تبوك ملهمة الشعراء العرب كتاب صدرحديثا قبل عامين (2020) عن دار النابغة للنشر والتوزيع / طنطا لمؤلفته أستاذ الأدب في جامعة تبوك من بنات تبوك تستميت في حب وطنها و ديرتها تبوك.. يظهر ذلك من أول عبارة خطتها في الكتاب (الإهداء) «...إلى من علمتنا حب الوطن وغرست في نفوسنا روح الانتماء.. «تقول (المقدمة)» تبوك اسم يطرب لسماعه الشعراء والأدباء والعلماء والمؤرخون..».. الباحثة ضمن كوكبة الباحثين الذين أهلتهم جامعة تبوك لأداء أدوارهم، تخصصت في اللغة العربية،فعشقت الشعر العربي تتلذذ بتذوقه أخلصت للشعروتتبعت أسراره فعلق بذهنها ولسانها مما يؤكد هذه الخاصية فيها استمرارهافي سبر أغواره في كل الأزمنة وعند الشعراء،تغوص في فنونه، ومساراته وأدواره، وحضوره في ذاكرة الحياة والأزمنة والأمكنة، ولعل تعايشها مع إيقاع الشعر أرشدها إلى فكرة كتابها(تبوك ملهمة الشعراء)مفيدة من ممارساتها البحثية واستلهام تطورات المنطقة ومواكبتها مما جعلها توظف إمكاناتها المعرفية في إضاءة جانب لمنطقة تبوك لم يطرقه أحد قبلهاـ كما أشارت في كتابها فسعت إلى إبراز هذه الفكرة تزامنا مع ما تشهده منطقة تبوك وفق الرؤية المستقبلية ولم تخرج الفكرة إلا من فكر وذهن عاشقة لوطنها وديرة أجدادها وهذا دور مهم المفترض يعمل عليه أي باحث خيركم لأهله، وكذلك الفضل يعود لله ثم لوجود نهضة تعليمية مزدهرة في كل أنحاء الوطن ومنها منطقة تبوك تتمثل في حضور جامعة تبوك القوي والقيام بدورها في خدمة المنطقة والاحتفاء بمقدراتها ورعاية ثقافتها،وموروثها وتمكين أبنائها للإسهام في بناء الوطن وإعداد باحثين يثرون البحث العلمي بكل جديد ومنهم الباحثة (د.عائشة العطوي) تزودت المؤلفة في كتابها بالمنهج العلمي مقدمة وتمهيد وتجريد خطة وفق المنهج الوصفي الاستقرائي، وحين يتوقف القارئ أمام أهمية الدراسة سيجد شمولية استقصاء الباحثة مضمون الفكرة فحددتها في أربع نقاط منها:
- رصد الأشعار التي ورد فيها اسم تبوك وضواحيها ومحافظاتها على مر العصور الشعرية.
- إبراز الوجه المشرق والمستقبل الزاهر لمنطقة تبوك من خلال المشروعات العملاقة (نيوم،البحر الأحمر وأمالا).
كذلك في الكتاب استوقفتني أسباب اختيارها فكرة كتابها (تبوك ملهمة الشعراء..):
-عشقي لتبوك فأنا بنت هذه المنطقة الطيبة، فأردت أن أعرف بها وأوفي بعض حقها..من خلال تخصصي الأكاديمي.
- الرغبة في التعريف بتبوك ومحافظاتهاوضواحيها بعيون الشعراء في العصور الماضية حين يخدم كل باحث وطنه ومنطقته على الأخص بكل الوسائل يستحق الشكر والعرفان بكل الوسائل.. الخدمة قول وفعل.. وفي بلادنا نماذج يفتخر بها الوطن.
وكانت أهداف الدراسة على درجة من الأهمية تتمثل في:
- جمع الأشعار المتناثرة التي ذكرت فيها تبوك وقراها ومحافظاتها على مر العصور بين دفتي دراسة واحدة.
- دراسة أدبية تضيف للمكتبة الأدبية، قامت على جمع أشتات الأشعار المتفرقة بين طيات كتاب التراث الأدبي العربي عن تبوك وضواحيها.
تتكامل هذه الدراسة مع الدراسات السابقة عن تبوك فتقدم محتوى جديدا للقارئ والمتخصص.
