في السابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين وزير التعليم السعودي الجديد معالي الأستاذ/ يوسف بن عبدالله البنيان ليقود دفة التعليم في وقت تشرئب فيه الأعناق لرؤية المستقبل الزاهر لتحقيق مستهدفات التعليم في رؤية المملكة 2030.
ومن اللافت أن يقوم معالي الوزير في بداية خطواته العملية في الوزارة بالتقاء قطاع التعليم الخاص ومستثمريه وتفقد وضعه الفعلي إيماناً منه بدور التعليم الخاص وقطاعه الاستثماري حيث قال: (إن ما سمعته من القيادة الرشيدة فيما يخص دور التعليم في تحقيق رؤية المملكة 2030 وكذلك دور القطاع الخاص في هذا المجال وأهميته، وأن يكون القطاع الخاص ليس جزءاً بسيطاً بل المكمل الأساس للقطاع العام في التعليم).
لا شك أن هذا الحديث الدقيق والرؤية الفاحصة لتؤكد على أن قطاع التعليم الخاص في المملكة سيشهد حقبة جديدة من التطوير والرعاية ليواكب منطلقات رؤية المملكة 2030 وتحقيق مستهدفاتها.
إن الاستثمار في التعليم العام في المملكة تحكمه لوائح وأنظمة وتوجه العمل فيه وتضبطه وتحدد صلاحياته، وبالنظر للواقع نجد أن لائحة التعليم الأهلي الصادرة منذ 48 عاماً لا تواكب مطلقاً ما وصل إليه التعليم الخاص في المملكة فضلاً عن انتقاله لحقبة التخصيص في التعليم، لذلك يتطلع القطاع لتطوير كامل اللوائح والتنظيمات والتشريعات لجميع أنواع التعليم المختلفة وأن تتبنى معايير جودة للخدمات التعليمية المقدمة في مدارس القطاع.
ولا شك أن هذا التطوير يتطلب عملاً تكاملياً بمشاركة عدة جهات من القطاعين الحكومي والخاص.
لقد بذلت وزارة التعليم بصفتها الجهة المشرعة لقطاع التعليم الخاص والمشرفة عليه والراعية له جهوداً كبيرة خلال العقود الماضية حتى أفردت له وكالة خاصة بالتعليم الأهلي لتبدأ مرحلة جديدة من الاهتمام والتركيز على القطاع بالشراكة مع المستثمرين في كافة أنحاء المملكة من خلال القنوات الرسمية في الغرف التجارية وعقدت اللقاءات وورش العمل لمحاولة تطوير القطاع وتذليل العقبات والتحديات التي تواجهه، ولكن الجهود المبذولة في سبيل ذلك تضعف نظراً لارتباط القطاع بجهات أخرى متعددة خارج الوزارة وتعدد هذه الجهات والوزارات تجعل الحلول بطيئة في أحيان ومتعطلة في أحيان أخرى.
إن وجود جهتين في التعليم مرتبطتين بقطاع التعليم الخاص يعد مشكلة واضحة وشكلاً غير منجز، حيث تتولى الوزارة الجانب الإشرافي على مدارس القطاع بينما تتولى شركة تطوير التعليم جانب الترخيص والمباني، ولا بد من إعادة النظر في هذا الوضع بحيث يكون قطاع التعليم الخاص مرتبطاُ بجهة واحدة تتولى التشريع والترخيص والإشراف والمتابعة والتطوير للوصول إلى مستهدف رؤية المملكة 2030 بوصول قطاع التعليم الخاص إلى نسبة 25 في المائة من التعليم في المملكة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال ما يأتي:
أولاً: توحيد الجهة الراعية لقطاع التعليم الخاص في المملكة ممثلاً في وزارة التعليم، وتنشئ كياناً مناسباً لرعاية القطاع بما يتلاءم مع الخطة الاستراتيجية لتحقيق مستهدفات الرؤية يتضمن ما يأتي:
- التخطيط وتطوير السياسات بشكل دوري.
