د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
هناك في الغاط الجميلة التي دائماً تُدهشنا؛ بالطاقات المكتنزة بكل الحب والفرح, الناطقة بأبجديات العمل والأمل, لقد أودعوها قلوبهم فازدادتْ كبرياءً وسمواً، واصطفت نخيلها لتعزف لتلك النفوس الكريمة ملحمة ثقافية كبرى تحتضنها مدينة صغيرة باسقة تمضي نحو المجد.
ومن منائر الغاط العالية ومنابرها الثرة، وفي محاضن الحضارة الثقافية التي تأسست هناك منذ زمن بين يدي الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه الله لتحفيز العقول وإنماء الثقافة وتقوية الآصرة المجتمعية إيماناً من مؤسس تلك الكيانات الثقافية أن التاريخ تصنعه المجتمعات الواعية، وفي كل عام نرقبُ وثبَ «منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع «نرقبه بكثير من الشوق حيث عانقنا وهجه منذ البدايات في المنتدى الأول عام 2008م, وتوالى العطاء ففي الرابع عشر من شهر ديسمبر الجاري جاء منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع في حلته الخامسة عشرة على نحو من الرواء والحيوية والامتلاء؛ فكانت الندوة وسماً جديداً في تاريخ المنتدى بعنوان (الأسرة في ظل التحديات المعاصرة) وفي مضامينها الاهتمام بالواقع المجتمعي ومقاربة المطالب الملحة للأسرة السعودية من خلال التترس الثقافي المجتمعي ومعالجة التحديات والمتغيرات التي تمر بها الأسرة السعودية بمنهجية ممكِّنَة ومتمكنة طرحتها المتحدثات في الندوة من الأستاذات والأكاديميات المتخصصات في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والأسرة وتقنيات التواصل الاجتماعي؛ عند ذاك احتشدتْ منابر المنتدى بالتعريف بخصائص وأنماط ودور الأسرة السعودية، وزخر هذا الجانب الافتتاحي بجزيل من الآراء الداعمة نحو حضور الأسرة السعودية في كل منصات التنمية الوطنية تحمل معها حزماً من التغيرات، ثمَّ توالى الطرح المكين على منابر المنتدى حول أبرز التحديات التي تواجه الأسرة السعودية وتضمن ذلك الحديث عن ارتباط الأسرة العاطفي مع المجتمع، والفهم لواجبات الطرفين تجاه بعضهما والمشاركة مع التشكيل الأسري، ومدى تحقيق ذلك في الواقع المعاصر، وكان هناك انتقال آمن في المنتدى للحديث عن عوامل الحماية في الحفاظ على كيان الأسرة التي توجهها لاقتناص فرص الوطن لدعم الأسرة السعودية وحماية كيانها ومصالحها، وترقية مكانتها في المجتمع محلياً وعالمياً بالثقة والتمكين, ومن ثم استعرضت المتحدثات الأنظمة والتشريعات التي تم سنّها واستخلاصها لدعم الأسرة من نوافذ السلطة الوطنية بالقرار الناجح والسلطة النافذة والقانون العادل, وكان للهوية السعودية خطاب فاخر في الندوة حيث هو العلاقة الدالة والمكون الأعلى للذهنية السعودية الواعية..
وفي مجمل الندوة بدا حضور الأسرة السعودية في الوعي والتوجهات والخيارات التنموية مشروعاً تبناه منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع في صياغات عديدة في تلك الندوة وسواها من الحراك المجتمعي الثقافي الذي ينساب من منتدى منيرة الملحم ويستهدف في رؤيته ترقية واقع الأسرة السعودية بكثير من التفاصيل المحفزة من خلال استعراض التحديات والظواهر والأسباب حيث اغترفتْ المتحدثات في الندوة جملة من الاستراتيجيات والمبادرات التي يُستشرف من خلالها تحقيق الاستقرار الأسري، وأسهمت في بسط الرؤى لتحييد العقبات التي تواجه مسيرة الأسرة السعودية وأنه لايمكن إحداث النمو إلا بوجود تناغم مجتمعي بين المتاح والممكن وذلك لأن فوارق الاستجابة الفكرية في واقع الأسرة السعودية اليوم تُظهرُ التقييم الحقيقي في موازين المقارنة، ولأن التطور خريطة نامية تتحقق من خلالها معادلة البناء التوافقي داخل الأسرة, ومن قوة إطلاقها وحضورها يأتي الاستقرار المفضي إلى التنمية المستدامة.
والأسرة السعودية اليوم تُوجِدُ نفسها وتُسقي زرعها، وتحظى بحضور تنموي فاخر فمسيرتُها اتسمتْ بالدقة في نقش انعطافات الانطلاق وأصبحت تحط رحالها في مواقع ثقافية عديدة، ولقد اهتمت القيادة رعاها الله بشؤون الأسرة منذ مرحلة الطفولة إلى كبار السن فاختطت لهم كياناً داعماً للأسرة السعودية صدر بموافقة مجلس الوزراء موسوم (بمجلس شؤون الأسرة) يحتضن كل المدارات التي تهم الأسرة السعودية ممايستحق التفاتاً وخروجاً عن دوائر التقليدية بتنوع أساليب المعالجة ومتانة القرار، والإضافات الذهنية القابلة للحراك والتطبيق لتصل الأسرة السعودية إلى سقف الكفايات المطلوبة.
وفي الندوة الحافزة كان هناك تنوع في أساليب الطرح، وثراء في البحث والاستدلال، وتوصيات تحيط الأسرة السعودية باستشراف سعيد لمستقبلها، ومن ذلك أن التوازن المطلوب لتحقيق جودة الحياة في الوسط المجتمعي الذي يتشكل من الأسرة يحتاج حتماً إلى اتفاق ضمني مشترك للالتفاف حول القيم والمبادئ لتكون مصدر تآلف وتلاحم, ودعم الشباب ببرامج هادفة تؤصل للهوية الوطنية وتركز على الجوانب الاجتماعية والثقافية وتنشر الوعي بالقوانين المستحدثة والتشريعات والإصلاحات التي تحقق للشباب معرفة عميقة بواجباتهم وحقوقهم, وبناء النموذج الأسري المتوازن الذي يكون مستعداً للتكيف مع المتطلب العصري مما يحقق واقعاً أسرياً جميلاً ومحفزاً وأكثر التصاقاً بالحياة؛ ليصبح تحالف الشباب مع المستقبل وارداً فممكنات التقارب الأسري معنوية تتواشج لتصنع أجيالاً صالحة وذلك الاستهداف هو مايسعى له منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع منذ تأسيسه وفي حاضره ومستقبله، رحم الله السيدة منيرة الملحم التي جعلت خدمة المجتمع من مستهدفاتها.