقة الإنسان والقرب من الله عزَّ وجلَّ وأقرب عبيد الله إليه أعلمهم وأعدلهم وأرحمهم وأرأفهم.
4- إن الفلسفة تصل الإنسان بالعالم العلوي وتحذّره من عالم المادة السفلي فكل من تعلم الفلسفة وعرف عالمه وصار قليل الاضطراب وكسب المعرفة وتخلّص من كل شدة صار سعيداً.