عبدالعظيم العويد
من الطبيعي جداً أن نثني على شخص نحبه صدقاً لذاته لا لما عنده أو لما فيه من مصلحة شخصية لنا، ومن المعقول أيضاً أن نعجب بطرح إنسان ما فنمدحه في حدود ما يستحقه، ولكن ما نراه اليوم في واقعنا مهين جداً، وفيه من الابتذال والخنوع الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر بمحبة أو إعجاب، لدرجة أن الغالبية أصبحت تؤمن بأن التملق هو أقصر الطرق التي توصل إلى النجاح، وإن كان غير مستحق وتنقصه مقوماته الحقيقية.
والفرق بين التملق والاحترام أن الشخص المتملق لا يفكر في نفسه، ويقدم نفسه دائماً على الآخرين، هذا على الرغم من أن الإطراء قد يبدو إيجابياً، إلا أن الهدف منه هو إلقاء الضوء على المتملق أكثر من الشخص الذي يتملقه، وهذا لا يساعد في احترام الذات وتقديرها.
فيقتل في نفسه الشعور بالمهانة لحرصه على غرضه الشخصي، مما يعني ابتلاعه لكبريائه وقبوله الإهانة التي تمارس عليه، فهو بهذا المنطق على استعداد لتحمل أي شيء ليظل سيده الذي يتملق له راضياً عنه، لكي يحقق المكتسبات والإنجازات التي يراها في يد سيده، بالرغم من أنه في الأصل يفتقد أهلية استحقاقها، ولا يستطيع نيلها إلا بالطرق غير المشروعة.
والتملق في مفهوم التسلق، ظاهرة غبية يتلون صاحبها حسب المعطيات والمواقف والمصالح يتجرد بكل غباء وقبح وإفلاس فكري من منظومة القيم الأخلاقية ومكوناتها التربوية.
تجد المتملق يحاول إقناع نفسه ظاهرياً بأنه غير مخطئ فيما يفعله، ولكنه يظل داخلياً واقفاً على أرض غير ثابتة، مما يعني استمرار شعوره بعدم الأمان والتوتر في علاقاته.
من سار بين الناس بالتملق أدرك ما يبتغيه لا لشيء إلا لهوان نفسه عليه فيرضى بذلك العيش حياة الذل، فتنهار ذاته وكرامته مقابل التوسل في كسب ود المسؤول الذي بيده مآربه الشخصية، وطبعاً فالمتملق لا يمكنه أن ينتقد أو يحاسب ولي نعمته، لأن في اعتقاده أن غرضه الدنيوي في ملك سيده، وهو الذي يستولي عليه ويتصرف فيه كما يشاء.
التملق أساسه الأخذ فقط وليس العطاء والوفاء لأهله، والتحدث عن التملق هنا ليس بدافع الدعوة إليه أو القيام بحملة لتشجيع ممارسته، ولكنه بغرض بيان حقيقته وتجلياته، عسى أن يكون ذلك سبباً لهداية النفوس غير السوية، ورجوعها لجادة الصواب.
إن الحياة بلا عزم وصبر ومثابرة تورث صاحبها الذل، ولعل هذا الوصف مما يظهر حقيقة من يقاوم ويكافح ويثابر ليصل إلى ما يطمح له مع الحفاظ على المبادئ الشريفة والقيم الأصيلة.