إعداد - د. هناء بنت راشد الشبلي:
أسدلت هيئة الأدب والنشر والترجمة الأسبوع الماضي الستار على معرض جدة للكتاب لعام 2022م الذي قامت بتنظيمه تحت قبة سوبر دوم وذلك خلال هذه الفترة ما بين 8 - 17 ديسمبر, وشاركت فيه أكثر من 900 دار نشر محلية وعربية ودولية، و400 جناح معرفي، وقدمت أكثر من 100 فعالية ضمن برنامجه الثقافي الشامل والمتنوع، كما أقيم على هامشه مؤتمران نوعيان أولهما للنشر الرقمي، والثاني للخيال العلمي، حضره نخبة من الشخصيات الثقافية والمتحدثين السعوديين والدوليين إلى جانب جمع من مختلف أطياف المجتم.
تحت إشراف ومتابعة واهتمام صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة الهيئة، الذي قدم دعمه للمعرض بتوفير الإمكانات اللازمة للخروج بالصورة التي تليق بمكانة المملكة على المستويين الإقليمي والعالمي، وتعزيز حضور الثقافة السعودية كأحد روافد القوة الناعمة للمملكة. وقد أكد الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان بأن معرض جدة للكتاب سيشكل محطة أدبية تثري المشهد الثقافي السعودي, وهذا هو ما تحقق فعلاً ضمن مبادرة «معارض الكتاب» إحدى المبادرات الإستراتيجية للهيئة، التي عملت من خلالها على تطوير إقامة معارض الكتاب بالمملكة، بوصفها نوافذَ ثقافية تجمع صنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع المفكرين والقراء والمهتمين، بالإضافة إلى البرامج الثقافية المثرية المصاحبة لهذه المعارض، لتوفير تجربة ثقافية متكاملة لمختلف أطياف المجتمع.
ومعارض الكتاب لا بد أن تحقق الأهداف التي تقوم عليها معارض الكتب في الأساس, من خلال رؤيتين، الأولى رؤية اقتصادية ترتكز على تضييق جغرافية المكان أمام الباحث عن الكتاب والمشتري, وتتيح الفرصة أمام الناشر لعرض الجديد أمام أكبر شريحة ممكنة من المجتمع. والثانية هي رؤية ثقافية ترتكز على خلق جو من التفاعل الفكري بين رواد المعرض من مؤلف وقارئ وناشر.
ولقد سعدت بالمشاركة بورشة عمل ضمن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض يوم الخميس الموافق 15 ديسمبر تحت عنوان (الفنون الرقمية حاضر ومستقبل), قدمت خلالها عدة محاور حاولت فيها الربط بين موضوع الفنون الرقمية وبين بما يحدث من تطور تقني متسارع يمس جميع جوانب الحياة, استعرضت خلالها ما وصلت إليه تقنيات الجيل الثالث من العالم الرقمي والتي من ضمنها التجارة الإلكترونية بالعملة الرقمية ومفهوم تقنية (NFT), واستعراض نبذة بسيطة عن تاريخ الفنون الرقمية التي بدأت مع اختراع جهاز الحاسب الآلي عام 1950م في أمريكا وتاريخ أول معرض لفن الحاسب الآلي عام 1965م في ألمانيا, ومن حينها أصبحت الفنون الرقمية تؤثر في الفنون المعاصرة بمختلف أشكالها، وباتت تشكل حركةً فنيةً قائمة بحد ذاتها، حيث تم إبداع العديد من الأعمال الفنية، وعرضها عبر وسائط رقمية فقط، وامتد ليشمل أعمال النحت الرقمية، والأعمال التركيبية الرقمية، وعروض الأداء الرقمية، واليوم اقتحم مخرجي الأفلام ومصممين الألعاب عالم الفن الرقمي, الذي يتيح لهم إمكانية بناء عالم افتراضي بالكامل وخلق أحداث افتراضية. كما استعرضت بورشة العمل أهم التجارب الرقمية السعودية التي تثبت أنه بعد 40 سنة أقيم أول معرض جماعي سعودي برعاية وزارة الثقافة والإعلام السعودية قدمته مجموعة الفن الرقمي عام 2009م وكنت أحد الأعضاء المؤسسين لها. وذكرت أن أول استمارة تحكيم تتضمن معايير تقييم للأعمال الرقمية مستخلصة من بحثي للدكتوراه عام 2012م وتم العمل بها أثناء تشرفي برئاسة عدة مسابقات رقمية محلية ودولية. واستعرضت بعدها مستقبل الفنون الرقمية مع دخول الجيل الثالث وتم التعريف بتقنية «بلوك تشين» (سلسلة الكتل) blockchain المستخدمة في العملات الرقمية, وهي عملة غير قابلة للاسترداد, وتعتبر تقنية توثيق جديدة للسلعة, تسجل في عقد إلكتروني ذكي على موقع موثق وسجل ثابت, يتضمن ملف العمل الفني على توقيع رقمي يبدأه صاحب العمل فيه جميع تفاصيل العمل من : (اسم صاحبه ومقاسه ودقته, وقت الإنشاء وحجم الإصدار وتاريخه ومن سيتملكه, وهذه المعلومات تستمر مع البيع توضح تاريخ تنقله من مشتر إلى مشتر وسجل أي مبيعات سابقة ويتم إرفاق هذه التفاصيل بشكل دائم بالعمل الفني), وبهذا سيتمكن من توثيق هويتها وأصالتها والقدرة على تعقبها لو ضاعت، مما يوفر ضماناً دائماً للقيمة. وهذه التقنية لها ضرورتها الكبرى وأصبحنا نحتاجا في جميع مجالات حياتنا لتوثيق ما نملكه من إنتاج فكري أو فني أو ما لدينا من سلع لها قيمة مادية وفق عقود ذكية ضمن تداول على منصات رقمية ذكرت أهمها وأشهرها بالعالم مع توضيح أهم العملات الرقمية التي لها ثقة بالسوق عند المتداولين بها, كما تم عرض أشهر الصفقات العالمية للأعمال الرقمية التي تمت بتقنية «بلوك تشين» بالصور ومناقشة أهم صفقة عالمية تمت بمبلغ 70 مليون دولار تقريبا بمزاد رقمي كانت الوسيط به دار كريستنز العريقة. بعدها تم توضيح مزايا استخدام هذه التقنية NFT في أمور كثيرة من أهمها:
1. سهولة استخدامها لمن يفهم الحاسب الآلي, وتعتبر رائعة للمبتدئين.
