رمضان جريدي العنزي
يتداول الناس بسرعة البرق وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك رجلاً يشفي من الأمراض المستعصية التي عجز عنها الأطباء وعن إيجاد دواء ناجع لها، يهرعون إليه ويتواصون عليه، ويتقاطرون عليه من كل فج عميق، ابتغاء الصحة والعافية والشفاء العاجل، تداول آخر بأن هناك عجوزاً تبلغ من العمر عتياً تعمل (سفوفاً) و(دهوناً) مميزاً يشفي من أغلب الأوبئة والأمراض المستعصية والطارئة والتي عجز عنها الطب الحديث، أيضاً رجل مسن صاحب خبرة طويلة في (الكي) يعالج عن السكر والكوليسترول والسرطانات والربو، تداول آخر يقول بأن هناك بئراً ماءه مغاير ومختلف عن كل المياه يشفي من الأمراض الجلدية والحساسية وهشاشة العظام يتوافد عليه الناس من حدب وصوب، ينصبون حوله الخيام ويتزاحمون حوله لمدد طويلة، هكذا يشيع الناس الخرافة دون تمحيص ولا تدقيق ولا تأكد، والنتيجة لا شيء البتة، وكثيراً ما تحدث الانتكاسة أو الإعاقة أو تفاقم المرض أو الموت، أن الخرافة بضاعة فاسدة لا يصدقها سوى الجاهلين والمغفلون، قائمة على تهميش العقل، واعوجاج السليقة، بعيدًا عن العلم والمعرفة ومعطيات المنطق السليم. إن الخرافة قائمة على الخزعبلات والدجل والكذب، ولها لون وشكل وتحريف، ومنظِّرون ومتلقون وزبائن ومريدون، والخرافة بعيدة جدًّا عن الحجة القويمة، والدليل الصحيح، لها ظلمة وعتمة، وليس لها نور وضوء، أصحابها حمقى وجهلاء، يجيدون خلط الحابل بالنابل، والبياض بالسواد، مبرراتهم واهنة، ودلائلهم ضعيفة، طبقة من الناس لا عمل لهم سوى التهويم والتهويل، وصنع الدجل والبُهت والخرافة، يجيدون تغفيل الناس المجاني، لهم سذاجة وتبلُّد حسي، ينساقون وراء مصالح شخصية بحتة، ثعالبيون في الفكر والتعامل، وضباع في الحجة والمنطق، متقعرون في الفهم والإدراك، ولهم قدرة فائقة في اللف والدوران، وعجزهم بائن في الدليل والإثبات والحجة، إنهم يريدون أن يبنوا لهم مجدًا على حساب الآخرين من خلال المراوغات والهلاميات الباهتة. إن الخرافة من أبشع ألوان الطرح، ومن النادر جدًّا أن تعثر على (خرافي) واحد له فكر وقّاد وعلم ومعرفة وحجة قاطعة ودليل، ومن هنا كانت البلية العظيمة بوجود عدد كبير من الخرافيين الذين لا شغل لهم سوى الزج بالخرافة، والترويج لها وفق معطيات واهية، لا أساس قويماً لها. إن الخرافة لها آثار ذميمة، ومنتجات وخيمة، تحرض على الفصام الفكري، وتضعف الحجة والمنطق، وتزرع بالنفس النكد. إالخرافيين أصحاب عاهات أخلاقية وأدبية، مظاهرهم مستعارة، ويخفون وراءها كثيرًا من الأمراض والأدران والأوبئة، ما عندهم نفع اجتماعي، ولا وطني، ولا ينهضون بالمجتمعات، ولا همّ لهم سوى التنفيس عن مخزون نفسي رهيب، يختلسون الحقيقة، ويرفضون الواقع بعيدًا عن النزاهة وقواعد وموازين الأخلاق والإنسانية والحضارة، للخرافيون عصابات آثمة، تهوى المستنقع والظلمة والظلام، ويتنكرون للضوابط والموازين، انتقلوا من خندق الإيمان إلى خندق الفساد والإفساد والشيطان، أعمالهم ليست سوية، وجرائمهم في حق العقل والفكر والمنطق كثيرة، بشعون حد التقيؤ، يسكن الجهل نفوسهم الواهنة بلا منازع، عندهم شعور بالنقص، لهذا يصطفون مع الخرافة، وينخرطون معها في مشاريع وهمية وعبثية، مفلسون بالكامل، خالفوا الفطرة والحال والواقع، وداسوا على الحقيقة والواقع دون خجل ولا حياء ولا ذرة من إيمان، يستهينون بالعقل والمنطق والحقيقة والواقع، وهم بالمنظور الأخلاقي من أسوأ المنحدرين إلى سفوح الجشع والطمع، ويستثمرون بالجهلة، وفق تنظيرات وتنبؤات وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، مثلهم مثل الذين يرجمون بالغيب، ويضربون بالرمل والودع، وهم إلى جانب ذلك كله أسهموا كثيرًا في انتشار الخرافة الآثمة. إن الخرافيين فرسان الخزعبلات والتلاعب بالألفاظ، انزلقوا كثيرًا في ميادين الكذب نتيجة خوائهم الروحي والأخلاقي، وطمعهم المادي البحت، وضعف وازعهم الديني، لقد سوًّدوا صحائفهم بالمروق والعصيان، ولن يفلحوا أبدًا، وسيبوءون بالإثم المبين، وعلى الذين يلاحقونهم، ويمارسون الدعاية لهم نشراً كاذباً، ومدحاً باهتاً، في السوشل ميديا، والقنوات الفضائية، وفي المجالس والمناسبات، أن يتوقفوا عن هذا، وليعلموا علم اليقين بأن العالم وصل سطح القمر، واكتشف علم الصوت، وعلم الهواء، وعلم الطيران، وعلم البحار، وعلم الذرة، وعلم التخدير، وعلم النجوم، وعلم الوعي واللا وعي، وعلم الفضاء ، والكيمياء والفيزياء، والبلورات والذرات والجزيئيات والأنزيمات وقياس الوقت والطقس والمناخ والرياضيات والفطريات والجراثيم والبكتيريا والغيم والطب الكلي والعقاقير واللقاحات وبنوك الدم والسونار والمسبارات والربورتات والأنسولين ورقائق الدماغ البشري وزراعة الأعضاء، وغيرها الكثير والكثير جداً من العلوم والمعارف الحديثة، والتي توقفت عقول الجهلاء وأصحاب الخرافة والمعجبين بها والمصدقين لها والمشيعين وتحجرتناستيعابها أو التصديق بها، نتيجة الجهل واللغو والتنطع وعدم تفعيل العقل وتشغيله كما أراده الله تعالى لنا، وخلقه من أجل ذلك.