الثقافية - حاورتها - مسعدة اليامي:
حديثها نغم و روايتها الأولى حلقت و عادت من أرجاء الوطن العربي وقالت عن عبق الورد: الكتابة رحلة شاقة منذ الفكرة وحتى السطوع، ويحتاج الكاتب للاعتناء به في وطنه يحتاج إلى أن ينظر إليه بعين الرضا من الجهات المسؤولة ليحقق أكبر قدر من الإنجاز، كمْ من المبدعين عرفنا عنهم من الخارج قبل أن نسمع بهم في داخل الوطن، تتحدث لكم بلغة ودق الحب المنهمل .. الكاتبة الروائية صباح حمزة فارسي تلتقيها الثقافية في حوار يتناول جوانب من نتتجها الروائي.
الرواية الأولى ماذا تعني لك وماذا أخذت منك وماذا منحتكِ؟
الرواية الأولى (عازف القنبوس) هي صرختي الأولى في وجه هذا العالم، كتبتها على مدى ثلاث سنوات ثم طبعت نسخة ورقية واحدة ثم وضعتها في أحد الأدراج لمدة عام خوفا منها وعليها، ثم تواصلت مع ناد أدبي لنشرها لم يرد النادي على خطابي وطلبي برسالة اعتذار حتى يومنا هذا. ثم نشرتها مع دار نشر على نفقتي.
لقد أخذت عازف القنبوس مني خجلي وهيبة كشف المستور، ومنحتني أجنحة من نور فطارت بي من السعودية للمغرب فكُتب عنها بحث مطول ونشر في مجلة محكمة، وللعراق لتكون في مؤتمر دولي بدراسة مقارنة عن رواية المرأة العربية، وكذلك للصحف السورية واليمنية والمصرية وحلقت بي في بعض الصحف الورقية والإلكترونية السعودية والعربية، عازف القنبوس هي معزوفتي الأولى قد عزفتها على حروف الكيبورد حيث بكيت مع وجع أبطالها، لم يتناثر الدمع بل جمعته بين دفات الورق وفي حال تقرأ القنبوس بجل مشاعرك، ستجعلك تلك المعزوفة تشاركها، تساندها بالبكاء أو بالتوجع معها، القنبوس ليست مجرد رواية بل هي حكاية أنثى تعرضت للظلم والوأد مجازا، وحين نسيها البشر، كتبت قصتها.
المبدع لا يختلف عن الفلك اليتيم الذي يدور وحده حتى يجد وجهته أنت ماذا تقولين؟
الفلك اليتم قد أضاع بوصلته كما أضعت بوصلتي في فترة من الحياة حينما تركت الكتابة وانشغلت في أمور الحياة وقتذاك درت كثيرا حولي، وقفت على رجلي، ورأسي مرفوعة هائمة أنشد الضياء، أشعر بالغربة عن الوجود، حتى يممت وجهي تجاه محراب الكتابة، اغتسلت من عوالق الحياة وبدأت الكتابة لتشافي ما علق بروحي مما رأيت وعاصرت وعايشت، جلست في ركني وكتبت ولا أزال في ذلك المحراب حيث أجد ذاتي كلما ضاقت بي الأرض بما رحبت.
أنت من النوع الذي يقرأ ما يقرؤه الآخرون أم أن لك خصوصية في ذلك؟
عندما كنت صغيرة كنت أقرأ ما يقرؤه من حولي وفي ذلك ميزة أن تقرأ ما تحبه وما لا تحبه،ولقد وجدت أنني لو أعجبني أسلوب شاعر، روائي، فيلسوف فأحب أن أقرأ لها، له، عدة أعمال وأنغمس بكلي في القراءة وأنهى الكتب من الألف للياء، لا أحب الأمور المعلقة فهي تشغل حيزا في فكري، أحب تصفية تفكيري بالانتهاء من الأعمال، قد أقرا بعض الكتب حينما يكون توصية من شخص تروق لي ذائقته الأدبية، ولكنني لي ذائقة أحرص على تنميتها بالتنوع بين الكتب، وكذلك أقرأ باللغة الإنجليزية فهي بالنسبة لي تفتح لي أفاق أخرى أحلق فيها عاليا.
عازف القنبوس هل توافقت فكرتك للعمل مع القراءات من قبل المختصين بالنقد وعشاق الرواية؟
فكرتي للعمل وصلت للجميع والحمد لله، بل ولقد وصلوا لعمق فلسفة سطورها، وكلنا يعرف أن الكاتب بعد الانتهاء من العمل يصبح مراقب له، قيل عن الرواية (عازف القنبوس) أنها تنتصر للمرأة، وأنها توضح معاناتها في مجتمع ذكوري وقيل أن لغتها بطل من الأبطال وأن شذراتها فلسفية، وقيل أيضا أن القنبوس معزوفة عاشقة والحقيقة أن عازف القنبوس قصة تتكرر كثيرا منذ زمن بعيد وحتى اليوم بمختلف الأشكال، ولأننا رأيناها كثيرا لم نعد نلتفت لما يحدث للنسوة، ما فعلته أنني توقفت عندهن وكتبت سيرة إحداهن في رواية.
