رمضان جريدي العنزي
البعض يصور ذاته بأنه الفذ وبأنه القادر على فعل المستحيل، يحاول تسليط الضوء على نفسه، ويطلب من الآخرين مساعدته في النفخ والتضخيم، كونه «زيفاً»، موهوب نادر، وله صفات باهرة، وقدرات فائقة، وأعمال رائدة سيعملها بكل قوة واقتدار، يستميت في النفخ والتضخيم للأنا، ابتغاءً لتحقيق الغاية التي يريدها ويتمناها، يتبعه جوقة من العازفين والطبالين والمنتفعين، وبالرغم من أنه لا يملك خلفية ثقافية، ولا رصيداً حقيقياً من العلوم والمعرفة، ولا حذق ولا معرفة ولا دراية، إلا أنه يحسب نفسه عميقاً وسحيقاً في كل شيء، إن النفخ والتضخيم المبني على أسس هشة واهية، لا ينتج رائداً ولا نادراً ولا صاحب تميز وتفرد، (كالهر يحكي انتاخاً صولة الأسد). إن الأشخاص العقلاء الذين لهم دراية ومعرفة وعلم وثقافة، ولهم مواقف مشرفة، وأعمال نبيلة، وخدمات إنسانية جليلة، يرفضون هذه الأعمال التي لا تنم سوى عن قصور ووهن، كونهم لا يحتاجون إلى (نفاخين) وليس هم من (المنتفخين)، إن مالديهم من البسالة والمروءة والنبل في ميادين العمل الوطني، والإنساني، يكفيهم للنفاذ إلى قلوب الناس وعقولهم، ويجعلهم مبجلين ومقدرين عندهم، إنهم رجالٌ يفيضون خلقاً وأدباً وتواضعاً، ويبتعدون كثيراً عن الضوء واللغو، إن الذاتيين الذين يبحثون عن الضوء والبريق نفوسهم مليئة بالأنانية، يتهاتفون على التصفيق كما يتهاتف الفراش على النار، ويلهثون وراء مكاسب معنوية ومادية وأناشيد مدح وإطراء وإشادة فارغة، وهكذا يتجلى بينهم وبين العظماء، الذين ليس لديهم تقاطعات في المسارات كونهم مخلصين لوطنهم ولمجتمعهم في مختلف الحقول والمجالات.
إن الطامة الكبرى أن يحاول من اختفى عنه البريق أن يحاول أن يستعيد البريق على حساب الحقيقة والواقع، عكس الرجال المخلصين الذين يأنفون من اللهاث وراء الأضواء، إنهم يعملون بصمت وهذا دليل إخلاصهم وعظمتهم ووفائهم، إن الخطب الرنانة، والوعود الكاذبة التي يطلقها هؤلاء الذاتيون الباحثون عن النفخ والتضخيم والتطبيل، مجرد فقاعات ما تلبث أن تتلاشى في الهواء، إن ركوب موجة الخطب الرنانة لبث الأكاذيب، لن تجدي نفعاً، ولن تجد أذاناً صاغية، إن الشمس لا تحتاج إلى تعريف، كونها واضحة وباهرة، فكذلك العظيم، لا يحتاج إلى ألقاب ونفخ وتضخيم وقصائد عصماء، فيكفي أن يذكر اسمه لتشرئب الأعناق إليه، إن الفرق كبير بين من يبحث عن الضوء، ومن يبحث الضوء عنه، لقد أصبح اليوم نفخ الذات صناعة مطلوبة لا يتحرج منها من يبتغيها، رغم كسحه العلمي والاجتماعي، فإنه يريد أن يسبق اسمه سطور وعبارات ضخمة، وألقاب فخمة، وهي ليست إلا من الأكاذيب والزيف والخداع، قال المتنبي:
وتركت مدحي للوصي تعمداً
إذ كان نوراً مستطيلاً شاملاً
وإذا استطال الشيء قام بنفسه
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً