تناولت هذه الدراسة قضايا التنوير في المسرح السعودي من خلال مسرحية (وسطي بلا وسطية) التي عرضتها جامعة اليمامة عام 2006م، كما تطرقت إلى تاريخ المسرح في السعودية من حيث الوظيفة التنويرية ابتداء من عام 1932م، وعرجت على مفاهيم التنوير، وناقشت تجربة مسرح جامعة اليمامة من حيث الوظيفة التنويرية، وقامت بوصف وتحليل الخطابات المؤيدة والمعارضة المتقاطعة مع المسرحية انطلاقًا من أطروحات ميشيل فوكو في أركو لوجيا المعرفة، وتناولت بالتحليل نص مسرحية (وسطي بلا وسطية) في إطار المنهجية البنيوية. وألمحت الدراسة إلى جملة (غزوة اليمامة)، التي شاعت في خطاب المتشددين دينيًا، بوصفها تنبئ عن جملة (أرشيفية)، يعيد الخطاب السائد إنتاجها عند المتشددين دينيًا، ويؤسسون عليها ووجودهم وسلطتهم التي تنتمي لنظامهم المعرفي Episteme، القائم على الفكر الماضوي.
وتأتي أهمية هذه الدراسة بوصفها تلفت النظر إلى إدراك المسرحيين لوظيفة المسرح؛ من حيث هي وظيفة تنويرية كما تعيد النظر في المسرح؛ بين أن يكون مكبلًا باتجاهات متطرفة، أو أنظمة بيروقراطية وبين أن يكون طليقًا يؤدي وظيفته التنويرية.
وبدأ الكتاب بتقديم للبروفيسور/ عادل بن خميس الزهراني أستاذ الأدب الحديث والنظرية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، حيث قال: "تأتي هذه الدراسة لتناقش حدثاً يضم طبقات من التشكيلات الخطابية؛ ابتداءً بالمسرحية بوصفها صوتاً فنياً يناقش الواقع بأدواته الجمالية الخاصة، مروراً بصوت المهاجمين الذين لا يدركون -ولا يؤمنون- بدور الفن التنويري، وانتهاء بصوت المتفاعلين مع الحدث في الصحافة والإعلام والمجالس ومنتديات الإنترنت"، مبينا أن هذه الدراسة تضيف طبقة أخرى، وصوتاً جديداً، بعد مرور ستة عشرة عاماً على الحادثة.
وتحدث العتيبي في التمهيد عن ليلة اقتحام المجموعة المتشددة دينياً بإسهاب كما حدثت على أرض الواقع، وأشار إلى كثير من التفاصيل التي تقال لأول مرة، وتجيب على كثير من الأسئلة، وتصحح كثير من الأخطاء.
كان التركيز في هذه الدراسة على موضوع قضايا التنوير في تجربة مسرح جامعة اليمامة منصبًا على مسرحية (وسطي بلا وسطية) وحدها، لتسليط الضوء أكثر على الظاهرة محل الدراسة، في حين تنبه هذه الدراسة المؤسساتِ المعنية بالمسرح، أو التي تتعامل مع المسرح إلى سؤال التنوير في المسرحية بخلاف أن يكون مسرحًا مناسباتيًا ليس غير؛ يؤدي مهمة وقتية وينتهي، كما تأتي أهمية هذه الدراسة التي تتناول قضايا (المسرح في السعودية والتنوير) باعتبارها ترفد موضوعًا قلما يتناوله الباحثون، في وقتٍ تفتح فيه أبوابًا لدراسات أخرى تتناوله من زوايا متنوعة
واستعرضت الدراسة الخطابات المؤيدة والخطابات المعارضة للمسرحية، وقامت بتحليل الخطابات من مواقع الأنظمة المعرفية لكل منها، حيث سرد العتيبي أقوال عدد من المثقفين والإعلاميين في المسرحية، مثل: تركي السديري، د. صلاح فضل، شوقي بزيع ، لطيفة الشعلان، عبد الله بن بجاد، أحمد أبو دهمان، سامي الجمعان، وغيرهم، ويقابلها أقوال المتشددين، ليخرج في النهاية بأن الخطابات تحكمها أنظمة معرفية تشكلها وتمثل في ذات الوقت سلطة تتغلغل في حياتنا من دون أن نشعر، ويبقى الخطاب المنحاز للإنسان هو الأجدر بالعناية والاهتمام، باعتباره خطاب تنويري متجرد من أي أيدولوجيا، يسهل على الفنون تحقيق أهدافها العليا، مثل: العدل، والحرية، والسلام، والجمال. بينما ألمحت الدراسة إلى مفاهيم التنوير غير حاضرة في مسرح المؤسسات الحكومية والأهلية لأنها تعد المسرح نشاطا من الأنشطة، أو تعمد عليه ليحقق استراتيجياتها وأهدافها، من النظر إلى المسرح بوصفه فنا لها غايات نبيلة عليا.
وخلصت الدراسة إلى نتائج مهمة لها علاقة بالتنوير ومسرح جامعة اليمامة، والمسرح في السعودية بصفة عامة، والغايات النبيلة من الفنون، وأنها أكبر من كونها نشاطا، أو مناسبة. أو احتفال.