كيف رأيت وقع القراءات النقدية على روايتك وهل كانت القراءة وأنت وسط الجمهور لها أثر ووقع آخر على نفسك ككاتبة؟
كانت القراءة النقدية في الصالون الثقافي النسائي بجدة مختلفة بصبغة ود ولقد جاء الود بيننا كنتيجة لشعورنا جميعا بمعاناة المرأة التي كان لازما أن نتوقف قليلا لأجلها ولو في رواية تحكي عن النسوة، عندما كنت بين الجمهور اختلفوا على بعض الشخصيات، وكنت أراقب وابتسم لتلك القدرة للرواية أن تجعل أحد الشخصيات والمكان والزمان موضوع هام للنقاش، كيف تتجسد الشخصيات لتكون حياة أمام الكاتب أولا ثم أمام كل من يقرأها لاحقا وكيف تتشكل في تفكيره وكيف يستقبلها المتلقي باختلاف تقاليده ومشاكله وثقافته، أحببت ذلك النقاش كثيرا، رغم اختلافي مع بعض النقاط ولكنه كان نقاشا ثريا.
قبل الشروع في كتابة روايتك ما الذي شعرت أنك بحاجة إليه من قراءات وترتيب لا يعرفه سواك أو فوضى أيضا لا يعرفها ألا أنتِ؟
قبل الشروع في كتابة الرواية كنت قد أتممت الكثير من القراءات قرأت روايات عربية بلغة رصينة، قرأت في الفلسفة، والشعر باللغة العربية والانجليزية.
من يقرأ الرواية الأولى عازف القنبوس وكذلك روايتي القادمة يجدها قد فصلت وخططت بشكل خاص فهي ليست فصول بل شذرات كأنما كل شذرة قصة و لكنها في الواقع تصب في الرواية بشكل لا لبس فيه، في مسيرتي التعليمية والتدريبية كنت أستخدم الخريطة الذهنية وهي معروفة في التدريب، عملت مخطط للرواية على الورق بخريطة ذهنية كبيرة تشمل مخطط تفصيلي للخط السردي للشخصيات ولتفاصيل كثيرة للغاية، وهذه الطريقة كررتها في روايتي القادمة بحول التي ما زلت أضع عليها اللمسات الأخيرة. الفائدة من المخطط انه يعيدني للمسار وكما نعرف جميعا في أثناء الكتابة للرواية في المنتصف تتشابك الخيوط ولا بد من الإمساك بالمتن السردي حتى الانتهاء منها، الطريقة فعالة للغاية. أما عن الفوضى فهي فوضى على الورق، اكتب بالقلم الرصاص لأنه أكثر سلاسة وانسيابا ثم أطبع على اللاب توب، فأطبع، اقرأ أمزق الورق، أعيد الكتابة، والطباعة وتمزيق الورق، هي رحلة مرهقة ومحطة جميلة في حياة الكاتب.
كيف تتجاوزين الضغط النفسي بعد الكتابة الروائية المرهقة وما هي الأوقات التي تناسبك للكتابة؟
أحب ممارسة رياضة المشي كثيرا، امشي مسافات طويلة حينا وغالبا اعمل في ممارسة الأعمال المنزلية وفي ذلك الوقت تحديدا تتحاور الشخصيات في مخيلتي ثم تُكتب في ذهني، وحين تصبح موجا عاصرا اكتبها على الورق.
القراءة تكون عادة في نهاية اليوم، في أوقات الانتظار، أما الكتابة فهي في أول ساعات الصحو، تبدأ الكتابة مع العقل وهو في أتم صحوته. وأحيانا قبل النوم.
هل هناك أسباب منطقية لكتابة الإهداء داخل الرواية بتلك القسوة أم أن ذلك تناهين مع أحداث الرواية؟
الإهداء هو لكل النسوة اللواتي يعانين من سطوة الذكر، لا أجده قاسيا إطلاقا، بل هو امتداد لمطالبة بالانعتاق لأفق يمكن المرأة من الإمساك بزمام حياتها، ولو قدر لي أن أعيد الرواية ما غيرت الإهداء، هو التنهيدة الأولى التي سكبت في جوف القارئ حتى يستعد لما بعد ذلك.
تناولت في الرواية من منظوري الوأد الروحي عند المرأة برأيك ذلك أشد من وئد الجسد على النفس البشرية؟
الوأد الروحي أشد ضراوة من الوأد الجسدي بكثير، وكلنا قد عايش نسوة تربين على الخوف من الأشياء حولهن، الخوف من الحديث الخوف من البوح، وفي وجهة نظري ذلك وأد روحي لا دليل عليه، وهذا الوأد يساهم فيه الذكور وبعض النسوة اللواتي يربين بناتهن على السكوت عن حقهن في الميراث، وفي أمور الحياة الأخرى.