قسمت المؤلفة موضوع الكتاب إلى ستة فصول،وردت عناوينها وفق التسلسل المعهود لعصور الشعر العربي على النحو التالي:
الأول: ويشتمل على مفاهيم حول الشعروأحوال الشعر ما قبل الإسلام ثم التوقف على صدى تبوك وتوابعها ومما ذكرته المؤلفة أن تبوك لم تذكر صراحة على ألسنة الشعراء وإنما ذكرهم مما يتعلق بها من الأمكنة والوقائع والقبائل، منها:حصن السموأل المسمى بالأبلق، ووادي القرى، وذكر أهل مدين،والأشهر هو حضور تيماء ( التيماء الأرض التي لا ماء فيها..) بالاسم في شعركل العصور وأولها ما قبل الاسلام من ذلك قول امرئ القيس يصف أثر السيل على تيماء:
و(تيماء) لم يتركها جذع نخلة
ولا أطما إلى مشيدا بجندل
تردد اسم تيماء كثيرا في شعر عنترة والنابغة وغيرهم.
الثاني: تبوك في شعر صدر الاسلام.. ترتبط قصة تبوك بالإسلام منذ أن نزلها الحبيب سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وأقام بها أيامافأخذت قراها تتردد على ألسنة الشعراء بالإضافة إلى ما سبق ذكر شروري، شرما،شغب، دجوج، حبران غيرها.
الثالث: تبوك في الشعر الأموي ذكرت تبوك بلفظها،كما ذكرت معالمها وقراها بكثرة عكس ما جاء في العصور السابقة، وممن احتفى بها في شعره عمر بن أبي ربيعة من ذلك قوله:
وبذي الأثل من دوين ( تبوك)
أقتناوليلة الأخراب
, وجميل بثينة وكثير عزة والآخر ورد في شعره (حقل) قائلا:
سقى دمنتين لم نجد لهما أهلا
بحقل لكم يا عز قد رابنا حقلا
الرابع : تبوك في الشعر العباسي
الشعراء العباسيون أكثروا من الاحتفاء بتبوك بالاسم حين يذكرون النبي- صلى الله عليه وسلم- و غزوة تبوك وحين يذكرون اليمن أو حين يعددون الأقاليم العربية مثل العراق واليرموك قول البحتري:
فخرسان فصاحن فاليمن النازح
صنعائها فأهل تبوك
الخامس: تبوك في الشعر الأندلسي وشعر الدول المتتابعة
ذكرت تبوك بندرة في الشعر الأندلسي بصفتها موقع إحدى غزوات- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنشركلمة التوحيد،كذلك لاحظت الباحثة ندرة ذكر ضواحيها إذ ورد في شعرهم تيماء والأبلق.. تعزو ذاك إلى البعد المكاني بين تبوك وبلاد الأندلس،وممكن بصفة أن تبوك ليست من العواصم التي يكثر الترحال منها وإليها.
وإذا توقفنا على حضور اسم تبوك عند شعراء الدول المتتابعة تؤكد الباحثة كثرة ذكرها وضواحيها في شعرهم ورد ذكر أماكن بعينها مثل( الشرف و المويلح،عينونة،ذات الحاج وادي الأخيضر)..وغيرها..قد يرجع ذلك إلى قرب تبوك من الإمارات المتتابعة ( الزنكية والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية )، مما لاحظته الباحثة تنوع الأغراض الشعرية التي ذكرت فيها تبوك، بخلاف العصور السابقة التي تذكر فيها تبوك عند التوقف على الشعر الديني.
السادس: تبوك في الشعر الحديث والمعاصر.
اتفق الباحثون على أن العام 1798م، نهاية القرن الثامن عشروانطلاقة التاسع عشر يمثل انعطافة محورية في الاتجاه نحو التحديث عربيا في شتى المناحي ولا يتم تحديث الشعر إلا بعد تحدث حياة المثقف والأديب والشاعر، وهذا ما حدث للأدب العربي ضخت في مفاصله لقاحات خارجية فبدأ التحديث
قارئ الفصل السادس من الكتاب سيقف على حضور اسم تبوك عند شاعر مدرسة الإحياء محمود سامي البارودي في قصيدته الميمية (كشف الغمة في مدح سيد الأمة فوردت تبوك في البيت الخامس:
وحين أوفى على (وادي تبوك) سعى
إليه ساكنها طوعا بلا رغم
تتوقف الباحثة عند الحضورالملهم الأسمى لتبوك في ذاكرة الشعراء بقوة وثراء خاصة الشعراء الذين عاشوا على أرضها سواء المقيمين أو أهلها شغلت مساحة واسعة من دواوينه ذكرت من الذين أقاموا فيه الشاعرة العربية (شريفة أبو مريفة) حين استحضرت تبوك في أكثر من قصيدة بعد أن غادرتها وتداعت ذكرياتها والأحبة واللقاء ممتدحة طيب سجايا أهلها:
تبوك على محياك تجلى
ربيع العمر واخضر العطاء
.....
