صدر عن دار العبيكان للنشر كتاب: فهد بن جابر الحارثي رحمه الله سيرة ومسيرة، من إعداد: سعد بن سعيد الحارثي، ويقع الكتاب في 351صفحة من القطع المتوسط، ويضم العديد من الصور الملونة التي سيرة الفقيد فهد بن جابر الحارثي، وتحكي عن سيرته ومناقبة، في طبعة فاخرة حمل غلافها صورة الفقيد، وقد كتب مقدمة الكتاب معالي أ.د. ساعد بن خضر العرابي الحارثي، مستشار سمو وزير الداخلية، وقد توجها بعنوان: عرفوه فاحبوه، قال فيها: عندما اعتزمت كتابة مقدمة هذا الكتاب حينما طلب مني مؤلفه الأخ سعد ابن سعيد الحارثي، لازمتني الحيرة، ماذا عساني أقول؟ فلم أكن قد اطلعت على الكتاب ومحتواه لتكون الكتابة هنا منبثقة منه، متناسقة مع مضمونه، ولكن نزولا عند رغبة المؤلف الذي يعرف أني أعرف المؤلف عنه كتبت.. كتابة أثق أنها لن تفي الرجل حقه، مصدرها فقط مما اختزنته الذاكرة عنه من خلال اللقاءات ومتابعة مسبرته جهودا وقيمة.
فهد بن جابر الحارثي -رحمه الله - يمثل في حقيقته علامة بارزة في محيط البيئة التي عاش وترعرع فيها.. عرفوه فأحبوه تابعوا منجزاته فقدروه. وهو أيضًا علامة بارزة عند من يعرفه، ثم هو قدرة تعليمية مؤثرة من خلال مسيرته في سلك التعليم، حتى تسنم مدير عام إدارة التعليم في منطقة الباحة.
لقد حبا الله فهدا -رحمه الله - سمات إنسانية متميزة، اجتذبت الآخرين إلى محبته وتقديره كان رحمه الله طيب المعشر، جميل الخلق والأخلاق، كريم العطاء، حسن التعامل.
وعرفت أن بينه وبين الحقد والضغينة ،عداوة لا يُكن لأحد في النفس حقدا... يكره الأذية للإنسان حتى ولو تجاوز عليه أحب الناس فأحبوه.. هكذا عرفته عنه.
وفي الجانب الآخر من حياته، لم يستكن أو يسلم للظروف الحياتية التي وجد نفسه فيها، ففي ذلك الزمن البعيد عند بدايات تكوين المملكة كان الثلاثي الخطير (الجهل والفقر والمرض للأسف سادة الساحة وعنوانها.. وكان السبب في إجبار الناس على الابتعاد عن تحقيق الذات وبلوغ الطموحات إلا من رحم ربي ممن امتلك ناصية الرؤى إلى ما هو أبعد من واقع التردي.
كان الذين تحدوا شح الواقع وظروفه ومراراته قليلين جدًا.. بل كانوا نوادر. من أولئك أصحاب الهمم العالية الذين اعتزموا الهروب من القاع إلى القمم.
فهد بن جابر رحمه الله كان واحدًا من هؤلاء القلة، لم يكتف بالمراحل التعليمية الأولى ليجد وظيفة تساعده وأهله على ظروف الحياة القاسية، كما هو الحال في معظم مناطق المملكة، بل واصل تعليمه عبر المراحل من قريته (الصور) بني الحارث، الوادعة بين الجبال جنوب شرق مدينة الطائف، ثم إلى مكة المكرمة ليكمل تعليمه الجامعي.
أنهى تعليمه الجامعي بتميز في ما دفعه إلى التفكير في السير نحو التعليم العالي.. وفي ذلك الوقت الذي تخرج فيه (فهد) في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية تخصص لغة عربية وهي الكلية التي أصبحت فيما بعد نواة لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، كنت في ذلك التاريخ أعيش في مدينة الرياض طالبا وموظفًا، فالتقيته في رحلته تلك من أرض الحجاز إلى الرياض، طامعا في أن يكون ( مُعيدًا) فيما كان يسمى بجامعة الرياض، وحاليا جامعة الملك سعود.. والإعادة هي انتماء إلى السلك الأكاديمي، تسبق مرحلة الابتعاث إلى دراسة الماجستير والدكتوراه خارج المملكة.. كانيتطلع إلى درجة الدكتوراه، عندما كانت الدكتوراه تعني قيمة علمية مرموقة لا يتصدى لها إلا من ملك الفكر والكفاءة، قبل أن تصبح ( ماء مبذولا لشاربه).
