د. محمد بن عويض الفايدي
وتأتي الشراكات ضمن أهم الآليات للعمل المشترك والبناء بين القطاعات الخدمية والإنتاجية في هذه الدول مما يُسرّع من وتيرة التنمية وبناء قطاعات قائده للتنمية في هذه الدول تحفز القطاعات الأخرى نحو ريادة الأعمال والإبداع. ولعل المسارات الثقافية والفكرية والإعلامية وتعليم اللغة العربية في نحو 300 جامعة صينية وتعليم اللغة الصينية كذلك في عدد من الجامعات العربية يعتبر آلية عملية تساند الإرادة الجادة لقادة وشعوب هذه الدول للارتقاء المستمر بهذه العلاقة إلى أفاق بعيدة عبر محطات زمنية قادمة.
ولعل القوة الناعمة لنحو 28127.500 مليون مسلم في الصين يعتبر بوابة عربية عملاقة للولوج إلى تلك الحضارة والثقافة والاستفادة من معطياتها. كما أن القيم السامية والمبادئ النبيلة التي تجمع العرب والصين من الحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها وسيادة القانون واحترام الأخر وسمو التعامل وموثوقية التجارة ومشروعية توسيع دوائر الاستثمار جميعها آليات فعَّالة لتعزيز واستمرار هذا التعاون.
وقد عملت هذه القمة على تقديم نموذج اقتصادي عالمي جديد ولم تدع لنظام عالمي جديد ذلك لأن هذه القمة حسب ما يبدو قمة إبداع وريادة أعمال تسعى لتقديم منهجية اقتصادية جديدة برؤية عملية تتوافق فيها الرؤى والمصالح الاقتصادية وتعمل على الاستفادة من الفرص والموارد والإمكانات التكاملية بين منظومة الدول العربية والخليجية والصين وتستفيد من معطيات التقنية بما يخلق فرص عمل بديله ومشروعات إستراتيجية ضخمة تؤثر في مسيرة الاقتصاد والتجارة الدولية وتُسهل آلية التمويل والمقايضة النقدية بين هذه الدول بالعملات الوطنية لهذه الدول في إطار مفاهيم توافقية تُحقق المصالح وترتقي بالأهداف إلى تطلعات وآمال شعوب هذه الدول بما يكسر الحلقة الاحتكارية في الصناعات التقليدية ويُمكن من نقل التقنية الدقيقة التي تساعد في تسريع الصناعة ومضاعفة الإنتاج والاستغلال الأمثل لعناصره والتأسيس لصناعات أكثر تطوراً في الدول العربية تعمل على تطوير البنى التحتية الإنتاجية والخدمية في هذه الدول. ويُمكن من الاستفادة من الموقع الجغرافي لهذه الدول وفي إشارة إلى معطى واحد فقط كمثال على هذه المعطيات فإن المملكة العربية السعودية تمتد حدودها على ساحل البحر الأحمر بطول يصل إلى نحو 1900 كيلو متر وجمهورية مصر العربية لها تقريبًا ?نصف? هذه المسافة على الشاطئ الأخر من البحر الأحمر وللمملكة مشروع نيوم وآمالا ومشروع جزر البحر الأحمر. ومصر لها استثمارات ضخمة في قناة السويس وسيناء والقاهرة والإمارات العربية المتحدة لديها استثمارات كذلك في الطاقة البديلة وصناعة السيارات الكهربائية والسيارات الطائرة وكل هذه فرصة لها حق الاستفادة من التقنية الصينية ورأس المال البشري الصيني الذي سيحدث نقلة نوعية في هذه الاستثمارات وما يتبعها. إن تفاقم الأزمات في المنطقة وتحديدًا في منطقة الشرق الأوسط يجعل من هذه الأزمات محل عناية واهتمام هذه الدول ومجالاً واسعًا لتكامل جهود هذه الدول في هذه القمة لتبني حلول عملية جذرية لهذه الأزمات من أجل تحييدها والعمل سوياً لنزع الخنجر الإيراني المغروس في خاصرة الأمة العربية لتبديد مقدراتها وتشتيت جهودها كما هو الحال في العراق وفي سوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والتدخلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة لزعزعة أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر وتهديد مصادر الطاقة في الدول الخليجيةالذي يؤكد على أهمية توحيد الجهود لدرء خطر تجاوزات النظام الإيراني ليس على دول المنطقة فحسب، ولكن عن الداخل الإيراني ذاته الذي يقود فيه الجيل الجديد انتفاضة شاملة يقمعها النظام بعنف ومع هذا تتصاعد وتتزايد يومًا بعد يوم. وفي هذا الإطار أسهمت قمة الرياض في دعم حل الأزمات بالمنطقة وهو ما يمكن الجزم به لوجود المعطيات والحيثيات الجلية لتأكيد ذلك فقد كان للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات جهود مشهودة في إطلاق سراح عدد من السجناء الغربيين من سجون روسيا وسجناء أيضًا في الأزمة الروسية الأوكرانية واستخدام الصين حق النقض الفيتو ضد عدد من القرارات في مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية. ولهذا يعول على تضافر الجهود لمنظومات