رمضان جريدي العنزي
ثقافة الاستعراض (شوفوني) ثقافة بائسة لا يحبذها صاحب العقل السوي، ولا يرضى بها من له لب وفكر وحكمة، آفة مقيتة اقتحمت حياتنا بالغصب والعنوة، فاقمتها وزادت من حدتها وسائل التواصل الاجتماعي، فشخرة وبهرجة وتصنّع واستعراض وتسابق على إظهار الذات، رحلاتنا استعراضية، عزاؤنا استعراضي، أفراحنا استعراضية، تقبيلنا لأبوينا استعراضي، الحفاوة بالضيف استعراضية، اللعب مع أطفالنا استعراضي، تنزهنا استعراضي، دعاؤنا وحجنا وعمرتنا وزيارتنا للأماكن المقدسة استعراضي، مشاركاتنا في الفعاليات استعراضية، فقط للتصوير والنشر والمباهاة، نهتم بالصورة والشكل والنشر، ونبتعد كثيراً عن المضمون والهدف، استحكمت فينا عقدة حب الظهور، حتى صرنا أن كل حركة نقوم بها يجب أن تصوّر وتوثّق وتعرض على الناس ليروا ما نحن عليه، ليروا القصر المنيف، والحديقة الخضراء، والسيارة الفارهة، والمائدة الكبيرة، بتنا نصور أطفالنا وزوجاتنا وتسكعنا بالأسواق، وكيف نجلس بالمقهى، ومع من، وكيف نشرب القهوة، حتى القبور وخطوات الدفن لم تسلم منا، ولا عيادة المريض، وحتى الصدقة نصورها نفاقاً ورياءً واستعراضاً، اختلطت علينا النوايا، فبات بعضنا يشارك في نشاط ما، وتركيزه منصب على التقاط صورة له في النشاط، إذا التقى شخصية مهمة أو شيخاً، جل همة أن يصور معه استعراضاً ومباهاة وإرضاءً للذات. إن عظمة الأشياء أن تكون خالصة لله عزَّ وجلَّّ، وميزة التضحيات أن تظل بين جنبينا، وعظيم البر والعون والمساعدة أن تكون أعمالاً مخفية لا يعلم بها سوى الله تعالى، من الجميل أن يكون لنا عالم خاص بنا، لا يشاركنا به إلا الأقربون جداً لنا، هذه الأسرار والخصائص والقيم والمعاني التي تربينا عليها بدأنا نفتقدها في الآونة الأخيرة، إن ثقافة الاستعراض الحاصلة الآن والمستعرة بشكل لافت، تساهم في إنتاج جيل رخو يهتم بالمظاهر على حساب المضمون، همه الأساسي الصور والخبر ولفت النظر. إن ثقافة الاستعراض أو (التميلح)، ثقافة هشة ليس فيها قوة ولا صلابة، ثقافة خادعة، وفيها زيف وبعد عن الحقيقة والواقع، الواثق من نفسه يرفض هذه الثقافة ويلفظها، كونها فيروساً، وعقداً نفسية. إن التوازن في كل شيء، والفهم الحقيقي للواقع، أمر أساسي لتكون حياتنا خالية من التكلّف والتصنّع والمباهاة التي أفقدتنا الكثير من شخصياتنا وإنسانياتنا وهوياتنا.