سالم بركات العرياني
كانت مصر في ثمانينات القرن الماضي تعيش كعادتها في دعة ورغد العيش وكانت شوارع القاهرة تضج بالمارة. الازدحام في كل مكان وأصوات السيارات في حالة انسجام مع أصوات المارة. يمر عميد الرواية العربية نجيب محفوظ عبر الطريق المؤدي إلى منزله في القاهرة متجاوزاً بذلك العسكري أو ضابط الأمن وبائع الخضار والفواكه ملوحاً بيده كعادته حتى يلقي عليهم السلام ويواصل مسيره إلى أن يصل بنا إلى منزله المتواضع برفقة زوجته وابنتيه أم كلثوم وفاطمة وكانت الأخبار القادمة من السويد تبشِّر بأن نجيب محفوظ سيحصل قريباً على جائزة نوبل في الأدب ولكن في أي سنة؟! الله أعلم.
شاء الله سبحانه وتعالى أن يحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 88 ووقتها رفض الأديب النوبلي السفر خارج مصر حتى يستلم الجائزة وبدلاً من ذلك أوفد نجيب محفوظ ابنتيه أم كلثوم وفاطمة حتى يتسنى لهما استلام جائزة نوبل من ملك السويد. وكان عرض الحفل وقتها بشكل مباشر على التلفزيون المصري الرسمي وذلك حتى يفهم الناس أن نجيب محفوظ أديب مصر المتواضع ومن هذا المنطلق فقد كانت شاشات التلفاز تنقل كل ما يخص نجيب محفوظ بشكل مباشر.
حصل أديب الحرافيش وزقاق المدق وحديث الصباح والمساء على جائزة نوبل عن عمر يناهز ?? عاما، وكانت تلكم إحدى بركات نجيب محفوظ وهو أن يحصل على الجائزة كهدية كفاح آخر العمر تماماً مثل بقية الأدباء العالميين الآخرين.
وسرعان ما اندلعت النار في الهشيم فتسابق الأدباء والمفكرين للنيل من سمعة الأديب النوبلي وتشكيكهم في موهبته وإبداعه ودعي للمناظرة كذا مرة، ورفض أن يناقش هذه الصنف من الناس. يظل الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ عميداً للرواية العربية كما أن رواياته تحكي خلاصة عصر بكاملة ولغة السرد عند نجيب محفوظ تختلف عن غيره من الروائيين المصريين أو العرب؛ فهو من ناحية أقرب إلى الواقعية ومن ناحية ثانية أقرب إلى المرحلة الفكرية في حياة الأديب الراحل ورأى نجيب محفوظ أن المجتمع لا يصلح حاله سوى بالثقافة وهو اعتقاد جميل دفعه ذات مرة إلى أن يصفح عن المتسبب في قضية اغتياله في عام 1994م.
تعتبر القصة أو الرواية هي الفن الأكثر شيوعاً بين جمهور القراء وقد يعزى ذلك إلى أن أكثر من يفوز بجائزة نوبل في الأدب هم من الروائيين وليس الشعراء، فالرواية الابنة المدللة في القرن الحادي والعشرين.
وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) وذلك لما فيها من الجرأة والخروج عن المألوف إلا أن الأديب ظل متمسكاً بأن الرمز في أولاد حارتنا يظل نفسه الرمز دونما الرجوع إلى ما وراء الرمز والرواية هذه كانت قد انتهكت المحظور برمزيتها وجرأتها ليس على الحكومات وإنما على الله سبحانه وتعالى. وظلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر مصممة على أن جائزة نوبل لم تمنح لنجيب محفوظ إلا لسبب أنه تجرأ على الذات الإلهية في رواية أولاد حارتنا وقد أشير إلى ذلك فعلاً في خطاب تسلّم الجائزة عام 1988م
توقف الأديب النوبلي عن الكتابة الروائية التي بدأها في ثلاثينيات القرن الماضي بعد ثورة يونيو ?? ولفترة من الزمن حتى يتسنى له رؤية مستقبل الأمة المصرية وقتذاك بكل وضوح واستعاض عن الكتابة الروائية بكتابة سيناريوهات العديد من الأفلام والمسلسلات ثم عاود الكتابة الصحفية في الأهرام والعديد من الصحف المصرية وقتذاك.
يقول نجيب محفوظ في رائعته زقاق المدق:
(تنطق شواهد كثيرة بأن زقاق المدق كان من تحف العهود الغابرة. وأنه تألق يوماً في تاريخ القاهرة المعزية كالكوكب الدري... أي قاهرة أعني الفاطمية، المماليك السلاطين علم ذلك عند الله وعند علماء الآثار)
في خطاب تسلّم جائزة نوبل للآداب، إشادة بلغة السرد عند نجيب محفوظ عبقري الرواية العربية والأمر كذلك فنجيب محفوظ صاحب إنتاج روائي وقصصي كبير صور فيه المجتمع المصري بكل تنوعه واختلافاته.