2. واضحة وشفافة لأنها تتيح عرض أرصدة الحسابات والمعاملات أمام الجميع.
3. الثقة بالتعامل معها كونها منصات آمنة ماليا يمكن الاعتماد عليها, في وصول السلعة لأصحابها وعدم قدرتهم على الاحتيال.
4. خلوها من أي وسطاء قد يحولون بين البائع والمشتري.
5. حق الملكية لصاحب السلعة بشكل دائم وموثق حتى لو تكرر بيعها.
6. ثابتة أيّ يستحيل أن تتبدل بياناتها الوصفية، أو أن تُمسح، أو أن يتم العبث في ترتيبها وهذا ما يمنحها خاصية «الأبدية» في البلوكتشين. وتجعل هذه الميزة من هذه الرموز مقتنياتٍ ذات قيمة لا تُضاهى، فتصبح هدفًا لجامعي القطع الفنية من مختلف أنحاء الأرض.
وهناك مزايا كثيرة لا يمكن سردها في هذه المساحة, وكما أن هناك مزايا فهناك عيوب, من أهمها أنها مجال خصب للقرصنة من أصحاب النفوس الضعيفة بالاحتيال على من هم قليلي الخبرة بالتداول الرقمي, كما أن العملة نفسها متقلبة للغاية, ومن المألوف أن تنخفض قيمتها مئات الدولارات في لمح البصر, ومن المألوف أن ترتفع قيمتها فجأة. وهي أيضاً غير مدعومة من قبل الحكومات العربية, فالعملات الرقمية غير ممنوعة في المملكة العربية السعودية، ويسمح للمواطنين بالتداول فيها بحرية, وتسجل منصات تداول العملات الرقمية في السعودية ارتفاعاً ملحوظاً ومستمراً في معدلات الإقبال عليها, باستثناء البنوك التي تحتاج إلى إذن من مؤسسة النقد العربي السعودي، أو ما يُعرف بـ SAMA والحكومة السعودية تعيد تقييم وضع العملات الرقمية وتدرس إطلاق عملتها الرقمية الخاصة «عملة عابر» بالتعاون مع دولة الإمارات العربية لاستعمالها في التحويلات العابرة للحدود, لكن من الواضح للجميع دعم الحكومة السعودية لتعليم الفنون الرقمية بأنواعها ودفع الخرجين لسوق العمل وإحلال المواطنين بالشركات العالمية المختصة بهذا المجال, حيث افتتحت الأقسام الخاصة بالفنون الرقمية والتصميم واستحداث كليات خاصة بذلك والأمثلة كثيرة في مناطق المملكة. لتخريج دفعات من المصممين الرقميين الذين سيغطون متطلبات السوق المحلية مما يدعم ذلك رؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع حيوي ووطن طموح يواكب في مخرجاته كل جديد وعصري. ووزارة الثقافة قدمت الكثير من المشاريع التنموية التي تهتم بالفنون الرقمية وأقامت معارض عالمية خاصة بها, كما أن هناك مشروعاً (واحة الدرعية للفنون) وهو أحد برامج هيئة «الرياض آرت» سيفتتح قريباً بالرياض التي ستكون أول منصة عالمية تحتفي بالفنون والابتكار في مجالات الفن الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة وتقع في قلب محافظة الدرعية بجوار حي «البجيري التراثي» على مساحة تبلغ 10 آلاف متر مربع. وهذه المشاريع يفخر بها كل مواطن سعودي ويسعده رؤية بلده في مصاف الدول المتقدمة ثقافياً وعلمياً. واستناداً على ما ذكر أعلاه نستطيع أن نستطلع أن مستقبل الفنون الرقمية بالعالم سيكون كالتالي:
- أصبحت بداية حقبة جديدة وقوية للفنون الرقمية.
- تعد قوة دافعة للفنانين الرقميين للعمل والبيع.
- تمنح حالة من الانتعاش للفنون الرقمية في سوق الفن.
- تؤكد أن الفن الرقمي سيصبح له جمهور أكبر ومقتنون جدد بالعالم.
- زيادة مبيعات أعمال الفنون الرقمية وارتفاع أسعارها أكثر بالسوق العالمية والمحلية.
- زيادة التنافس بين الفنانين الرقميين على تقديم الأفضل والأكثر ابتكاراً.
- ستكون في تزايد وفي تطور وفي توسع وارتفاع لأسعارها بعد نجاح بيع الأعمال الرقمية المعتمدة على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)
- زيادة اهتمام الهيئات الحكومية والجهات الخاصة باقتناء أعمال رقمية.
- ستمنح دافعاً كبيراً لازدهار الفنون الرقمية وتطورها وتقبل المجتمع المحلي لها.
** **
فنانة تشكيلية - الرياض.
@hana_alshebli