ففي أرض الشمال تركت قلبي
وما بين الضلوع هنا خواء
والشاعرالفلسطيني (محمد توفيق- رحمه الله-) الذي وهب تبوك الحب والعطاء العلمي والثقافي أكثر من أربعين عاما سجلت له الباحثة نصوصا منها قوله:
إيه تبوك وأنت درة شمال
فيك البيان على المنى يزدان
أحببت فيك على الوفاء أصحابا
قاموا على شرف المداد فزانوا
ومنهم شاعر العلا...(سليمان المطلق) تفانى في خدمة تبوك أمنيا وثقافيا فترة من الزمن بسبب عمله في الأمن العام وكان للمكان دوره في إذكاء قريحته ومشاعره تجاه تبوك، يقول:
طابت تبوك وطاب الفال والأمل
وجد يوما به الأفراح تكتمل
ص 158
أما أبرز شعراء تبوك فهما:
الشاعر (مسلم فرج العطوي،محمد فرج العطوي) استأثر الوطن بمساحة واسعة من دواوينهما، قبل شعرهما حظيت بحبهما وولائهما فمن دواوين مسلم فرج (وطني عشقتك 1431) ومن دواوين محمد فرج (ديوان وطني غنيت لك)،1422).
وفي الفصل (السادس) خصصت الباحثة مساحة واسعة لذاكرة الشعرالتبوكي متمثلا في بعض قصائد الشاعرين مسلم فرج العطوي ومحمد فرج العطوي إذ هما أكثر الشعراء استمرارا بالاحتفاء بمنطقتهما فحضرت تبوك ومحافظاتها تاريخيا منذ عصر الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى الوقت الحاضر ومراحل تطورها في عهد الدولة السعودية الثالثة ومازالت تتردد في ذاكرتهما في كل مناسبة وستحظى بالمزيد من القصائد.
انتقت الباحثة عددا من قصائد مسلم فرج منها المناسبات الوطنية العامة والخاصة،مثل زيارات الملوك والأمراء بأكثر من قصيدة حاولت الباحثة تأصيل بعض مفردات شعرية مهجورة الاستعمال – خصوصا في الشعر القديم في الوقت الحاضر فشكل وجودها نوعا من الغرابة مثل (العقص، الدعص)كذلك التعريف بالأعلام والأمكنة والمسميات، وقد بذلت جهدا في توثيقها وإغنائها بالمصادر.
اللافت للاهتمام اعتماد الباحثة على (223) من المراجع خدمت الفكرة وهو تقليد علمي يضيء للباحث التالي الطريق نحو بعض ما كتب عن تبوك إلا أنني حين قارنت بين عدد المراجع وبين عدد صفحات المادة العلمي (176) وجدت تناقضا بين الطرفين فالمساحة المعطاة للمتن أقل من عدد المراجع، كذلك لاحظت عدم النظر في النصوص موضع ا لدراسة بتوسع ومعالجتها بصورة تعمق غوص المكان في ذاكرة الشعراء على مر العصور، فقد تجنبت مد جذور المقارنة والتأثير والتأثر بين خط سير الشعرالتبوكي وعدم الاهتمام ببسط الظواهر الفارقة عبر تلك المراحل.
اعتقد من الممكن أن يكون حضور تبوك في الشعر العربي أكثر اتساعا فلو تمهلت الباحثة ووسعت الاستقصاء كان سيظهر لها المزيد، وكان من الممكن تصدر الدراسة في جزءين تبوك في الشعر القديم وتبوك في الشعر الحديث.
أعتقد وصف الكتاب بدراسة يخالف ما ذكر في مقدمته المشار إليها(بدراسة) ذات أهمية وأسباب وأهداف ومنهج وفق رؤية محددة كما يؤشر سير الدراسة؛ فهو أشبه برصد وتوثيق النصوص المتضمنة تبوك بأي صورة، وأي مشروع بحثي أدبي لا يكتمل إلا إذا تضمن بصمة فنية تضفي على المشروع الجمال والمتعة وتفصح عن جهود الباحث وعمق طرحه وبصمته، فالدراسة تحتاج إلى وقفات تأويلية تشبع القارئ وتكشف عن علاقة النص بالمكان والزمان وأنساقه، أرى أن من الأنسب اختيار المنهج(الوصفي التحليلي) فهو مخول ببحث أدق تفاصيل الفكرة موضع الدراسة، يبحث ويناقش ويفسر ويقيم. المنهج تفيد منه جميع الأبحاث التي تحتاج إلى الكثير من الجهود حتى تنتهي إلى نتائج مقنعة فعالة.
** **
- د.عائشة يحيى حكمي