أي شخصيات روايتك كانت أقرب لك وأيها تأثر بها جمهورك وأي الأسماء كان بالنسبة لهم غريب؟
صبرة بطلة الرواية كانت أقرب الشخصيات لي، بطلتي المثالية الصابرة المتمردة الهادئة، ولقد أحبها القراء وبكى لبكائها وحزن عليها، صبرة حملت الشعار عاليا عنهن، وعني وعن كل النسوة وأظن أن الجميع غضب من قرارها في نهاية الرواية لأنهم كانوا يريدون لها الخلاص مثلي تماما، ولكنها لم تستطع ذلك، الاسم الغريب الذي تسألون عنه كان (الهجير) قرية الرواية وهي قرية في ذاكرة الزمن، و (مار) بطل الرواية وهو مشتق من الإسبانية، وكذلك قرية الرها، كل اسم في الرواية وضعته بعد تفكير طويل لم يكتب أي اسم عبثا، من الأماكن للأشخاص لقد وظفت الأسماء لمصلحة الرواية. ومما أثار إعجاب الجمهور أيضا ما سطرته في بداية كل شذرة وكان عتبة للدخول من شذرة لأخرى.
مكتبتك الخاصة ما أهم الكتب التي بها وماذا تقرئين وهل أنت من عشاق الأدب العالمي وماذا أضاف لك؟
ابن قيم الجوزية وهو نار على علم، أحب كتاب الداء والدواء والروح وحادي الأرواح لبلاد الأفراح، وشعراء المهجر بدون استثناء، نزار قباني شاعر الأول مهما مضى الزمن غادة السمان رفيقتي منذ المرحلة الثانوية كلها منشوراتها لدي ورقية وإلكترونية، وجبران خليل جبران. ومن الروائيين إبراهيم الكوني، غسان كنفاني، عبده خال ومحمد علوان وأيمن العتوم، واسيني الأعرج وأحلام المستغانمي، من الأدب العالمي الفليسلوف غاستون باتشلاتر، دوستويفسكي، أجاثا كريستي، أليف شافاق، كارلوس زافون، باتريك سكينوند، نيكوس كازنتزاكي، شكسبير قرأته في المرحلة الجامعية باللغة الإنجليزية وحفظت مقولاته، وكذلك جون كيتس وويليام وردورث شعراء الرومانسية من إنجلترا الأدب العالمي لا يعترف بالحدود الجغرافية والزمنية فيه تعرية للنفس البشرية وولوج للذات الوجودية، يفتح للمرء عقله بشكل باهر.
احتفى بك الصالون النساء بنادي جدة الأدبي كيف تصفين لنا شعورك وما الرسالة التي تريد إرسالها لسيدات ذلك الصالون؟
كان احتفاء قيما وله في نفسي أثر بليغ، حقيقية شكرا لا تفي ولكنني أظن أنني وسيدات الصالون لنا همّ واحد وهو قضايا المرأة لذلك كان الاحتفاء منهن كريم.
بماذا تفكرين مستقبلا وهل نرى أعمالا روائية جديدة قريباً في ظل وفرة معارض الكتب بالسعودية؟
الحقيقة روايتي الثانية (همهمة المحار) قد ترى النور قريبا وهذه المرة الأولى التي أعلن فيها عن اسم الرواية.
وفرة الكتب في السوق السعودية ظاهرة طبيعية في ظل هذا الانفتاح في المملكة العربية السعودية، أثق أن القارئ ذكي للغاية ويعرف كيف ينتقي من كل الكتب ما يربو بين تلك الكثرة.
كيف تحاسبين الكاتبة التي بداخلك عندما لا تنتصر للقضايا الإنسانية أثناء الكتابة؟
الكتابة رسالة، ولكنها أيضا متعة، رحلة تشافي، لا يمكن أن تكون كل الكتابة رسائل وعظيه، حينها يفقد الأدب جماله، نحن مجرد كُتاب نحاول أن نصرخ عبر الحروف لعل هناك من يستمع لنا ويفهم رسالتنا، ولكننا نوارب نجمل نهمس حتى لا يمل مننا القارئ وفي تلك المواربة صرخات استغاثة يفهمها الحذق بينما تغيب عن البعض.
نترك الوردة الثقافية الفكرية الأخيرة لك فماذا تقولين؟
الكتابة رحلة شاقة منذ الفكرة وحتى السطوع، ويحتاج الكاتب للاعتناء به في وطنه، كمْ من المبدعين عرفنا عنهم من الخارج قبل أن نسمع بهم في داخل الوطن، كمْ من المبدعين سمعنا عنهم بعد موتهم، نحن نحتاج ليد تربت على أكتافنا المتعبة، وتساعدنا على الكتابة وتهيئ لنا البيئة والوقت لذلك، يدا تقول لنا نحن معكم في مسيرة النجاح والعطاء للوطن.