استمعت إلى ما كان يفكر فيه، وطموحاته المتعددة، لكنه لسبب ما، لا أعرفه عدل عن ذلك وعاد أدراجه إلى منابت تكوينه في أرض الحجاز.. إلا أنه لم ينقطع عن التعليم مدرسًا ومسؤولاً. وعلى الرغم من قلة لقاءاتي به فيما بعد، إلا أني كنت في كل مرة ألتقيه أجد فيه توقد الذهن وسعة المعرفة، وشمولية الاهتمام إلى ما هو أبعد من الذات.
وقد وهبه الله أبناء عاشوا في مدرسته واستمدوا من أبيهم حب المعرفة والنظر إلى ما بعد السحاب، علمًا وفكرًا ومكانة، فأصبحوا علامة بارزة مقدرة في مجتمعهم.
رحم الله أخانا فهد بن جابر وأسكنه فسيح جناته.
ولعل في هذا الكتاب تاريخا استقرائيا لمسيرة الرجل وما تحلى به من قيم وعطاء وفكر وإنجاز.
ويضم الكتاب إلى جانب المقدمة والخاتمة إحدى عشر قسما، تتحدث عن سيرة الفقيد ومآثره، وقد شارك في الكتاب العديد من محبي الفقيد، ومن أبرز من كتب منهم سعد بن سعيد الحارثي الذي كتب تمهيدًا للكتاب بعنوان: «آلام الرحيل وتجربته في الباحة»، قال فيه: هذا المساء مرّ في فمي.. ألم في خافقي.. تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة وخواطر البوح، لا الدمع يكفكف آلام الرحيل، ولا الوجع الضارب في أعماق النفس يخفف لوعة هذا المساء مر في فمي، كل ما حولي يوحي بالذبول.. فالحروف تبعثرت والكلمات تلعثمت والخطوات تاهت فيا ليت شعري
لوكنت تفدى بالنفوس وتفتدى
لفدتك أنفسنا وما نتأخر
كل امرئ في الكون غالية الردى
والموت حتم للأنام ومقدر
على الرغم من الموقف العظيم والخطب الجسيم إلا أننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا، فلله الحمد والشكر ولا حول ولا قوة إلا به فيا رب اشمله بعفوك وغفرانك ولطفك ورضوانك واجعل مقعده عندك خيرًا من مقامه عند الناس.
رحل رجل المهمات والقيم والأخلاق والوفاء، ومع رحيله -يرحمه الله- فقدنا هامة من هامات التربية والتعليم، وقائدًا من أميز قادة الفكر الأدبي والثقافي، وبينما أنا تحت تأثير توارد الخواطر، واختلاط المشاعر المكلومة فيه، وجدت نفسي حائرا ماذا عساي أن أكتب عن حبيبي خالي والدي.. أستاذي.. قرة عيني الدكتور فهد بن جابر الحارثي الذي وافاه القدر في يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الثاني للعام هـ.حملناه على الأكتاف لنواري جثمانه في أطهر بقعة من بقاع الدنيا، مكة المكرمة، ونحن نلهج بالدعاء أن يكون قبره روضة من رياض الجنة. ماذا أكتب ؟ من أين أبدأ؟ اأكتب عن سمو أخلاقه وجزيل عطائه ؟ أم عن رجاحة عقله وحكمته وسداد رأيه ؟.. أم أكتب عن أعماله الطيبة في فعل الخير ومساعدته الآخرين؟ أم عن رقي تعامله مع الصغير قبل الكبير ؟.. أم أكتب عن قدراته الإدارية وخبرته القيادية؟ فالقلم جف مداده، والكلمات تعجز عن حقه، وما في القلب لن تترجمه لغات العالم كلها. كان لزاما علي أن أكتب عن رجل في ثوب أمة.. عن إنسان في مجموعة إنسان، عن رجل ترك الدنيا أفضل مما وجدها حياة ملؤها العطاء والتميز والإبداع، ولأنه يستحق أن تنصاع له كل أبجديات اللغة وأن تجري الأقلام بمدادها حتى تجف حبا ووفاء لكي أقدم للقارئ الكريم هذا الكتاب، وهو كتاب مختلف عن شخصية مختلفة، يحكي السيرة والمسيرة للدكتور فهد بن جابر الحارثي، وفي يوم توديعه الحياة الدنيا إلى ملاقاة ربه تتداعى المعاني ويبحر الخيال في تاريخه المشرق الوضاء، وسيرته الناصعة البياض.
وعلى الرغم من مرارة الفقد وألم الفراق، إلا أن الحديث عنه يحلو، دفق مشاعر، وبوح نفس، وخلجات محب صادقة غير مزيفة غرست منذ أيام الطفولة.