هذه الدول انطلاقًا من هذه القمة لمعالجة الأزمات الحرجة القائمة في هذه المنطقة منطقة الشرق الأوسط وما ينجم عنها. ومن الطبيعي أن تستثمر الدول العربية هذه الفرصة لتعزيز التعاون وتجسير العلاقات غير التقليدية مع الصين في المجالات الأمنية والاقتصادية والعسكرية أولًا للقدرات الصينية الضخمة والملموسة في هذه المجالات ولحاجة الدول العربية للخبرات الأكثر تقدمًا وتطورًا وأيسر تمويل في هذه المجالات الحيوية وتمتلكها الصين باحترافية وثانيًا لوجود أرضية قائمة بين الدول العربية والصين من خلال اتفاقيات وعقود جارية قابلة للتطوير والتفعيل والبناء عليها. وفي ظل ما يساق من دعوات بأن نتائج القمة الرامية إلى تعميق العلاقات مع الصين تؤثِّر على العلاقات الإستراتيجية للدول العربية وعلى مواقفها وعلاقتها بالقوى الدولية الأخرى وتحديدًا الغربية منها كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فهذه السياقات غير صحيحة لسببين:
السبب الأول: أن هذه القمة تعد تعميقًا للعلاقات وتوسيع دائرتها وتجسير للعلاقات السابقة مما يجعل التبادلية بينها أكثر عمقًا وإيمانًا بالمصالح. فما هو على المستوى الشخصي بين الأفراد يمكن القياس عليه في العلاقات الدولية لأنها في النهاية هي علاقات وتفاعلات بين أشخاص في إطار مؤسس فالإنسان على مستوى العلاقة والصداقة الشخصية يوسع دائرة علاقاته ويضم إلى محيطه أصدقاء جدد والذي بدوره ينعكس إيجاباً على أصدقائه الآخرين ويجعل فرصة الاستفادة وتبادل الخدمات والمصالح والمنافع أوسع وتنشأ علاقات تجارية واقتصادية واجتماعية ومصاهرة ونسب قد يستحيل حصولها لولا هذه الدائرة الأوسع لجذب الأصدقاء وبناء العلاقات.
أما السبب الثاني: فإن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا قد أدركت أن العالم عندما كان تحكمه أيديولوجية القطبين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي وبينهما منظومة دول عدم الانحياز التي كانت تسعى للنفاذ وخلخلة تلك القطبية وما تلاها من مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي وتبديد الأيديولوجية الاشتراكية عبر صراعات الحرب الباردة وما تلاها من حروب وأزمات، وبذلك أضحت أمريكا تدرك أيضاً أن وسائل الاتصال والتواصل الحديثة وتقنية المعلومات قد جعلت من العالم قرية صغيرة لا يمكن إدارتها والتحكم فيها بنظام القطب الواحد، ولذلك يبدو أنها تتجه نحو تقسيم العالم إلى مناطق أقاليمية تضم مجموعة دول -تقسيم أعلى من الإقليمية- ثم تعزّز وتدعم دور إحدى القوى البارزة والمؤثّرة فيه لإدارة تلك المنطقة الإقليمية في إطار مفهوم جديد يمكن الاتفاق والتوافق عليه مع تلك القوة بالدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري وكأن العالم أمام معطى جديد يمزج الإدارة بالسياسة والاقتصاد في مفهوم وكأنه «الإدروساقتصادية. ويبدو أن الفرصة مواتية لأن تستفيد الدول العربية من طريق الحرير الذي تقوده الصين لموقعها الجغرافي وبعدها الجيوسياسي ومواردها وثرواتها الجاهزة للاستثمار وإرادتها القيادية والشعبية الجادة لاستثمار كافة الفرص الآنية والمستقبلية وجاهزية مشروع طريق الحرير للانطلاقة بقوة، فالكبرى قادمة والدول العربية لن تدعها تطوف عليها دون تهيؤ واستعداد يُحقق المصالح ويُعظم المكاسب انطلاقًا من مبدأ المكسب المكسب دون تجاهل للغرب الذي شاخ ويعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية تراكمية شديدة، إذ إن حجم التضخم في بريطانيا وصل إلى 18 % وفي الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا نحو 11 %. وشرعنوا للمثلية بالزواج من نفس الجنس لجعل الإنجاب خارج هذه الدائرة من أجل إنتاج جيل بشري خارج منظومة الأسرة السوية ليتم تسخيره في الحروب وميادين البطش وإن هلك فلا والدين معروفين أو أسرة تسأل عن مصيره. وفي هذا الإطار أدركت الصين أن العالم والعالم الغربي تحديدًا يمر بتحولات لها إفرازات وتبعات تتصل بالحاجات والاحتياجات البشرية من غذاء وكساء ودواء وطاقة واتصالات ومواصلات وعملت على ذلك عبر عقود من الزمن وأصبحت تُترجم ذلك في نقلات نوعية وخاصة في الاقتصاد والتجارة والتقنية والذي يوحي بأن هناك تغيرات اقتصادية حقيقية قادمة وماضية على الدل العربية استثمارها بأقصى قدر وبكافة الإمكانات للنفاذ من التحديات والمخاطر المستقبلية.