ينهض كتاب "الحجاج في الخطاب السياسي السعودي" على مفهوم الإستراتيجية، بوصفها أداة إجرائية ومنهجية، وأداة يستثمرها الساسة لبناء الخطاب السياسي وتوجيهه.
فقد اتجهت غاية العمل إلى دراسة أساليب الساسة في تسيير الشؤون السياسية عبر اللغة، إذ أسهمت التقنيات الحديثة في استثمار الساسة للغة كأداة حرب، أو وسيلة لتدبير الشأن السياسي بمعزل عن المواجهات العسكرية، وأثبتت فاعليتها.
يتناول العمل الخطاب السياسي السعودي منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز إلى عهد الملك سلمان، مروراً بوزراء الخارجية، الوزير سعود الفيصل والوزير عادل الجبير، معتمداً على النظريات الحجاجية الحديثة، بدءاً من البلاغة الجديدة والحجاج اللغوي، إلى الظواهر الحجاجية الأسلوبية ومظاهر الحجاج، انطلاقاً من إستراتيجيات المخاطِب، التي تنتقي أساليب الحجاج وتنظمها، لاسيما في معارض الأزمات.
وقد أثبت العمل أن الخطاب السياسي السعودي ينهض على إسترتيجيات حجاجية مخصوصة، تؤسس للتقاليد الأدبية في صناعة الخطاب السياسي السعودي، سيما أنها قارة في بنية الخطاب عبر العهود السياسية الستة، لذلك يمكن عدها محصلة لفن من فنون الكلام في الحقل السياسي، فهي آلة اشتغال الخطاب وسمته المميزة.
يتضمن الفصل الأول دراسة لبنية الخطاب، بالنظر إلى صيغ التخاطب وكيفياته وكفاءة المخاطبين والمنجز الوظيفي للخطاب، وقد كشف هذا الفصل عن نمط مقامي خاص، اختطه الساسة السعوديون في مقامات مخصوصة، مما يعني أن الساسة السعوديين قد أعادوا ضبط مفهوم المقام في الحقل السياسي، بوصفه أداة فضلا عن أن يكون عنصرا، كما أعادوا ضبط مفهوم الخطاب بوصفه ممارسة متغيرة وليس نظاما.
وفي الفصل الثاني نسلط الضوء على أنواع الحجج التي اعتمدها الساسة السعوديون في خطبهم السياسية، وقد كشف هذا الفصل عن قوالب حجاجية استثمرها الساسة السعوديون في السياق السياسي، نحو الدحض والتعريض والهزء، عوضا عن استثمار النصوص القانونية برغم نفاذها وقوتها، وذلك لأسباب تتعلق بالقضية وموقف المجتمع الدولي منها.
ويسعى الفصل الثالث إلى إثبات أن الحجاج لا يقوم فقط على الاستدلال والبرهان، والعمليات المنطقية والفلسفية، بل يتجاوز كل هذا إلى البنى الصغرى في الكلام، التي تمثل المستوى الخطابي ومظاهر انسجامه وإفهامه، وقد كشف هذا الفصل عن تعويل الخطاب السياسي السعودي على الوحدات الصغرى في الخطاب، لقدح الاستلزامات، وصناعة التوجيه، وتوفير فضاء منسجم لحشد الحجج وتنظيمها.
يستقرئ الفصل الرابع ملامح الساسة ومواقعهم ونزعاتهم ومقاصدهم الضمنية، عبر النظر في أعلى مستويات المنجز السياسي، الذي يمثله (الأسلوب)، وقد أثبت هذا الفصل الكفاية الإستراتيجية للأسلوب بوصفه أداة حجاجية، والكفاية الإجرائية للأسلوب بوصفه أداة لمقاربة الخطاب السياسي. ويكشف هذا الفصل عن ظواهر الخطاب الأسلوبية الواسمة لمظاهر الحجاج، إذ تواتر العدول من الخبر إلى الإنشاء، ومن الاسم إلى الصفة، في معارض مخصوصة، سيما في معارض الحديث عن القضية الفلسطينية، التي تعد مشغلا رئيسا من مشاغل الخطاب السياسي السعودي، فهي القضية الأكثر دورانا في الخطاب عبر عهوده السياسية الستة.