جاء أُبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم نخل فقال: يا محمد، أترى الله يحي هذا بعدما رمّ؟، فقال: نعم، ويبعثك ويدخلك النار، فنزل قوله تعالى: وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا انتم منه توقدون، أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم، بلى وهو الخلاّق العليم".
تظهر الآيات أن الإنسان احياناً يحتاج إلى دلائل "عقلية" لإثبات أمور غيبية، وهذا ما يتعارض مع فكرة الكتاب الأساسية، والتي تتلخص في أن مسائل الغيب، واهمها وجود الله يجب الا توضع محل نقاش عقلي.
فقضية وجود الله يرى انها أقدس من أن توضع محل نقاش تنزيهاً لله سبحانه وتعالى، فالأصل في الإنسانية هو وجود إله، أما الإلحاد فهو الدخيل. فالرسالات السماوية لم تكن في قضيتها اثبات وجود الله، ولكن كانت في التوحيد، "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه أني لكم نذير مبين، ان لا تعبدوا الا الله ...الآية"، وقوله تعالى: "وإلى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وغيرها من الآيات، فقضية الإنسانية كانت الترنح بين الشرك والتوحيد، أما اثبات وجود الله فهو أمر لا مرية فيه عند الأقدمين كشيء يتوافق مع الفطرة.
لا شك أن أمر وجود الله منطقي ولا يحتاج إلى برهان عند المؤمنين، ولكن ما لا يمكن الهروب منه هو ان قضية الإلحاد أصبحت امراً واقعاً، والمناقشة العقلية واثبات البراهين للملاحدة ودحض ادلتهم اصبح أمراً لا مفر منه، فترك الإلحاد والملحدين بداعي تجاهلهم لينحسروا من تلقاء انفسهم مثل ترك السرطان ليستشري بجسم الإنسان إلى أن يفتك به، فالأصل لمعالجة السرطان هو محاصرته، وذلك يتم بمناظرات وبرامج ثقافية ـ بعيدا عن برامج "التوك شو"ـ وكتب ومجلات ومقالات متخصصة، أما تركهم فسنكون مثل النعامة التي تخفي رأسها بينما الأعداء يحيطون بها من كل جانب.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت البشرية بفطرتها الإنسانية تؤمن بفكرة الإله، والمسألة الكبرى كانت بين التوحيد والشرك، فكيف تغيرت الفطرة وظهر الإلحاد؟
يرى أن فلسفة اليونان كانت الأساس الذي قام عليه بناء الإلحاد في العقلية الإنسانية. ففكرة وجود الله من بدايتها فطرة إنسانية في مختلف الحضارات، ثم أتت ثقافة اليونان والتي درست الموضوع عقلياً فظهر الإلحاد، وبعد ذلك جاءت النصرانية مصححة للوضع فعزلت فكرة الألوهية من هذا الدنس وسمت بالله جل جلاله عن ان تضع وجوده موضع بحث، ثم تسللت إليها فلسفة اليونان مرة ثانية، فجعلت من وجود الله باباً ضخماً من أبواب البحث او من أبواب اللاهوت الكنسي، ونزلت بذلك الفكرة الدينية المقدسة عن وجود الله، إلى المستوى البشري.
ويبرر ذلك بقوله: "أن الأمة اليونانية معذورة بعض العذر لعدم وجود وحي تلجأ إليه من السماء" فعدم وجود الوحي أدى إلى الاعتماد على العقل وبالتالي ظهور الإلحاد ابتداء من اليونان، وأصبحت مسألة التدين في الجو الفكري لهذا التيار اليوناني مسألة عقلية لا شأن لها بالوحي، المؤمنون يبرهنون عقليا على ايمانهم.
أخيرا ....
الكتاب جميل من ناحية إعطاء نافذة فكرية عن إشكالية الاعتماد البحت على العقل، وقداسة فكرة وجود الله، والكيفية التي ظهر بها الإلحاد،
ما بعد اخيراً ...
بالنسبة للمؤمن، طالما ان هناك نص صريح، فلا نقول إلا "سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" أما لغير المؤمن، ففي البداية لا بد ان نرتقي به لدرجة الإيمان بالله عقلياً، ومتى ما امن فإن كل ما بعد الإيمان سهل.
** **
- خالد الذييب