- آليات وإجراءات التراخيص والاعتماد.
- آليات وإجراءات الإشراف والمتابعة.
- دعم المستثمرين بتوفير الأراضي والمباني وقنوات التمويل والإقراض بالتنسيق مع القطاع الحكومي المموّل، والقطاع الخاص مثل البنوك وشركات التمويل.
- إجراءات ضمان الجودة في مدارس القطاع.
- إجراءات تطوير مدارس القطاع في جميع الجوانب التعليمية والفنية والإدارية.
ثانياً: الإسراع في إصدار لائحة التعليم الخاص لتواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030 المرتكزة على الاقتصاد المبني على المعرفة بحيث تكون هذه اللائحة بمثابة الأساس النظامي والقانوني الذي يتم من خلاله تنظيم إجراءات التراخيص والاعتماد والمتابعة والدعم والتطوير بالإضافة للعمليات الإدارية والممارسات التربوية في مدارس القطاع وتحديد حقوق ومسؤوليات جميع الأطراف المعنية، وإصدار دليل يوفر المعلومات والآليات اللازمة لتنفيذ اللائحة التنظيمية لمدارس القطاع وربط كل ذلك بمنصة إلكترونية خاصة بالقطاع يتم من خلالها عرض وإنجاز ومتابعة الإجراءات المنفذة.
ثالثاً: وضع خطة استراتيجية شاملة للارتقاء بمستوى مدارس القطاع وتجويد مخرجاته بحيث تدعم الجهود الرامية إلى تحقيق مستهدفات رؤية المملكة في مجال التعليم الخاص.
رابعاً: تفعيل نظام النافذة A One Stop Shop للمستثمرين الراغبين في افتتاح المدارس بحيث تتضمن إنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بجميع الجهات ذات العلاقة بالاستثمار في قطاع التعليم الخاص من بداية التقديم للاستثمار وحتى الحصول على رخصة البناء وكل ذلك في مكان واحد ومن خلال منصة واحدة.
خامساً: إنشاء منصة التوطين (Teacher Recruitment Platform) لتوظيف المعلمين والمعلمات السعوديين وفق إطار نظامي مشترك بين وزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية بحيث يتقدم من خلالها الراغبون في العمل في مدارس القطاع وتضمن توفر الشروط اللازمة للرخصة المهنية للمعلمين وفق إجراءات المنصة وبالتالي تنتج للقطاع معلمين مرخصين للقيام بمهام التعليم تتولى مدارس القطاع توظيفهم في الشواغر المتاحة كل عام وفق عقد موحد يحفظ حقوق الطرفين مما يتيح فرص عمل كبيرة في إطار منظم ومحكم.
سادساً: دعم ملف التخصيص وترشيد الإنفاق الحكومي على التعليم وذلك بتعزيز الاستثمار في القطاع بدعم التوسع في مدارس القطاع وتفعيل نظام القسائم التعليمية Education Vouchers لتحويل قبول الطلاب من خلال منصة القبول والتسجيل في مدارس القطاع مقابل صرف مبالغ محددة للمدارس لا تتجاوز في بعض الأحيان خمسين بالمئة من تكلفة الطالب في ميزانية الإنفاق الحكومي على التعليم.
وإن السعي لتطوير قطاع التعليم الخاص ودعم التوسع فيه سيعجل بتحقيق المستهدفات الواردة في رؤية المملكة 2030 وذلك من خلال الخطوات التي يتبناها معالي وزير التعليم مدعوماً بتوجيهات القيادة الرشيدة ومنطلقاً من خبرة إدارية نوعية وهائلة نأمل أن تنعكس على قطاع التعليم الخاص باعتباره استثمارا في تنمية الإنسان الذي من خلاله تتحقق ثمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد العظيم.
** **
- خبير التعليم الخاص والاستثمار