قائد تربوي ورائد من رواد الفكر والأدب، وضع بصمة نور في الحراك التربوي والتعليمي والثقافي شهد لها القاصي قبل الداني وحينما ندرك قيمة العلم ورواده نكون من أرقى الأمم حضارة. وحينما نؤمن بالفضل والمعروف لأصحابه نكون أكثر وفاء وإخلاصا لأنفسنا وأمتنا وبلادنا. ما إن عقدت العزم على إعداد هذا الكتاب، حتى توالت المشاركات الصادقة من الزملاء رواد التربية والتعليم، ورجال الفكر والأدب، ورجال الصحافة.. كتبوا عن مشاعرهم تجاه هذا الرجل المحبوب.
وقد رصدت مشاعر المحبين الأوفياء في هذا الكتاب لتبقى في ذاكرة الأجيال القادمة نموذجا يحتذى ونبراسًا يقتدى . والزمن ينقضي، والأيام تمر ومواكب الإنجاز للرجال الأفذاذ تراود الأذهان، ونحن والأجيال من بعدنا نقف إجلالاً واحترامًا وتعظيما لهم، كانت جهودهم وأوقاتهم لوطنهم ومواطنيهم، و(فهد) منهم، قدم لمنطقة الباحة ومواطنيها إنجازات تاريخية يشهد عليها الزمن، وأثرها ماثل للعيان.
لكن المتأمل في سيرهم يجد أن لديهم من الإصرار ما يفوق الموهبة التي يظن بعضهم أنها المورد الأهم في النجاح لديهم قدرة على عدم التخلي عن أهدافهم، ولا يعتريهم تسند إليهم، تصعب الكتابة عنهم. الخوف من المتاعب رحمك الله يا خالي فهد كل إنسان في هذه الحياة ينقش اسمه في المكان الذي يريد إلا القلوب فإنها لا تقبل النقش فيها إلا لمن نبضت لهم حبا واحتراما طبت حيا، وطبت ميتا، فالمعروف يبقى، والوفاء لا يضيع، وصنائع الخير ترجع لأصحابها، وعند الله لا يضيع مثقال ذرة.
أسأل الله العظيم أن يمنحك أسمى مراتب الجنة وأعلاها. أنا ممن عرفه بالمعايشة، وخبره بالتجربة. تشكلت شخصيتي ومعارفي وخبراتي معه منذ الصغر حتى الكبر ، عرفته (فهد) الإنسان (فهد) المدرسة الأخلاقية الراقية، إذا تحدث أمتع.. وإذا استشير سمعت منه الرأي السديد.. صاحب اللسان الفصيح، وصاحب الحجة والمحجة. مدرسة تخرج فيها أعداد كبيرة من رجال التربية والتعليم شهد له كل من عمل معه وكل من تعامل معه بالخير والفضل والإحسان نهل الجميع من تجاربه وخبرته، وجمع الله له بين محبة الناس، والسمعة الطيبة والصيت الحسن رحمه الله رحمة واسعة وجبر مصابنا فيه وجميعها تجاه دينه وقيادته ووطنهكانت له تجربة رائعة في العمل التربوي والإداري لما يحمله - رحمه الله- من سعة رؤية وحسن أداء. أكسبته التجارب والأيام دراية كبيرة، ونضجًا فكريًا. استطاع بما يتسم به من الأثر الطيب وبما وهبه الله من جدارة وقدرة ذهنية أن يدون في سجل العطاء الوطني الكثير من العطاءات الجيدة، والأعمال المتميزة الجديرة بالتسجيل في تاريخ المسيرة،ومواطنو الباحة الطيب أهلها، يعلمون ويعرفون حق المعرفة جهوده المبذولة في ميدان التربية والتعليم، وحرصه الشديد على الارتقاء بالهم التربوي، والفكر الثقافي، والتنمية الاجتماعية...».
وفي نهاية الكتاب وجه المؤلف سعد الحارثي شكره وتقديره لكل من شارك في تأبين الفقيد، قال فيها: « شكر وتقدير..بمزيد من الغبطة والسرور، تلقيت هذه الكلمات الصادقات في رثاء الخال الدكتور فهد بن جابر الحارثي، رحمه الله من زملاء العمل ورفقة المسيرة وعار في السيرة، التي كتبوها بروح المودة وصدق المشاعر ووفاء المرحلة.. فلهم مني كل الشكر والتقدير والثناء العاطر.
فالعود لا يستغرب من منشئه
والفضل لا يستغرب من أهله...
وجزى الله الجميع خيرا.
والحمد لله رب العالمين».